
تصاعد العنف المدرسي.. حادثة صادمة تستدعي مراجعة أساليب التنشئة والمراقبة في المدارس

كشفت حادثة الاعتداء على طفل في محافظة الرصيفة، بعد أن تعرض لحروق خطيرة في مختلف أنحاء جسده إثر قيام زميلين له بإشعال النار فيه داخل المدارس، عن مستوى جديد وخطير من العنف المدرسي، متجاوزا حدود التنمر إلى جريمة عنف جسدي، بحسب خبراء في مجال التربية وحماية الأطفال والأسرة.
الفيديو المتداول للطفل أثناء تلقيه العلاج أثار موجة من الغضب والقلق حول واقع العنف المدرسي، خاصة أن الحادثة وقعت بعد أن طلب أحد المعلمين من الطالب إحضار مكنسة لتنظيف الصف، ليجد نفسه ضحية اعتداء وحشي داخل المطبخ، حيث أقدم زميلان على إغلاق الباب وسكب مادة الكاز عليه قبل إشعال النار، غياب الرقابة وتأخر التدخل زاد من خطورة الوضع، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن مدى أمان البيئة المدرسية للأطفال.
على إثر ذلك، تصاعدت المطالب بضرورة تفعيل الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المدارس، وتعزيز الرقابة من قبل الإدارات والمعلمين، ووضع آليات صارمة لحماية الطلبة.
تربوي: واقع المدارس ليس على ما يرام
في اليوم الثاني للحادثة، قام وزير التربية والتعليم، الدكتور عزمي محافظة، بزيارة الطفل المصاب، مؤكدا أن الوزارة لن تتهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات لضمان سلامة الطلبة وتوفير بيئة مدرسية آمنة، كما أوعز بتشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المقصرين في هذه القضية.
الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات يرى بأن هناك شعورا عاما، سواء بين المواطنين أو حتى المسؤولين، بأن واقع المدارس في الأردن ليس على ما يرام، إذ تسيطر على قطاع التربية والتعليم ثقافة الخوف والصمت، حيث يصعب على أي فرد داخل المنظومة التربوية أو خارجها انتقاد ما يحدث داخل المدارس بشكل صريح.
أما على مستوى المدرسة ذاتها، فيوضح عبيدات أن الحادثة الأخيرة تعكس عدة مشكلات خطيرة، بدءا من سلوك المعلم الذي طلب من الطالب إحضار مكنسة لتنظيف الصف، متسائلا لماذا يكلف الطالب بمثل هذه المهام داخل المدرسة؟ مشيرا إلى غياب الرقابة، إذ وجد الطالب مادة الكاز في المطبخ، وهي مادة لا ينبغي أن تكون متاحة للطلاب في بيئة مدرسية تضم أحداثا.
ويلفت الخبير في مجال حماية الأطفال والأسرة، الدكتور سيد عادل الرطروط النظر أيضا إلى مسألة توفر مادة الكاز داخل المدرسة، متسائلا عن سبب وجودها في متناول الأطفال، خاصة مع غياب الرقابة الكافية، ورغم أن المدارس الحكومية تستخدم الكاز للتدفئة خلال فصل الشتاء، إلا أن ذلك يستدعي إجراءات واضحة لحفظ هذه المادة وتخزينها بشكل آمن، مشيرا إلى أن ظاهرة وجود القداحات بين الأطفال داخل المدارس، وهو ما قد يكون مؤشرا على ارتفاع نسبة التدخين بين الطلبة، مما يستوجب مراقبة أكثر صرامة داخل المدارس لحماية الطلبة من مثل هذه المخاطر.
ولكن الأمر الأخطر، بحسب عبيدات، هو ما كشفه الطالب نفسه عن محاولة التغطية على الحادثة، حيث أفاد بأن مدير المدرسة طلب منه أن يخبر الشرطة بأنه هو من حرق نفسه بدلا من الإبلاغ عن الاعتداء، وهو ما يعكس ثقافة الخوف من كشف الحقيقة، وثقافة الصمت حول الانتهاكات التي تحدث داخل المدارس.
ويؤكد عبيدات أن التنمر في المدارس ظاهرة معروفة ومنتشرة، إلا أن أحدا لا يتحدث عنها بشكل كاف، لذا، يرى أن الحل لا يكمن فقط في التعامل مع الحوادث بعد وقوعها، بل في تشجيع النقد والتفكير الناقد داخل المدارس، حتى لا يواجه الطلبة تحديات تهدد سلامتهم بدلا من أن يتلقوا تعليما آمنا.
ويشدد على أن هذه الحادثة يجب أن تدفع الجميع إلى إعادة النظر في آليات الضبط والمساءلة داخل المدارس، مع ضرورة محاسبة المسؤولين، وتشجيع النقد البناء، وعدم التضييق على الأصوات التي تسلط الضوء على الخلل في المنظومة التربوية. فالمدرسة والتعليم، برأيه، بحاجة إلى إصلاح شامل، ويجب أن يكون هذا هدفًا مشتركًا لكل مواطن حريص على مستقبل الأجيال القادمة.
التنشئة والمراقبة المدرسية
ويصف الخبير في مجال حماية الأطفال والأسرة، الدكتور سيد عادل الرطروط، الحادثة بأنها كانت مفاجئة وصادمة للمجتمع، خاصة بعد تداول تفاصيلها من قبل الطفل نفسه أو من والدته وجدته وحتى من المتعاطفين الذين سمعوا بالقضية، ورغم أن هذا السلوك مرفوض تماما، إلا أن مصدر الصدمة الأكبر هو أن المعتدين أطفال مثل الضحية.
ويشير الرطروط إلى أن المجتمع يشهد كما كبيرا من السلوكيات العنيفة وغير الحكيمة التي تصدر عن الأطفال تجاه بعضهم البعض، مثل الشروع بالإيذاء والتنمر، ويرى أن هذه الظاهرة قد تكون مرتبطة بأنماط تنشئة قاسية في بيئات معينة، أو بتعرض الأطفال لمشاهد عنيفة، سواء في الإعلام أو الألعاب الإلكترونية، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب العنف بينهم.
كما أن طبيعة مرحلة المراهقة قد تدفع بعضهم إلى ممارسة سلوكيات خطيرة كمزحة دون إدراك عواقبها، وهو ما حدث في هذه الواقعة، لذا، يشدد الرطروط على ضرورة مراجعة أساليب التنشئة الاجتماعية وفحص السلوكيات السائدة بين الأطفال بشكل أعمق.
أما فيما يخص تأثير الحادثة على الطفل الضحية، فيرى الرطروط أن ما حدث كان صادما للغاية ويتطلب تدخلا نفسيا عاجلا، إذ قد يواجه الطفل تحديات نفسية خطيرة نتيجة هذا الحدث المؤلم، خاصة مع رؤيته لنفسه وهو يحترق.
ما حدث نتيجة تراكمية
ما حدث ليس مجرد حادثة طبيعية، بل هو نتيجة تراكمية لمؤشرات سابقة تشير إلى وجود مشكلات أو تحديات اجتماعية داخل بنية الأسرة والمجتمع، هناك العديد من العوامل التي قد تنذر بالخطر، مثل تسرب الأطفال من المدارس، أو سلوكياتهم المشاكسة أو العنيفة، أو تدني تحصيلهم الدراسي، بحسب الرطروط.
ويؤكد الرطروط أن الأطفال قد يظهرون هذه المؤشرات التحذيرية أمام المرشد التربوي، أو المعلمين، أو حتى زملائهم، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، نتيجة أوضاع أسرية صعبة مثل الطلاق، الهجر، العنف الأسري، أو التفكك العائلي، وهنا يطرح تساؤل أساسي هل تمتلك المدارس الأدوات والآليات اللازمة لاكتشاف هذه المؤشرات والتدخل بشكل عاجل.
لا يمكن الاكتفاء فقط بالتدخلات التعليمية التي توفرها وزارة التربية والتعليم، رغم أهميتها، فاليوم نحن بحاجة إلى تدخلات اجتماعية وتربوية ونفسية داخل المدارس، بالشراكة مع مختلف الجهات، مثل مديريات التربية والتعليم، ووزارة الداخلية، ووزارة العمل، والجهات المختصة بالرعاية الاجتماعية، فالمدرسة ليست مجرد مكان للتعليم، بل هي إطار شامل يمكن من خلاله التقاط كل المؤشرات السلوكية التي تظهر على الأطفال يوميا، سواء في ساحة المدرسة، الطابور الصباحي، داخل الصفوف، أو حتى في حالات التنمر، بحسب الرطروط.
المساءلة الجزائية تبدأ من 12 عاما
وفقا للمادة (2) من قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014، يعرف الحدث بأنه كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره، وقد رفع المشرع الأردني سن المسؤولية الجزائية إلى 12 عاما، مما يعني أن أي طفل دون هذا العمر لا يلاحق جزائيا، ولا تسجل في حقه أي جريمة في السجل العدلي، مما يحمي مستقبله من الوصم بصفة "مجرم".
وفي حال ارتكب طفل دون 12 عاما فعلا يشكل جريمة، لا يحال إلى المحكمة، وإنما ترفع حالته إلى الجهات المختصة بالرعاية الاجتماعية، مثل وزارة التنمية الاجتماعية، حيث تتخذ بحقه إجراءات وقائية وإصلاحية بدلا من العقوبات الجزائية، وتشمل هذه التدابير، التوجيه والإرشاد من قبل الجهات المختصة، إلزام ولي الأمر باتخاذ إجراءات تصحيحية، مثل تسجيل الطفل في برامج تأهيلية أو إخضاعه لجلسات توعية، والإيداع في مراكز الرعاية الاجتماعية، إذا كانت هناك حاجة لحمايته من بيئته أو أسرته، بحسب الرطروط.
ويضيف أن هذه الإجراءات تهدف إلى منع إدخال الأطفال مبكرا في نظام العدالة الجنائية، وإعادة تأهيلهم بدلا من معاقبتهم، مما يقلل من احتمالية تحولهم إلى مجرمين مستقبلا عبر التدخل المبكر.
أما بالنسبة للأطفال الذين قاموا بفعل الحادثة يوضح الرطروط بأنهم يعتبرون أحداثا جانحين، ويحتاجون إلى تدابير حماية إصلاحية لا تقل أهمية عن التدخلات النفسية التي يحتاجها الضحية، خاصة أن الحادثة أدت إلى إصابات خطيرة وصدمة نفسية للطفل، كما أن الأطفال المعتدين أنفسهم ربما لم يدركوا عواقب فعلتهم، لكنهم باتوا الآن داخل دائرة المساءلة القانونية، وقد تحال قضاياهم إلى محكمة الأحداث.
من جانبها، تؤكد مديرية الأمن العام أن إدارة حماية الأسرة باشرت التحقيق فور وقوع الحادثة، حيث تم ضبط الحدثين المشتبه بهما، والاستماع إلى الشهود، ومراجعة تسجيلات الكاميرات، تمهيدا لإحالة القضية إلى الجهات القضائية المختصة.