الحارات الشعبية

اشاهد مسلسل سوري يدعى "الانتظار" يتحدث عن الحياة في الحارات الشعبية "العشوائية" وطبيعة العلاقات داخل هذه الحارات من خلال قصص لشخصيات "لأزعر الشهم" و "المحترم" الذي يحترمه الكل، وغيرها من الشخصيات، يدور صراع طبقي بين "الصحفي المحترم (بسام كوسا)" وزوجته التي تنحدر من عائلة "غنية" حول  البقاء والرحيل من الحارة الشعبية التي ولد بها هذا الصحفي.

 

يصف المسلسل بدقة بالغة تفاصيل العلاقات الاجتماعية داخل الحارات الشعبية. ولدتُ وترعرعت في مثل هذه الحارات، أذكر كيف كنت أستيقظ كل يوم في السادسة صباحا وأقفز من فوق سور منزلي لأسلك زقاقا ضيقا ينتهي بي إلى مدرسة ” الوكالة” المصنوعة من صفيح الـ”زينكو” بعد مسير نصف ساعة أقضي أغلبها بمراقبة “طوابير النساء والرجال”  الذين يقفون بالساعات في انتظار مساعدات وكالة الغوث من الطحين والـ”البكج” حيث يتربص بهن هناك الباعة للشراء هذه المساعدات بأبخس الأسعار.

 

في الحارات الشعبية الأزقة تتشابك وتتداخل فيما بينها -كما هو حال الهموم لساكنيها - ويتنفس ساكنو الحارات الشعبية مشاكل بعضهم البعض، تنتشر في شوارعها الإسمنتية المتآكلة الحفر والقنوات التي تتجمع فيها المياه العادمة، أما منازل المتلاصقة تفتقد للخصوصية، الحياة بائسة إلا أن لبؤسها جاذبية لا يعرفها الا ساكنيها.

 

عندما انتقلنا في 1997 للعيش في مكان آخر، بقيت أتردد يوميا على الحارة، كما يتردد أبناء الصحفي (بسام كوسا) بعد ان اجبرتهم والدتهم على الانتقال للعيش مع جدهم "الغني"، لم تستوعب والدة الأطفال التي تجسد دورها في المسلسل (يارا صبري) سبب تعلق أبنائها بالحارة الشعبية، تخشى الأم على ابنائها من رفقة السوء و "السمعة السيئة للحارة الشعبية" واغلبها صور نمطية كرسها المجتمع.

 

الصدمة الأكبر، عندما انتقلت في 2004 للعمل والعيش في عمان، كانت المشقة في التأقلم مع بيئة مختلفة ثقافية، واقتصادية، واجتماعية، وربما عمان انقلب على كل مفاهيم "ابن الحارة" حتى صبغتني بصبغتها "عماني" ولم اعد ابن تلك الأزقة، التي لعبت في قنواتها.

 

الصدمة تلك انتقلت الى ابنائي الذين لا تشبه طفولتهم طفولة ابيهم من حيث طريقة العيش ونوعية الحياة، والتعليم وحتى طريقة الكلام والتفكير، لا اكرس صورة نمطية إلا أن أطفال الحارة علمتهم الحياة و "دعكتهم"، على خلاف "اطفال الديجيتال"



 

ساهمت "الحارة" و "الأزقة" بالغناء الدراما والأدب العربي، وشكلت مدادا لكتابات نجيب محفوظ.. في النهاية أنصحكم بمشاهدة المسلسل

 

أضف تعليقك