البهائيّون في الأردن مواطنون بحقوق منقوصة
في إحدى ضواحي مدينة إربد (100 كم شمال العاصمة عمّان)، يمارس نياز روحاني وزوجته وسام المسجون من أتباع الديانة البهائيّة صلاتهم في منزلهم، كحال كلّ أتباع الديانة البهائيّة التي لا تعترف السلطات الأردنيّة بها رسميّاً.
فقد جاء البهائيّون من إيران إلى الأردن في أواخر القرن التاسع عشر كعائلات صغيرة عملت في الزراعة في منطقة العدسيّة في غور الأردن، وحسب نياز، يقدّر عدد أبناء الديانة البهائيّة في المملكة الآن بحوالى ألف شخص، بينما يقدّر عددهم في العالم بعشرة ملايين شخص.
يؤمن البهائيّون بأنّ بهاء الله هو رسول هذا العصر، وأنّ الرسالات متواصلة ولا تتوقّف. كما اتّخذ البهائيّون من عكّا قبلة لهم في الصلاة حيث دفن نبيّهم هناك في عام 1892، بينما تعتبر حيفا مقرّاً رئيسيّاً للإدارة البهائيّة في العالم.
يقول نياز لـ"المونيتور" إنّ "الدين البهائيّ دين توحيديّ، يهدف الى تحقيق وحدة الجنس البشريّ، ويدعو إلى المحبّة والتآخي والسلام، ويقوم على معتقد أساسيّ هو اقتران العبادة بالعمل وخدمة المجتمع، ولدينا صلاة يوميّة تؤدّى فرديّاً لأنّها علاقة وجدانيّة بين المؤمن وخالقه، ولا توجد في الدين البهائيّ صلاة جماعة إلّا في صلاة المّيت، كما يصوم البهائيّون 19 يوماً في السنة، وهو شهر بهائيّ، حيث تقسم السنة إلى 19 شهراً".
وعلى الرغم من أنّهم أردنيّون، إلّا أنّ البهائيّين يعانون من حقوق مدنيّة منقوصة، بسبب عدم اعتراف السلطات الأردنيّة بديانتهم.
لا يعترف الأردن بأيّ ديانة غير الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة. ففي عام 2014، غيّرت الحكومة اسم قانون "الطوائف غير المسلمة" إلى مسمّى "قانون الطوائف المسيحيّة"، ولم يرد في القانون أيّ ذكر لأقلّيّات دينيّة موجودة في المملكة، على الرغم من وجود أقلّيّات مثل الدروز، والبهائيّين، والإنجيليّين.
"عدم الاعتراف بالدين البهائيّ جعل دائرة الأحوال المدنيّة تمتنع عن إصدار شهادة زواج للبهائيّين، لتكتفي بإعطائهم دفتر عائلة بمعلومات منقوصة لا يتضمّن رقم واقعة الزواج ولا تاريخه، الأمر الذي حرم بهائيّين من منح الجنسيّة الأردنيّة لزوجاتهم الأجنبيّات، إذ يشترط قانون الجنسيّة الأردنيّ وجود شهادة زواج كمطلب للحصول على الجنسيّة"، كما تقول المسجون التي تعمل في سلك المحاماة.
إلّا أنّ العوائق أمام المسجون وزوجها تبقى حاضرة في قوانين الأحوال الشخصيّة في الأردن المستمدّة من الشريعة الإسلاميّة. وبحسب المسجون، "يجبر البهائيّون على الخضوع إلى نظام الميراث حسب الدين الإسلاميّ، بسبب عدم وجود محكمة طائفيّة لهم، الأمر الذي دفعهم أخيراً إلى رفع دعاوى الميراث عن طريق المحكمة المدنيّة وعدم اللجوء إلى المحكمة الشرعيّة".
استعاضت دائرة الأحوال المدنيّة والجوازات في الأردن، في عام 2016 عن البطاقات الشخصيّة للمواطنين بأخرى ذكيّة تخلو من خانة الديانة، ممّا جعل البهائيّين يتنفّسون الصعداء بعدما كانت توضع لهم نقاط مكان خانة الديانة في البطاقة القديمة، ممّا شكّل تمييزاً.
وفي عام 2017، منع محافظ العاصمة الأردنيّة سعد الشهاب احتفالاً لأتباع البهائيّة، بمناسبة الذكرى 200 لعيد مولد بهاء الله، مبرّراً ذلك في حينها بـ"الخوف على حياتهم"، إلّا أنّ "البهائيّين يقيمون حلقات دعاء في منازلهم ويدعون أصدقاءهم من الديانات كافّة"، حسب ما تقول المسجون لـ"المونيتور".
لا تشعر المسجون بأيّ تردّد عندما تسأل عن هويّتها الدينيّة في مجتمع يشكّل المسلمون السنّة 97% من مكوّناته، وتحاول في كلّ مرّة أن تشرح لمن يسألها عن دينها وتعرّفهم بالبهائيّة ودورها في خدمة المجتمع، إلّا أنّها تتعرّض دائما إلى سؤال: "ما هي البهائيّة"؟
تقول تهاني روحي، وهي ممثّلة عن البهائيّين في الأردن وناطقة باسمهم، لـ"المونتيور": "يمارس البهائيّون عباداتهم وشعائرهم بحرّيّة تامّة، إلّا أنّ التعايش الذي نريده لا يختصر في التسامح الدينيّ وتقبّل الآخر فحسب، وإنّما يتطلّب أيضاً أن نرى أبناء مجتمعنا الأردنيّ الواحد كمجتمع فسيفسائيّ غناه في تنوّعه ووحدته".
وترى روحي أنّ "التقبّل هو مسؤوليّة مجتمعيّة مشتركة ونشر قيم التسامح والاعتدال ليس شعارات، إنّما هو حوارات مجتمعيّة طويلة المدى، وهذا ما تسعى إليه مع بعض البهائيّين في ترسيخ الحوار المؤدّي إلى التفاهم والاحترام المتبادل بهدف تعزيز المواطنة المشتركة وقيم الإنسانيّة التي تجمعنا".
تعدّد المحامية تغريد الدغمي، وهي معدّة دراسة "نحو مواطنة كاملة في الأردن"، لـ"المونيتور "إشكالات عدّة تواجه البهائيّين في الأردن، بسبب عدم الاعتراف بهم من قبل الدولة، أبرزها عدم قدرتهم على استخراج شهادات زواج، إذ تكتفي دائرة الأحوال المدنيّة بإصدار دفتر عائلة منقوص فيه تاريخ عقد الزواج، كون الحكومة تعتمد الديانات المعترف بها في الأردن لإصدار عقد الزواج الذي يقوم على أساس دينيّ في الأردن، ولا يوجد زواج مدنيّ في المملكة".
دستوريّاً، "نصّ الدستور الأردنيّ في المادّة السادسة منه على أنّ الأردنيّين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم بناء على العرق واللغة والدين، إلّا أنّ البهائيّين يتعرّضون إلى إشكالات حقيقيّة في الممارسات العمليّة"، بحسب الدغمي.
وتنصّ المادّة 14 من الدستور الأردنيّ على أن تحمي الدولة حرّيّة القيام بشعائر الأديان والعقائد، إلّا أنّ هذه المادّة تقتصر فقط على الأديان المعترف بها فقط في المملكة، ولا تضمن حرّيّة المعتقد إنّما ممارسة الشعائر فقط.
تقول الدغمي: "عدم الاعتراف بالبهائيّين كدين في الأردن حرمهم من وجود محكمة بأحوالهم الشخصيّة مثل الطلاق، والزواج، حتّى في نظام الإرث، يخضعون إلى نظام الإرث الإسلاميّ، إضافة إلى عدم اختيار دراسة حصص دين يتناسب مع ديانتهم، كما هو حال الطلبة من الديانات الإسلاميّة والمسيحيّة في المدارس".
حقوقيّاً، ترى الدغمي أنّ الأردن ملزم باحترام شعائر الديانات الأخرى حتّى لغير الأردنيّين بعدما صادق على جملة من المواثيق والاتّفاقات الدوليّة، وعلى رأسها العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة، والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، واتّفاقيّة القضاء على أشكال التمييز العنصريّ كافّة، وكلّها تنصّ على احترام حرّيّة المعتقد وممارسة الشعائر الدينيّة.
أمّا مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدينيّة كامل أبو جار، وهو وزير خارجيّة أسبق، فيعتقد في حديث إلى "المونيتور" أنّ "مشكلة البهائيّين تكمن في تقبّل المجتمع لاعتراف الدولة بدينهم"، متوقّعاً أن "يواجه أيّ قانون اعتراف بالبهائيّة ردّة فعل رافضة في مجلس النوّاب".
ويضيف: "لا يوجد من يضيّق عليهم، لكن من حقّ الجميع اعتناق المعتقد الذي يراه مناسباً، ففي تسعينيّات القرن الماضي، عندما كنت وزيراً للخارجيّة، زارتني مجموعة من البهائيّين بهدف طلب الاعتراف بديانتهم، وأبلغت حينها رئيس الحكومة،، لكنّ الحكومة تخوّفت من ردّة فعل مجلس النوّاب والمجتمع".