حتى تفهم بوتين عليك قراءة دوغين

الرابط المختصر

قبل نحو عشر سنوات قرأت كتاب الكسندر دوغين الهام جدا ( أسس الجيوبولتيكا.. مستقبل روسيا الجيوبوليتكي ) ومن ترجمة د. عماد حاتم .

منذ يوم أمس وأنا منشغل باعادة قراءة هذا العمل الهام والخطر الذي يمثل في جوهره الخرائط الاستراتيجية الكبرى لمصالح روسيا المستقبلية لإستعادة دورها الاممي والاقليمي، ولتأمين هيمنتها وتعميق دورها المحوري في الاقتصاد الدولي والأمن العالمي..

ولست هنا بصدد الإستعراض الواسع لسلسلة المصالح الكبرى التي صاغها المفكر الروسي الكسندر دوغين الذي يوصف منذ سنوات مضت بأنه العقل الأكثر تأثيرا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويكاد يكون خزان الأفكار الرئيسي لزعيم روسي يطمح لاستعادة أمجاد امبراطورية أسلافه بعيدا عن أيديولوجية السوفييت، وقريبا جدا من أيديولوجية قوة البر والبحر.

في هذه العجالة يكفي التأشير إلى أن نظرية دوغين التي تمثل الطريق الرابع في سلسلة الأفكار السياسية والأممية للإمبراطوريات الحالمة تعتمد في طروحاتها على الإمتداد الأوراسي الجيوسياسي، ومن هنا تبدو طموحات "كرملين بوتين" أبعد مدى من مجرد حصر روسيا في بقعة جغرافية محاصرة تماما الامبرياليات الاوروبية بهيمنة أمريكية صرفة، لتمتد تلك الطموحات الى الصين وهو ما يفسر التقارب الصيني الروسي إلى حد يفزع واشنطن وعواصم أوروبا قاطبة.

طموحات التمدد الروسي في البعد الاوراسي ــ وفقا لصياغات دوغين ــالأممي والقومي لروسيا يعتمد على ان تكون أوكرانيا جوهر هذا التمدد وعموده الفقري، وكما كانت الهند في ابر الأيام "درة التاج البريطانيا" فإن أوكرانيا بالنسبة لبوتين هي درة تاج روسيا، ودرة طموحات عقله المفكر ألكسندر دوغين أيضا.

يقول دوغين في أحلامه الجيوسياسية عن أوكرانيا  إن(..سيادة أوكرانيا تمثل بالنسبة للسياسة الروسية ظاهرة تبلغ سلبيتها درجة أنها يمكن من الناحية المبدئية أن تثير نزاعا مسلحا..)

ويضيف ( أوكرانيا كدولة مستقلة ذات مطامع ترابية معينة تمثل خطرا داهما على الأوراسيا كلها، وبدون حل المشكلة الأوكرانية يبدو الحديث عن الجيوبولتيكا القارية أمرا عبثيا على العموم، وهذا لا يعني أنه ينبغي الحد من استقلال اوكرانيا الذاتي او الثقافي ــ اللغوي أو الاقتصادي، وأنه يجب أن تصبح مجرد قطاع إداري للدولة المركزية الروسية "مثلما كان الأمر عليه إلى حد ما في الإمبراطورية القيصرية او في الاتحاد السوفيتي "، إلا أن اوكرانيا من الناحية الاستراتيجية يجب أن تكون إسقاطا لموسكو في الجنوب والغرب".

( إن الثابت الأساسي المطلق للسياسة الروسية على شواطيء البحر الأسود هو السيطرة الكاملة وغير المحددة بأي شيء لموسكو على مجموع امتداد ذلك الشاطيء من الأراضي الاوكرانية وحتى الاراضي الأبخازية، بامكاننا أن نفتت هذه المنطقة قدر ما نريد وفقا للمظهر الإتنو ـ ثقافي، ومع الأخذ بالاعتبار الاستقلال الاتني والمذهبي لروس القرم، وللتتر والكازاك والأبخازيين والجورجيين، على أن يتم ذلك كله إزاء السيطرة المطلقة لموسكو على الوضع العسكري والسياسي، وهذه القطاعات يجب أن تُبعد بصفة جذرية عن النفوذ التالاسوكراتي القادم من الغرب أو من تركيا ( أو حتى من اليونان )، إن الشاطيء الشمالي للبحر الأسود يجب أن يكون أوراسياً بضفة استثنائية وأن يخضع لموسكو بصفة مركزية ) ص ٤0٠ــ 401.

ويضيف ــ ص ٤٣٥ ــ ( من غير المسموح به الوجود المقبل لأوكرانيا الموحدة ويجب أن تقسم هذه البقعة إلى عدة شرائط تتفق مع مجموعة ألوان الوقائع الجيوبولتيكية والإتنو ــ ثقافية :

١ ــ اوكرانيا الشرقية

2 ــ القرم.

3 ــ القسم الاوسط من تشيرنيغوف وحتى اوديسا والتي تقع كييف من ضمنه.

4 ــ اوكرانيا الغربية.

(ن حقيقة وجود" اوكرانيا المستقلة" تعد على المستوى الجيوبولتيكي إعلان حرب جيوبولتيكية على روسيا"وهذه قضية ليست من صنع اوكرانيا نفسها بقدر ما هي من صنع الأطلسية والـ Sea Power ".

هذه بعض مقتطفات فقط لدوغين عن أهمية أوكرانيا لروسيا في محيطها الجيوبولتيكي الأوراسي، اقتطفتها دون تدخل مني للتدليل على ما يمكن أن تفله موسكو بوتين بأوكرانيا في المديين المنظور والبعيد.

ولا تبدو قيمة أوكرانيا خافية على مفكري الغرب أيضا فمفكر بحجم روبرت كابلان لا يتحاشى النظر بجدية إلى ما تمثله اوكرانيا من اهمية جيوبوليتيكية لموسكو، ففي كتابه "أنتقام الجغرافياــ صدر في نيويورك سنة 2012 ــ " قال كابلان بوضوح(عند وقوع أوكرانيا مرة اخرى تحت السيطرة الروسية، فستضيف روسيا٤٦ مليون نسمة إلى تركيبتها الديموغرافية الموجهة إلى الغرب، ويمكنها فجأة أن تتحدى أوروبا، حتى على الرغم من اندماجها فيها، وفي هذه الحالة ووفقا لبريجنسكي ــ رقعة الشطرنج الكبرى ــ فإن بولندا والتي تطمع فيها روسيا أيضا ستصبح "محورا جيوسياسيا" يحدد مصير أوروبا الوسطى والشرقية، وبالتالي مصير الاتحاد الأوروبي نفسه ــ ص٢١٨ــ ).

هذه مقتطفات سريعة من أفكار ترسمها العقول على الورق، وتحملها طموحات السياسيين ، وتحققها الجيوش على الأرض ..