يواجه الأردن تحديات مستمرة فيما يتعلق بحرية الصحافة، حيث صنفت العديد من التقارير الدولية البلاد ضمن الفئة "غير الحرة" أبرزها التقارير التي أصدرتها مؤسسة "فريدوم هاوس" ، وهو مؤشر يعكس مجموعة من العوامل، منها الإطار القانوني المقيد، والضغوط الأمنية على الصحفيين، والرقابة على وسائل الإعلام.
تاريخيا، لم يُسجل الأردن حالات قتل أو تعذيب للصحفيين، على عكس بعض الدول العربية على وجه الخصوص التي تشهد انتهاكات جسيمة لحرية الإعلام ودول الإقليم بشكل عام أبرزها دولة الإحتلال إسرائيل التي قتلت في الحرب الأخيرة على غزة فقط 192 صحفيا وصحفية حسب وزارة الصحة في غزة.
هذه النقطة تمنح الأردن فرصة حقيقية لتحسين تصنيفه على مؤشرات حرية الصحافة بالمجمل ومنها "فريدوم هاوس"، إذا ما تم العمل على معالجة القيود القانونية والإدارية التي تعيق حرية الصحافة.
الحكومة الأردنية أعلنت أكثر من مرة أنها تعمل على تحسين تلك المؤشرات ، لكن النوايا بالمحصلة لا تكفي في هذا الإطار إذ لا بد من خطوات عملية جادة يتم الأخذ بها لتحسين تصنيف الأردن في مؤشر حرية الصحافة، وإلا سيظل تصنيف الأردن متراجعًا، ما يؤثر على صورته الدولية.
ومن أهم هذه " الخطوات العملية التي تعمس النوايا الحسنة "، إصلاح الإطار القانوني والتشريعي، عبر إلغاء أو تعديل القوانين المقيّدة: مراجعة وتعديل قوانين مثل قانون الجرائم الإلكترونية، قانون العقوبات، وقانون المطبوعات والنشر، خصوصًا المواد التي تجرّم النشر الفضفاض أو تفرض عقوبات سالبة للحرية على الصحفيين.
وكذلك إلغاء التوقيف بسبب قضايا النشر: ضمان عدم توقيف الصحفيين أو ملاحقتهم قضائيًا بسبب آرائهم أو تقاريرهم الصحفية. كما حدث مؤخرا مع الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي، والصحفية هبة أبو طه.
كل ذلك تحت إطار ضمان حق الحصول على المعلومات وتفعيل قانون حق الحصول على المعلومات وتعديله ليصبح أكثر شفافية وسرعة في الاستجابة لطلبات الصحفيين.
كما من المهم وقف التضييق الأمني والإداري على الصحافة بتقليل تدخل الأجهزة الأمنية والرقابة على الصحفيين ووسائل الإعلام، ومنع استدعاء الصحفيين من قبل الأجهزة الأمنية بسبب تقاريرهم.
و تسهيل تسجيل وسائل الإعلام والتوقف عن التعسف في منح التراخيص للمؤسسات الإعلامية والمواقع الإخبارية، والسماح بتعددية إعلامية حقيقية وبالتأكيد رفع الحجب عن المواقع الإخبارية وإنهاء سياسة حجب المواقع الإلكترونية دون أمر قضائي واضح ومحدد.
كما أنه من الضروري تعزيز استقلالية الإعلام العام والخاص، مثل تحويل الإعلام الرسمي مثل التلفزيون الأردني ووكالة بترا إلى مؤسسات إعلامية ذات خدمة عامة تعمل بمعايير مهنية بدلًا من كونها أدوات حكومية بالتوازي دعم الإعلام المستقل و منحه تسهيلات أوسع ، وعدم ربط الإعلانات الحكومية بمدى قرب الوسيلة الإعلامية من الدولة.
ومن معايير حرية الإعلام الغاء الزامية عضوية نقابة الصحفيين، وفتح الباب أمام التعددية النقابية، وتعديل قانون هيئة الاعلام بحث تكون اداراتها عبارة عن مجلس يمثل المجتمع ويعين بشكل مستقل عن الحكومة، ·وتسهيل ملكية الإعلام من خلال إلغاء أو الحدّ من البيروقراطية والشروط لإدارة الإعلام، بالإضافة إلى إنشاء صندوق لدعم الإعلام. ويمكن رفد مثل هذا الصندوق من ميزانية الدولة، ومن المنح العربية والدولية.
كما يجب أن تعمل الحكومة على تعزيز الحماية للصحفيين ووقف الاعتداءات على الصحفيين وإجراء تحقيق جاد في أي حالات اعتداء أو تهديد يتعرض لها الصحفيون، ومحاسبة المتورطين فيها وضمان بيئة عمل آمنة تشجيع المؤسسات الإعلامية على تقديم دعم قانوني وأمني لصحفييها في حال تعرضهم للمضايقات أو التهديدات.
أي تحسن في حرية الصحافة والإعلام يضمنه بشكل حقيقي ومباشر هو تعزيز التعددية الإعلامية التي تفتح وتشجيع الاستثمارات في الإعلام من خلال فتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة والدولية في قطاع الإعلام لتعزيز التنافسية وإلغاء احتكار المعلومات مما يسهل وصول الصحفيين إلى المعلومات الرسمية، وعدم تقييد التغطيات الصحفية في القضايا الحساسة.
ومن شأن ما سبق كله أن يحسن العلاقة مع المنظمات الدولية، ورفع مستوى الاستجابة لتوصياتها بشكل إيجابين وإعتماد شفافية أعلى في التقارير الحكومية كنشر تقارير دورية حول أوضاع حرية الإعلام.
والسماح للمنظمات الدولية بتقييم الوضع دون قيود، مما يسهل التعاون معها وخاصة تلك التي تعنى بحرية الصحافة وحقوق الإنسان أبرزها فريدوم هاوس، ومراسلون بلا حدود، ومنظمات حقوق الإنسان، فإذا أرادت الحكومة تحسين ترتيبها في تقارير حرية الصحافة الدولية بشكل عام ، فإن الحل لا يكمن في التجميل الإعلامي، بل في إصلاحات جذرية تدعم حرية التعبير كحق أساسي وليس كمنّة مشروطة.