المطران عطالله: لسنا طائفة والقدس القبلة الأولى والوحيدة
يعتبر رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا أن الشعب الفلسطيني ومنذ "وعد بلفور" وحتى "وعد ترامب" وهو "يعاني من النكبات والنكسات والمظالم التي لا عد لها ولا حصر"، رافضا "ما سمي زورا وبهتانا بالعملية السلمية أو اتفاقات أوسلو التي قال إن "الفلسطينيين رموها منذ زمن بعيد في مزبلة التاريخ وإنها لم تكن في الواقع إلا فخا وجزءا من صفقة القرن ومن المؤامرة التي استهدفت وما زالت تستهدف الشعب الفلسطيني"، بحسب قوله.
يضيف المطران حنا في حديث لـ"عربي21" أنه خلال 25 عاما من "المفاوضات العبثية" ازدادت وتيرة الاستيطان والتهويد و"الأسرلة" في القدس وازدادت الاعتقالات وسرقة الأراضي وبنيت الأسوار العنصرية و"ما تعرض له الفلسطينيون في فترة ما سمي بالمفاوضات السلمية يكاد يكون أخطر بكثير مما تعرض له قبل ذلك".
وأكد أن "صفقة القرن لن تمر" ولن تمر أية صفقات أو مشاريع هدفها تصفية القضية الفلسطينية، فالفلسطينيون "يقفون بالمرصاد لكل مؤامرة ولكل مخطط يهدف للنيل من عدالة قضيتهم".
وحول ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية يوجه المطران عطا الله رسالة عاجلة إلى كافة الكنائس المسيحية في أمريكا، حيث حثهم على أن يكونوا "إلى جانب المنتفضين الرافضين للعنصرية في أمريكا فالكنيسة يجب أن تكون مواقفها دوما منحازة لقضايا العدالة والحرية والكرامة الإنسانية ولا يجوز على الإطلاق الصمت أمام جرائم الكراهية والعنصرية بل يجب أن تكون الكنيسة منحازة إلى جانب هذه الشرائح المهمشة والمستضعفة والمضطهدة من الشعب الأمريكي".
وأضاف في رسالته: "من يرفض العنصرية في أمريكا التي تستهدف شرائح معينة من هذا المجتمع المتعدد الأعراق والثقافات بسبب لون البشرة أو غيرها من الأسباب، يجب أيضا أن يرفض العنصرية الممارسة بحق شعبنا الفلسطيني، فالعنصرية في أمريكا والعنصرية الممارسة بحق شعبنا الفلسطيني وجهان لعملة واحدة".
كثيرا ما يكرر المطران قوله: " أنا عربي فلسطيني أفتخر بأني مسيحي من الشرق".
يعيد تكرار مصطلحات مثل "الوعي ثم الوعي"، و"العقلانية"، ولا ييأس من توجيه نداءات استغاثة إلى كل الأحرار في العالم، وإلى كل الكنائس، وكل المرجعيات الروحية الإسلامية، للوقوف إلى جانب الفلسطينيين، لأن هدف الاحتلال ليس "سرقة الأوقاف فقط، بل إخلاء القدس من أبنائها".
يرفض الأب حنا "أي خطاب إقصائي طائفي يبث سموم الفتن في مجتمعنا أيا كان مصدره لأن الفتن لا يستفيد منها إلا أولئك الذين لا يريدون الخير لمجتمعنا ولوطننا".
يقول: "لم نكن في يوم من الأيام جزءا من محور أو فصيل أو حزب سياسي فبوصلتنا دوما كانت وستبقى نحو القدس التي نسكن فيها بأجسادنا وهي ساكنة في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا ومن واجبنا جميعا أن ندافع عنها وعن مقدساتها ومؤسساتها وإنسانها".
يضيف: "أنا أسقف في أقدم وأعرق كنيسة موجودة في القدس وانطلاقا من انتمائنا الإيماني وقيمنا الروحية والإنسانية نحن نحب وطننا وننتمي إلى شعبنا وندافع عن عدالة قضيتنا".
وركز على أهمية ت"كريس ثقافة الأخوة والوحدة والمحبة والتلاقي بين كافة مكونات شعبنا الفلسطيني مسيحيين ومسلمين".
يوضح حنا: "ليس من مهامنا أن نخون أحدا أو أن نسيء إلى أحد أو أن نوزع شهادات تقدير وطنية على أحد، فهذه ليست مهمة مناطة بنا بل نحن ما يهمنا هو أن نبقى مدافعين عن القدس وأن نبقى مدافعين عن فلسطين وشعبها وقضيتها".
وأكد المطران حنا أن "كل من يدافع عن فلسطين وعن القدس يجب أن نتواصل معه وأن نتعاطى معه بإيجابية حتى وإن كنا نختلف معه في الرؤية والأيديولوجيا وفي مواقف أخرى، فنحن نؤمن بضرورة أن يصل الصوت المسيحي العربي الفلسطيني إلى كل مكان".
يقول: "أنا في القدس منذ أكثر من ثلاثين عاما، ولدت في قرية الرامة بالجليل الأعلى، وهناك أنهيت دراستي الثانوية وبعدها ذهبت إلى اليونان لدراسة اللاهوت والفلسفة، ومنذ عودتي إلى فلسطين عام 1990 وأنا موجود وباق في القدس، وكما نقول في لغتنا العربية "من عاشر القوم صار منهم"، فأنا مقدسي الهوى والانتماء، أعشق القدس ولا يمكنني أن أتصور نفسي خارجها، في صبيحة كل يوم أسمع الأجراس والأذان وألتقي مع أبناء القدس الذين أحبهم".
يضيف: "القدس التي عرفتها سابقا تختلف عن اليوم، المستوطنون أعدادهم تزايدت والاحتلال يسعى لتهميشنا ويريدنا أن نتحول إلى ضيوف في مدينتنا. لقد تغيرت القدس ولكنني لست متشائما بل إنني متفائل إلى أقصى درجة، لأن مآل كل ظالم مر من هذه الأرض إلى الزوال، وللاحتلال بداية وستكون له نهاية، وهي آتية لا محالة".
ويشتكي من تراجع دراماتيكي في أعداد المسيحيين في القدس، فالهجرة متواصلة بسبب سياسات الاحتلال والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والحياتية، وغيرها من العوامل، التي جعلت بعض المسيحيين يقررون ترك القدس والانتقال إلى أماكن أخرى.
ويتحدث بألم عن هجرة داخلية بترك البلدة القديمة والإقامة في مدن أخرى داخل فلسطين مثل بيت لحم وبيت جالا مثلا، وهناك هجرة إلى أمريكا وأستراليا وأوروبا..
وتحدث عن استهداف الاحتلال للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، ولكن تداعياته تظهر أكثر لدى المسيحيين لأنهم أقل عددا، بحسب المطران.
ويتحدث عن القدس بوصفها القبلة الأولى للمسيحيين وليس للمسلمين فقط، يوضح ذلك بقوله: "عندما نتحدث عن القدس وفلسطين نتحدث عن مهد المسيحية، فقبل ألفي عام ولد السيد المسيح في بلادنا وانطلقت رسالته إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولذلك فإن مدينة القدس في العرف المسيحي هي القبلة الأولى والوحيدة، وأهم الأماكن المقدسة فيها، ولا سيما كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم والبشارة في الناصرة، وغيرها".
ويدافع عن المسيحيين الفلسطينيين مؤكدا أنهم "أصيلون في انتمائهم لوطنهم وليسوا بضاعة مستوردة من الغرب، وليسوا من مخلفات حملة الفرنجة الصليبية ـ كما يسميها البعض ـ ولهم امتداد لم ينقطع لأكثر من ألفي عام، وهم مرتبطون وباقون في هذه الأرض، بالرغم من كل التحديات والظروف".
ويرفض وصف المسيحيين في فلسطين بالطوائف يقول: "لا وجود للطوائف في فلسطين، والمسيحيون هنا ليسوا طائفة. هم جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني الأصيل، بامتداده الإقليمي، وواجباته الوطنية حيال فلسطين والدول العربية".
يواصل التأكيد على عروبة المسيحيين والانتماء العربي للقومية العربية، والانتماء إلى شعب مناضل، شعب يسعى، منذ عشرات السنين، لنيل الحرية. يقول: "ليس لدي إحصائية بما قدم المسيحي أو المسلم، فنحن في بلادنا لا نقسم الشهداء إلى مسيحيين أو مسلمين، فكل الشهداء شهداؤنا".
يتحدث بغضب حول ما يسمى "المسيحية الصهيونية" قائلا إن هذا المصطلح "ليس موجودا في مفرداتنا الكنسية واللاهوتية ولا يوجد هنالك شيء اسمه "مسيحية صهيونية" ومن أوجد هذا التيار المتصهين في أمريكا وفي غيرها من الأماكن إنما هدفه هو الإساءة للديانة المسيحية وتفسير الكتاب المقدس بشكل مغلوط وفق أجنداتهم وبرامجهم وأهدافهم السياسية".
يضيف: "هم أقرب إلى اليهودية الصهيونية، وأدبياتهم لا علاقة لها بالقيم المسيحية وبالتراث والتقليد المسيحي العريق" موضحا أن هذا التيار وجد "خدمة للمشروع الصهيوني الإرهابي العنصري وهؤلاء يستغلون المسيحية ويتخذونها طلاء خارجيا لهم في حين أن معتقداتهم هي غريبة ومناقضة لقيم الإنجيل المقدس".
وأعرب عن أمله في ألا تصف وسائل الإعلام التي تريد أن تتحدث عن هذا التيار بـ "المسيحية الصهيونية" لأن هذا "يسيء للمسيحية المشرقية النقية التي بزغ نورها من فلسطين ومن أنطاكيا والإسكندرية ومن هذا المشرق وانتقلت رسالتها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنه يمكن وصف هذا التيار بالمتصهينين الذين يطلقون على أنفسهم زورا وبهتانا صفة المسيحيين".
وقال: "هؤلاء عندما يأتون إلى فلسطين لا يزورون كنيسة المهد وكنيسة القيامة ولا يهتمون إطلاقا بمسألة الحضور المسيحي في فلسطين وفي المشرق العربي، بل هؤلاء هم جزء من المشروع التدميري الذي استهدف مشرقنا وشرد الكثيرين من المسيحيين، كما أنهم جزء من المؤامرة التي تستهدف مدينة القدس والقضية الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني المظلوم".
ويأمل المطران عطا الله بأن تكون الخطوة القادمة هي إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي البغيض "فقد أصبحت مسألة إنهاء الانقسام مسألة حيوية إستراتيجية ومطلبا شعبيا في ظل الظروف الراهنة والمؤامرات التي تحيط بنا وتستهدفنا من كل حدب وصوب".
وفي نهاية حديثه لـ "عربي21"، أعرب المطران عطا الله عن تضامنه وتعاطفه ووقوفه إلى جانب الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا في مدينة القدس والذي تتم ملاحقته بسبب مواقفه ودفاعه عن القدس ومقدساتها وبشكل خاص المسجد الأقصى المبارك.
وقال: "إننا في الوقت الذي نحيي فيه فضيلة الشيخ ونتضامن معه نعرب عن رفضنا واستنكارنا للملاحقات السياسية التي تتعرض لها الشخصيات الوطنية والدينية والاعتبارية في مدينة القدس، ندين هذه الظاهرة التي ازدادت في الآونة الأخيرة في محاولة هادفة لكم الأفواه وترهيب وتخويف المقدسيين"، على حد تعبيره.