الرزاز .. هل كان حالما أم مصلحا؟
بعد 838 يوما يحزم رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز حقائبه استعدادا للرحيل كاستحقاق دستوري عقب حل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لمجلس النواب الأحد الماضي.
وتنص المادة 74 من الدستور الأردني على "الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل ، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها".
وحمل الرزاز طيلة هذه الفترة للشعب الأردني وعودا "بالنهضة، وإضاءة شموع الأمل للمستقبل"، وأن "كل مُرَ سيمرَ"، بعد أن كان قد خلف رئيس الوزراء السابق هاني الملقي الذي أطاحت به احتجاجات واسعة في 14 من يونيو/حزيران 2018 احتجاجا على النهج الاقتصادي.
شموع الرزاز
إلا أن "حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر" كما يقول المثل الأردني، إذ كشف تقرير لمركز راصد (مجتمع مدني) عن تراجع المؤشرات الاقتصادية في عهد الرزاز، وكشفت مؤسسة المجتمع المدني في تقرير لها عن "ارتفاع المديونية بقيمة 4 مليار دينار في عهد الرزاز، و23% في معدل البطالة في 2020 مقارنة بـ 18.7% في عام 2018، إلى جانب 52 وزيراً شاركوا في الحكومة على مدار عامين و3 أشهر رغم وعود الرزاز بترشيق الحكومات".
وقال مدير عام مركز الحياة (راصد) عامر بني عامر إن حكومة الرزاز "واجهت تحديات استثنائية داخلية منها مواجهة وباء كورونا العالمي، واستمرار الأزمة الاقتصادية الصعبة والفقر، والبطالة وارتفاع الأسعار، إضافة إلى تحديات خارجية أبرزها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقدس الشريف وعملية السلام".
ملفات في حضن الحكومة
ومنذ توليها، تفجرت في حضن حكومة الرزاز ملفات صعبة أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا، وصحيا، ففي تموز/ يوليو 2018 وضعت حكومة الرزاز في أول اختبار لها بعد هروب 160 ألف لاجئ سوري على الحدود الشمالية، والتمسك بعدم إدخال اللاجئين وإغاثتهم في الأراضي السورية.
ومن القضايا التي أثيرت في عهد الرزاز في 2018 ما عُرف بـ"قضية تهريب وتصنيع الدخان" وأعلنت الحكومة الأردنية منع سفر أشخاص يشتبه بتورّطهم في القضيّة بعد أيام على فرار المتهم الرئيسي رجل الأعمال عوني مطيع الذي جلب لاحقا بتعاون تركي.
وفي تموز/ يوليو من نفس العام وضع الرزاز في اختبار جديد، فقد عاد التحدي الأمني من جديد إلى المملكة بعدما قامت خلية مسلحة بتفجير مركبة تابعة للأمن العام في مدينة الفحيص ما أودى بحياة رجال أمن وإصابة آخرين، وعقب العملية داهمت قوات الأمن موقع خلية في مدينة السلط أسفرت عن مقتل عدد من رجال الأمن وإصابة 24 شخصا.
كما تفجرت حادثة سيول البحر الميت، في تشرين أول/ أكتوبر وتسببت بمقتل 21 شخصا وإصابة 35 آخرين أغلبهم طلاب بعد انجراف رحلة مدرسية جراء السيول، وأعلن وزير التربية والتعليم ووزيرة السياحة والآثار الأردنيان استقالتهما، بعد أسبوع من الحادثة.
وانفجر في حضن الحكومة ملف آخر، ففي شباط/ فبراير 2019 وفي خطوة احتجاجية غير مألوفة، بدأ مئات الشباب الأردنيين العاطلين عن العمل من المحافظات بالزحف نحو الديوان الملكي في العاصمة عمان؛ للمطالبة بفرص عمل، والاحتجاج على النهج الاقتصادي.
أما التحديات الخارجية فكانت كبيرة، وعلى رأسها خطة السلام الأمريكية أو ما تعرف بصفقة القرن التي قوضت حل الدولتين واعتبرت غور الأردن ومناطق بالضفة أراضٍ إسرائيلية، وانخراط دول عربية في التطبيع مع إسرائيل خارج الاتفاق العربي.
أما التحدي الأكبر الذي واجه الحكومة وهو ملف فيروس كورونا وما رافقه من محاولات حكومة لإغلاق قطاعات اقتصادية في بداية الجائحة مما سبب خسائر اقتصادية وارتفاع نسب البطالة لينتهي المطاف بتفشي مجتمعي للفيروس.
قالوا عن الرزاز
الرزاز الذي جاء من خلفية تيار الدولة المدنية، حمل معه مقدمة ابن خلدون التي استشهد بها دائما في وعوده بعقد اجتماعي جديد في الأردن، وبدولة الاعتماد على الذات من خلال حزم تحفيز اقتصادية، الأمر الذي دفع خصومه بوصفه بـ"الشاعر والحالم".
الكاتب بسام بدارين، قال لـ"عربي21" إن "الرومانسية في إطلاق المشاريع كحكومة النهضة، يصلح نظريا للتعامل في إطار أكاديمي، الرزاز اثبت أنه رجل باحث وكان على الأردن الاستفادة خبراته في هذا المجال خلف الأضواء والستارة".
ويعتبر بدارين الحديث عن النهضة "من أنماط الترف على المستوى الكوني، وفي ظل جائحة كورونا اليوم يجب أن نتحدث عن الصمود في ظل عجز كبير في الميزانية وتحديات اقتصادية كبيرة، هذه الشعارات الرومانسية ستختفي مع رحيل الرزاز، ما كانت تطلقه حكومة استعراض أشبه بالهتافات داخل الملاعب.. أطلقت الكثير من الوعود والكلام اللفظي على حساب العمل".
أما النائب السابق صالح العرموطي، يرى في حديث لـ"عربي21" أن "الحكومة تعاملت مع جائحة كورونا في بداية الجائحة بشكل إيجابي لكنها سرعان ما تراجعت تراجعا طرديا"، معتبرا أن "الرزاز لم يكن يمارس ولايته الدستورية، مما انعكس على المواطن جوعا وفقرا وحرمانا وارتفاع المديونية وعجز الموازنة".
يقول العرموطي "معظم الوزراء غير مؤهلين لإدارة وزاراتهم وتخبط في إدارة البلاد، في عهد هذه الحكومة كان هناك اعتقالات وتوقيف وإحالات لمحكمة أمن الدولة وتراجع للحريات، والتغول على المواطنين، كل هذه أسباب موجبة لرحيل الحكومة وما أخشاه أننا سنترحم على أيام حكومة عمر الرزاز، في ظل ما ينشر من أسماء قادمة متوقعة".
الرزاز وخلال كلمة له في ملتقى صناديق التقاعد الثلاثاء، قال إنه وعلى الرغم من محدودية الموارد، واستمرار أزمة استضافة اللاجئين التي لا تزال تشكل ضغطاً هائلاً على تلك الموارد، إلا أن الأردن استطاع تحقيق إنجازات مهمة خاصة في مجال القضاء على الفقر، وتوفير الرعاية الصحية، والتعليم الابتدائي، والاستدامة البيئية، ومظلة الحماية التي يوفرها الضمان الاجتماعي.
نائب رئيس الوزراء، السابق، ممدوح العبادي، أشار لـ"عربي21"، إلى أن "حكومة الرزاز وجدت في بداياتها ترحيبا شعبيا، وبدأ الرئيس يطرح بيانه الوزاري شعارات كبيرة جدا مثل عقد اجتماعي جديد، وثورة صناعية رابعة، وهي غير قابلة للتطبيق، شعارات حالمة مثل النهضة، هذا عبارة عن شعر".
أما تقييم تعامل الحكومة مع جائحة الكورونا، حسب العبادي، "تعاملت الحكومة بالتعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية بشكل مبدع وحصلت على شعبية كبيرة، حتى اشهر معدودة ثم بدأت الأمور تظهر على حقيقتها الوضع الاقتصادي تدهور، وبدأت شعبيتها تتراجع وبدأ التخبط في القرارات، وخلافات بين الوزراء، ولم يستطيع الرئيس السيطرة على الوزراء".
يطوي الرزاز صفحات مقدمة ابن خلدون، وصفحة حكومته، تاركا وراءه ثقلا اقتصاديا كبيرا، لم تستطع حزمه الاقتصادية ومشاريعه للنهضة أن تخفف من ضنك العيش على المواطن، تاركا وراءه وعودا معلقة بإصلاحات سياسية وحكومات برلمانية طالما أرادها المواطن الأردني الذي هتف في عام 2018 "راح الملقي وأجا الرزاز.. غيروا لنا هالبرواز".. فهل سيتغير البرواز؟