هيومان رايتس وتمكين: الإصلاحات التشريعية لم تحم عاملات المنازل بعد
أدان تقرير صدر عن منظمة هيومان رايتس ووتش ومركز تمكين للمساعدة القانونية التقصير الحكومي في حماية عاملات المنازل الوافدات.
ورغم أن الحكومة اتخذت التدابير الوقائية منذ العام ٢٠٠٨ والتي تمنح العاملات الحق في ساعات عمل محددة وأيام عطلة أسبوعية وتجريم للاتجار بالبشر إلا أن التطبيق ما زال مهملا.
وفي تقرير "ظلم في الدار" الذي أعلنت تفاصيل في مؤتمر صحفي صباح الثلاثاء، وثق معدو التقرير انتهاكات قائمة بحق عاملات وإخفاق المسؤولين الأردنيين في محاربة أرباب العمل ومكاتب الاستقدام التي تستقدم العاملات.
ولم يخلو التقرير من انتقادات من القوانين والأنظمة الخاصة بالعمالة المنزلية، والتي لا تحمي العاملات من الانتهاكات، على حد وصفهم، مثل الإقامة قسرا في منزل مخدوميها وفرض غرامات على تجاوز مدد الإقامة القانونية.
الباحث الأول في المنظمة الدولية، كريستوف ويلكي يعتبر أن الإصلاحات القانونية التي انتهجها الأردن منذ العام ٢٠٠٨ لم تحدث فرقا عند عاملات المنازل الوافدات، وإذا كان الأردن يود أن يبقى صاحب الدور الريادي في المنطقة في حماية حقوق عاملات المنازل فلا بد من حشد الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ القوانين.
وفي السياق، استعرضت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية، ليندا كلش، جانبا من أزمة عدم تفعيل وتطبيق القوانين على أرض الواقع من خلال ارسال مركزها مرارا حالات لعاملات ثبتت وقوع حالات اتجار بالبشر بحقهن لكن المحققين المختصين بالاتجار بالبشر لم يصنفوا تلك الحالات كجرائم اتجار".
وتابعت كلش أن عدم التحرك الحكومي الجدي يزيد من معاناة الضحايا اللاتي يعانين كثيرا. ومن الممارسات التي ساقتها كلش والمنشورة في التقرير كانت ممثلة بمصادرة ارباب العمل جوازات سفر العاملات ولا يدفعون رواتبهن المستحقة في أوقاتها، فضلا عن الضرب والإهانة والمعاملة اللاإنسانية.
ويستعرض التقرير جانبا من معاناة عاملات من جنسيات: فلبينية وأندونيسية وسيرلانكية، حيث رصد حالة في العام ٢٠١٠ لـ١٥٠ عاملة فلبينية و٢٢٥ أندونيسية و٨٥ سيرلانكية يقمن في ملاجئ سفارات بلادهن، ولزحمة والملاجئ تضطر بعض السفارات لعدم قبولهن، ما يدفع العاملة للعودة لمكتب الاستقدام والأخير إما يجبرها على العودة لرب عملها أو يحتجزها منعا لرغبتها في العودة لبلدها.
يتطرق التقرير للعمل الجبري الذي تتعرض له العاملة الوافدة وسبل انصافها والتعويض، وقد سعت آلالاف العاملات إلى الحصول على المساعدة؛ ففي العام ٢٠٠٩ تلقت السفارة السيرلانكية ١٤٣١ شكوى، و٧٨٤ شكوى خلال الشهور الست الأولى من عام ٢٠١٠، فيما تلقت "تمكين" ٢٢١ شكوى من عاملات وافدات في العام ٢٠٠٩ و٣١١ شكوى في العام ٢٠١٠ فضلا عن ارتفاع الارقام في النصف الأول من عام ٢٠١١ والتي قاربت ٥٠٠ شكوى.
توصيات للجهات
أوصى التقرير المشترك إلى وزارة العمل بضرورة ضمان مثول العاملة بنفسها أثناء إصدار تصريح العمل الخاص بها، أو يبقى جواز سفرها في حوزتها، فضلا عن ضرورة اتخاذ خطوات لضمان معرفة أصحاب العمل على حد سواء بحقوقهم وضرورة امداد أصحاب العمل بنسخة من نظام العاملين في المنازل لسنة ٢٠٠٩ وتوفير مكتب معلومات في مطار الملكة عليا الدولي.
يشار إلى أن لدى الوزارة ٥ مفتشي عمل متخصصين ضمن وحدة العاملين في المنازل، غير أن القائمين في المنظمة يشككون بفاعليتهم وعددهم المخصص للاطلاع على أوضاع ما لا يقل عن ٧٠ ألف عاملة.
وإلى وزارة الداخلية، أوصى التقرير بضرورة إعادة جوازت سفر عاملات المنازل فقط وليس للمكاتب أو الوسطاء لدى الهجرة وضمان حضور العاملة بنفسها لكي تأخذ تصريح الإقامة، وتعيين مترجمين لمساعدة العاملات اللواتي لا يتقن اللغة العربية، ووقف تراكم الغرامات على العاملات المقيمات في ملاجئ السفارات، وضرورة التسريع بالعفو عن غرامات العاملات من ذوات الإدعاءات القابلة للتصديق بالتعرض للانتهاكات والسماح لهن بمغادرة البلاد.
كما وأوصت بضرورة إلغاء سياسة تغريم من يتجاوز مدة الإقامة من المهاجرين وتحصيل غرامات تجاوز مدة الإقامة من أصحاب العمل المسيئين، وإعادة النظر في تحويل كفالة الإقامة إلى اشخاص قانونيين من غير أصحاب عمل عاملات المنازل.
وأوصى التقرير إلى مديرية الأمن العام بضرورة عدم اصدار تعميمات بحق توقيف العاملات اللاتي يبلغ أصحاب العمل عنهن بالهروب، وتحسين قدرة وحدة الاتجار بالبشر بإدارة البحث الجنائي والاستعانة، وقبلو ضمانات الكفالة التي توفرها سفارات عاملات المنازل.
وطالب المنظمتان في توصيتها لوزارة العدل بضرورة البدء بالملاحقات القضائية لكل مكاتب الاستقدام وأصحاب العمل الذين يصادرون جوازات السفر، وملاحقات جادة لكل مكاتب وأصحاب العمل الذين يتاجرون بالأفراد.
وإلى الحكومة، فقد طالب التقرير بضرورة تعديل قانون العقوبات بحيث يشمل جرائم العمل الاجباري والحرمان من الطعام والرعاية الصحية بصفتها جرائم، وتعديل نظام العاملين في المنازل لعام ٢٠٠٩ بحيث يحظر على أصحاب العمل تحديد إقامة عاملات المنازل قسرا داخل البيوت. وتوفير التمويل الكافي لدعم ملاجئ منظمات المجتمع المدني والسفارات أو إنشاء دار رعاية تديرها الحكومة.
وكما طالب الحكومة بضرورة التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم، ويجب تنفيذ الاتفاقية الجديدة الملزمة الخاصة بظروف العمل الملائمة للعمالة المنزلية والصادرة عن منظمة العمل الدولية.
خداع مكاتب الاستقدام
بدأ إضعاف وضع عاملات المنازل في بلدانهن قبل السفر، إذ تخدعهن مكاتب الإلحاق بالعمل في الخارج بوعود كاذبة عن العمل السهل والرواتب الكبيرة. وتستمر المشكلة في الأردن، إذ لا توفر مكاتب الاستقدام نسخاً من العقود للعاملات، وتصادر جوازات سفرهن، ويقوم أرباب العمل بحبسهن داخل البيوت لمنعهن من الاتصال بالعالم الخارجي. لا يوجد في الأردن دور رعاية لعاملات المنازل الهاربات، مما يعني عدم وجود أي مكان يلجأن إليه لطلب المساعدة.
وتسمح القوانين في الأردن لرب العمل بتقييد تنقلات عاملة المنازل، وتُجبر هذه القوانين العاملات على البقاء في بيوت أرباب العمل. لا يطلب القانون السماح للعاملات الاحتفاظ بجميع الوثائق الشخصية، بما في ذلك جوازات السفر والعقود. كما لا يسمح الأردن لعاملات المنازل بحرية تغيير أرباب العمل، حتى بعد انقضاء مدة العقد. كما تفرض السلطات الأردنية غرامات على من يتواجدون في الأردن بعد انتهاء مدة تصريح الإقامة، ولا يمكن لغير أرباب العمل أن يتقدموا بطلب تصريح الإقامة، وكثيراً ما لا يفعلون. وتقوم الشرطة باحتجاز عاملات المنازل اللاتي يبلغ عنهن أرباب عملهن بصفتهن "هاربات"، حتى لو كان تصريح إقامة العاملة سليم.
يعني التطبيق الضعيف للقوانين والقواعد القائمة أن عاملات المنازل يتنازلن عن حقوقهن أحياناً، مثل حقهن في الرواتب المتأخرة، في مقابل العودة إلى بلدانهن. ولا يوجد لدى وزارة العمل إلا خمسة مفتشين للتفتيش على جميع عاملات المنازل، لكن لم يمارس هؤلاء المفتشون صلاحيات دخول المنازل لمتابعة شكاوى الانتهاكات المقدمة من عاملات المنازل. وهناك لجنة حل منازعات للعمل مسؤولة عن العمالة المنزلية، لكن لا تتبع أي قواعد واضحة أو محددة، وتستغرق شهوراً في إصدار توصيات غير مُلزمة في حالات الشكاوى المقدمة من عاملات المنازل. ولم يبلغ المفتشون عن حالات العمل لساعات مطولة – المتوسط هو 16 ساعة يومياً من العمل في أوساط العاملات اللاتي تمت مقابلتهن أثناء إعداد التقرير – بصفتها خروقات للقانون، ولم يبلغوا أيضاً بهذه الصفة عن حالات عدم الحصول على يوم عطلة أسبوعية، كما لم يتم تغريم أرباب العمل على أي من هذه الممارسات، القائمة على نطاق واسع.
إجبار عاملة المنازل على العمل بعد انقضاء مدة العقد المحددة بعامين، أو حبسها في البيت مع عدم منحها لأجرها، هي معاملة قد ترقى لكونها عمل جبري، وهي مُعرّف في القانون الدولي بأنه العمل المنتزع بشكل غير طوعي مع التهديد بعقوبة. عدم القدرة على تغيير أصحاب العمل بحرية أو قدرة العاملة على عودتها لبلدها بسبب تجريم الهروب وفرض غرامات الهجرة ومصادرة جوازات السفر، هي معاملة قد تنطوي على التهديد، على حد قول هيومن رايتس ووتش وتمكين.
ويعتبر العمل الجبري عندما يقترن بالاستغلال الاقتصادي – على سبيل المثال عدم دفع الرواتب – يعتبر إتجاراً بالبشر بحسب تعريف القانون الأردني. إلا أن المحققين في إدارة منع الإتجار بالبشر والادعاء لم يصنفوا إلا قضايا قليلة على أنها إتجار بالبشر، رغم تعدد الحالات المبلغ عنها في هذا الشأن من قبل محاميّ تمكين.
هناك عاملة أندونيسية تعرضت للحبس في البيت لأكثر من ثلاث سنوات دون أن تتلقى أجرها؛ لأن أرباب عملها – الذين صادروا جواز سفرها – لم يسمحوا لها بالعودة إلى بلدها. هربت عندما ترك أرباب العمل المفتاح في الباب ذات يوم، لكن الادعاء لم يعتبرها ضحية إتجار بالبشر.
وقالت ليندا الكلش، مديرة تمكين: "لقد عرضنا على محققي الإتجار بالبشر مراراً عاملات منازل يعانين من مختلف أنواع الانتهاكات، وأرسلنا معهن المحامين والمترجمين الفوريين، لكن المحققين لم يصنفوا أي من هذه الحالات على أنها إتجار بالبشر، وفي بعض الحالات تم توقيف العاملات بتهمة الهروب". وتابعت: "إن التحركات الحكومية – وفي بعض الأحيان هي عدم تحرك – تزيد من معاناة الضحايا اللاتي يعانين كثيراً بالفعل، بدلاً من أن تساعدهن".
ويصادر أرباب العمل جوازات السفر ويقومون بحبس عاملات المنازل داخل البيوت ولا يدفعون لهن رواتبهن المستحقة في أوقاتها، والسبب جزئياً هو خوفهم من مغادرة العاملة للبيت بحثاً عن رواتب أكبر في سوق العمل غير الرسمية. إن التطبيق الأفضل للقواعد والإصلاحات القانونية في هذا القطاع من شأنه أن يقلل الطلب على سوق العمل غير الرسمية للعمالة المنزلية، وأن يساعد في منع الانتهاكات القائمة، كما يتضح من التقرير.
يخلص التقرير إلى أن الحظر الذي فرضته أندونيسيا والفلبين على سفر رعايا الدولتين للأردن للعمل لم يسهم في حمايتهم. بدلاً من ذلك، يتعين على الحكومات الراسلة للعمالة أن تركز على تحسين الأنظمة والمراقبة الخاصة بمكاتب الإلحاق بالعمل في هذه الدول، على حد قول هيومن رايتس ووتش وتمكين.
"على الأردن أن يصدق سريعاً على اتفاقية منظمة العمل الدولية الهامة الخاصة بحقوق عاملات المنازل، وأن يلتزم بهذه الاتفاقية تمام الالتزام". وفق ويلكي، وأضاف: "عتبر الأردن قيادة إقليمية في المبادرة بالإصلاحات، عليه الآن أن يعمل على استحقاق هذا التميّز، بأن ينفذ هذه الإصلاحات".