حكايات باب العامود 11 : المقهى
قال : هل تابعت مسلسل باب الحارة، فاجبته بالتاكيد كبقية الملايين في العالم العربي تابعت هذا المسلسل الذي يذكرنا بالزمن الجميل !زمن الشهامة والكبرياءء والعطاء والمحبة للعام قبل الخاص فقال : ان ما جرى في مسلسل باب الحارة من حكايا اجتماعية والقصص الاخرى هي نفسها التي كانت تجرى في القدس ايام العز ، واذا اردت ان تتخيل كيف كانت القدس يمكنت ذلك من خلال مشاهدة المسلسلات السورية التي تحكى عن تلك الفترة.!
واضاف والحديث للفنان المقدسي المبدع جمال اسعيد : انا اتذكر من القصص التي كان يرويها لي جدي كيف كانت حارة باب حطة تسمى حارة القبضيات، وكان كل مقاوم للانتداب البريطاني يلجا الى الحارة التي كانت توفر له الحماية المطلوبة ، يسكت للحظات لرد على هاتفه النقال والذي يسمعك نغمة افتتاحية مسلسل باب الحارة ، ومن ثم يكمل حديثه الممتع عن ايام يجهلها المقدسيون عن مدينتهم : لا زلت اذكر ولكن بشكل خفيف اجمل مقهى في البلدة القديمة شهد الكثير من القصص والحكايا وكان فعلا مركزا ثقافيا رائعا، انه مقهى علون والذي تحول مع مر الزمن الاصفر الى منزل يخفى بين جنباته اجمل الذكريات وتاريخ رائع لمدينة اروع ، هذا المقهى كان به كما في المسلسلات الشامية المدخل الضيق لتنفتح امامك ساحة واسعة وسطها بركة ماء حولها الياسمين ، وحولها الطاولات الصغيرة وكراسي القش القصيرة ايضا وفي صدر المقهى كان هناك كرسي مميز من المخمل الخاص ، هذا الكرسي يقول الفنان جمال اسعيد اثار فضولي فسالت عنه وقالوا انه كرسي الحكواتي الذي كان يتلف حوله رجال القدي من كبار السن والمقام والشباب الجميع يتنظروا ان ينطق الحكواتي بكلماته التي تلهب مشاعر الحضور، فلقد كان الحكواتي ممثلا وراويا في نفس الوقت .
هنا توقف جمال اسعيد عن الحديث بعد ان اغروقت عيون بالدموع التي لم يتمكن من حبسبها من شده تاثيره بالمنشهد الذي يراه امامه ماثلا حتى يومنا هذا .
توقف كانه يقول ان القدس كانت حارات ولكل حارة استقلالية ولها زعيم ، وكل هذه الحارات عملت بريطانيا المحتلة على تفكيكها كما فعلت فرنسا الاستعمارية بالحارات الدمشقية والتي حولت قسما من هذه الحارات الدمشقية الى شوراع ولم تبقى حجرا على حجر فيها ، اما بريطانيا الحنونة فانها فرقت البشر وابقت على الحجر بعد ان طمست تاريخها لستعداد للمرحلة القادمة والتي ساهمت فيها بريطانيا في الباس هذه التاريخ الاصيل لتاريخ غريبا ...
اما المقاهى المقدسية القديمة التي اصبحت اثر بعد عين يقول عنها الصديق العزيز والباحث الفذ بشير بركات في احدى مؤلفاته الكثيره عن القدس وتاريخها " ... ان شرب القهوة انتشر في القدس أواسط القرن السادس عشر، حيث انتقل إليها من الشام، ولعله تمّ على أيدي أبناء العائلات التي استقرت في القدس بعد التعميرات الهائلة التي أحدثها السلطان سليمان القانوني في المدينة.
فقد عثرت في سجلات محكمة القدس على أسماء عشرة أشخاص من أهل الشام نقلوا مهنة إعداد القهوة إلى أهل القدس، ويلاحظ أن بعض مقاهي القدس كان يقوم بدور النوادي الثقافية، حيث أسّسها بعض أعيان المدينة وارتادها مشايخ وعدول، ومنها قهوة الشيخ أبو الوفا العلمي وقهوة شمس الدين الوفائي في باب القطانين وقهوة الشيخ محمد حسن الشافعي وقد تطورت بيوت القهوة مع مرور الزمن فأصبحت تَعرض لروادها المسرح الشعبي "الكركوز" والروايات الشعبية "الحكواتي"، حيث نقل فنانون شاميون تلك الأنشطة إلى القدس حسبما يُستدل من سجلات المحكمة، فممن مارس تلك المهنة عبد النبي بن حسين الحكواتي الدمشقي والحاج خليل الحكواتي عام ومحمد فرارة الحكواتي ويُعد محمود الحكواتي أشهر من مارسوا هذا الفن حتى عهد الاحتلال البريطاني، وهو من أهالي الشام، لكنه كان يقضي شهر رمضان في القدس ويقسم كل ليلة إلى عدة فصول فيبدأ بالتمثيل بعد الإفطار بساعة في مقهى خليل نجم، ثم في مقهى محلة باب حِطة، ثم في مقهى الهوسبيس في محلة الواد ثم في أحد مقاهي محلة خان الزيت أو محلة النصارى، ثم في مقهى علي زحيمان الذي كان يخصصه للشعر والأدب، ثم في مقهى النابلسي خارج باب العامود حيث يستمر أداؤه حتى يُضرب مدفع السحور."
انه تاريخ عريق لمدينة تعشقها الملائكة قبل البشر
وللحديث بقية