أردني يفتح بوابة للعودة بالزمن في منزله ويبني كهفا للهرب من ضغوط الحياة
عاد أستاذ الأدب والنقد العربي د.سفاح الصبح بني سلمان، الآف السنين إلى البدايات، عندما أعاد تصميم كهف الإنسان الأول في مدينة عنجرة من مدن عجلون (70 كم شمال العاصمة الأردنية عمان)؛ "بحثا عن الذات والتأمل وخلق عالم مواز يهرب فيه المرء من ضغوطات الحياة و آلامها ".
وبمجرد أن تطأ قدماك مدخل الكهف تعبر بوابة زمنية تأخذك في حالة تأمل واسترخاء، هي الغاية التي أسس من أجلها بني سلمان كهف التأمل.
بُني الكهف في قلب حديقة منزل، والحديقة في حد ذاتها عبارة عن معرض في الهواء الطلق، ضمت نماذج لتصاميم تراثية من طواحين الهواء، ومجسمات طبيعية حيوانية، وبرك مياه مصغرة.
العمل على الكهف مر بمراحل وسنوات، جمع خلالها الصخور وقطعا طبيعية لم يطرأ عليها تغيير انساني، وقام بتنسيقها وترتيبها بصورة جمالية فريدة و احتوت هذه القطع على تشكيلات مذهلة كأشكال حيوانية مثل النعام وقرون الغزال وأخرى وبشرية على هيئة جماجم تطالعك وأنت تتأمل في الكهف الفريد من نوعه.
اختزل الأكاديمي الأردني الزمن! وعاد به الى الوراء، حيث اعتنى بالحجارة التي لم تطالها يد الانسان، بما وقعت يداه على تشكيلات من الحجارة الطبيعية في منطقة عجلون، "ضمنت البقاء والخلود لمثل هذه الحجارة و بها زينت قبة الكهف وجدرانه، ومن ثم كان هناك قطع اثرية يعود تاريخها إلى آلاف السنوات، وقد حاز ترخيصا من وزارة الآثار لاقتنائها ، إلى جانب قطع تراثية، مما يعني أن هناك 3 مستويات في الكهف الطبيعة والتراث والتاريخ". كما يقول.
و أضاف الصبح ل"، "الكهف بني استجابة لقيمة إنسانية للتأمل أخذ له مراحل متعددة تغلبت فيها على عدة عوامل منها تتعلق بالوقت ومنها مادية بدأت في 2013 بجمع الصخور وبناء هيكل الكهف الذي احتاج لما يقارب 7 سنوات ليصبح بصورته الحالية".
يتابع "تولدت فكرة الكهف بعد أن تولد شعور خاص لدي برغبة بإيجاد عالم خاص موازي مختلف جدا عن ما أعيشه، حيث شعرت بتشوهات كثيرة في هذا العالم و تحديات وضغوطات في هذا الفضاء الخارجي، فأحببت أن أعكس وجهة المسير إلى الفضاء الداخلي وأبني هذا العالم أستجمع فيه ذاتي وممتلكاتي، وأضمن خلوتي وذاتي لأعيد تماسكي الذاتي لمواجهة العالم الأول من جديد".
ورغم أن الكهف بٌني لرغبة فردية للتأمل، إلا أنه تحول الى مزار لمئات الأردنيين الباحثين عن الراحة، وأصبح معلما طبيعيا تراثيا ثقافيا من معالم الأردن.
يقول الصبح "للكهف ثلاثة مراحل من هذا الجانب الأول شيد ليكون ذاتيا كنت أرفض مشاركة الأخرين خلوتي، وكنت أنزعج من الزوار، لكن كثرة الزوار جعلتني أضعف أمام رغبتهم بالجلوس والتصوير، لأنني رأيت حاجة منهم كما هي حاجة لدي للخلوة والبحث عن السلام الداخلي رفعت هذا الحظر عن الزائرين، وفي مرحلة متقدمة رأيت كثرة الزائرين، أصبح هذا الكهف فقرة من برامج سياحية لأبناء المنطقة وخارجها، فلم استطع القيام بواجب ضيافتهم لضيق الوقت، فتولدت الفكرة لتحويله لمكان عام، والآن لدي فكرة ليكون بؤرة لمشروع سياحي قادم".
يقدم الكهف في تفاصيله قصصا كثيرة، تجد فيه أشكالا تشبه الحيوان وأخرى تشبه الإنسان، وحكايات لمن عمل في الزراعة، وقصص لمن كان ميتا ووضع في قبره آواني من الطعام على غرار المقابر الفرعونية.
"يقدّم الكهف ذاته إضافة فنية نوعية نادرة ليكون العمل الأول على مستوى الوطن بفكرته وتشكيله شاقا بذلك طريقه نحو العالمية في تفرّده وكينونته،في الكهف تستريح الروح داخل اللوحة كلّها و تحل ّ النفس في أطوار الزمن جميعه محقّقة بذلك الراحة و السكينة مع جمال المكان و رهبته ليقرع ناقوسا عجلونيا في سماء هذا العالم الرحيب". يقول د.سفاح الصبح.
ورغم أن الكهف فرض نفسه على الخارطة السياحية، والتراثية في الأردن، وأصبحا محجا للباحثين عن التأمل والهاربين من ضغوط الحياة إلى أن القائمين عليه يسجلون عتبا على وزارة الثقافة الأردنية خصوصا كونها لم تعط الكهف الاهتمام بعد أن وصل الى العالمية وأصبح فريدا من نوعه على المستوى العالمي.