من مكتب التسفير إلى الاستقدام فالمضيف.. فلبينيات يفقدن ما تبقى من حقوق
سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان
في مكتب العمالة الفلبينية في الخارج التابع للسفارة الفلبينية في عمان تكتظ أكثر من مئة عاملة منزلية ممن تركن عملهن لدى عائلات أردنية مشتكيات من سوء المعاملة. يزيد العدد عند استقبال لاجئات جدد ويقل عند تسفير السابقات ممن أمضين شهور عدة في المكتب.
وفي شباط الفائت ارتفع عدد الفارات من سوء المعاملة إلى قرابة 250، ما اضطر الحكومة الفلبينية إلى وقف مؤقت لتسفير العاملات المنزليات إلى الأردن استمر إلى غاية الآن. ولكن انتقادات الفلبينيين لحكومتهم تعالت بعد الرفع الجزئي للحظر الذي لا ينطبق على العاملات العائدات إلى عائلات مضيفة أحسنت التعامل معهن، دون أن تقدم الحكومة الأردنية ضمانات كافية لحماية العاملات الفلبينيات من الانتهاكات التي يتعرضن خلال عملهن في الأردن، وفقا لمجلة بولاتلات الفلبينية.
الحظر لم يكن الحل المناسب للمشكلة، وفقا للسفير الفلبيني في الأردن. "من الأفضل أن يدخلن بطرق شرعية وبإقامات عمل فنعلم بوجودهن ونحميهن وفقا لقوانين العمل، بدل أن يدخلن إلى الأردن بفيزا سياحية دون علمنا ويفقدن حقوقهن".
"من أصل 20 – 25 ألف عاملة منزلية فلبينية في الأردن يوجد حوالي 3500 إلى 5000 يعملن في الأردن بطرق غير قانونية، دخلن بفيزا سياحية تم تحويلها حال وصولهن إلى الأردن إلى فيزا عمل. ثلاث إلى عشر فلبينيات يصلن إلى مطار عمان كل يوم. لو أنهن أتين بطرق شرعية وبعلمنا لتمكنا من حمايتهن وتوفير الأمن لهن"، يقول السفير.
لا يوجد في الفلبين سفارة أردنية أو أي جهة أخرى يمكنها منح إذن دخول للأردن. وزارة الداخلية في الأردن هي الجهة الوحيدة المخولة بذلك. وتتولى مكاتب استقدام العاملات المنزليات الحصول من وزارة الداخلية على أذون دخول الفلبينيات بعد تلقي طلباتهن من مكاتب تسفير العاملات في الفلبين.
وما بين مكتب التسفير في الفلبين ومكتب الاستقدام في الأردن والعائلة المضيفة، وقوانين وسياسات العمل في كل من البلدين، تضيع بعض حقوق العاملة.
الحكومة الفلبينية أقرت مبلغ 400 دولار كحد أدنى لأجر العاملة المنزلية الشهري، لكن العاملة توقع عقد عمل مع مكتب التسفير بأجر شهري 200 دولار، إضافة إلى وعود بظروف عمل إنسانية. وعندما تصل العاملة مكتب الاستقدام في الأردن فإنها توقع عقدا آخر بأجر شهري 150 دولارا.
"هذه حالات اتجار بالبشر، يقول السفير الفلبيني، وكالات تسفير العمال تستهدف المناطق الفقيرة النائية لاستقطاب العمال والعاملات الذين يجهلون حقوقهم والقوانين والسياسات الحكومية التي تحميهم، فيستغل الوكيل جهلهم فيعدون بأجور وظروف عمل لا يجدها العامل بعد السفر، أو حتى يزورون جوازات سفرهم وأعمارهم إذا كانوا تحت السن القانوني للعمل في المنازل، وهو 23 سنة. في أحد الحالات اكتشفنا فتاة في الرابعة عشر من عمرها أحضرت للعمل في الأردن بعد أن زور وكيل العمل في الفلبين جواز سفرها ليظهر عمرها فوق السن القانوني".
ويشير السفير إلى "القوانين الصارمة" في الفلبين المتعلقة بالاتجار بالبشر. "كانت تصل إلى الإعدام لكن بعد إلغائه خففت إلى السجن مدى الحياة. وهناك من واجه هذه العقوبة، من بينهم اثنان اتهما بالاتجار بالعمال، وحاليا نعمل على نقلهما للأردن على أمل إكمال عقوبتهما هنا، لكن لسنا متأكدين من ذلك لأن هذه التهمة غير موجودة في القوانين الأردنية".
وتواصل العاملة رحلتها من مكتب التسفير في الفلبين إلى مكتب الاستقدام في الأردن لتنقل بعدها إلى بيت المضيف لتواجه انتهاكات تتراوح بين مصادرة جواز سفرها، العمل لأكثر من 8 ساعات دون أجر إضافي أو دون يوم إجازة أسبوعية، تأخير وحرمان من أجرة شهور، عدم توفر منامة وطعام ملائم، احتجاز داخل المنزل أو حتى في المطبخ، سوء معاملة معنوية وجسدية تصل في أحيان إلى الاغتصاب، وغيرها من شهادات عشرات العاملات اللاتي التقيناهن في مكتب العمالة الفلبينية في إحدى ضواحي عمان.
إحدى المقيمات، إيميلدا، تقول أنها وقعت عقدا في وكالة تسفير العمال في الفلبين نص على أنها ستتقاضى 200 دولار أمريكي كأجر شهري لقاء عملها المنزلي الذي يوفر لها المنامة والطعام الملائم، وأنه سيتم خصم أجر شهرين بدل الرسوم المستحقة للوكالة. وبسبب غلاء المعيشة المتزايد في الفيليبين وعدم قدرتها وزوجها على توفير احتياجات أسرتيهما اضطرت إيميلدا لتوقيع العقد. وعند وصولها إلى مكتب استقدام العاملات المنزليات في الأردن، تفاجأت إيميلدا بأن أجرها الشهري هو 150 دولارا فقط، وأنه سيتم خصم أجر ثلاثة شهور، وليس اثنين، لقاء رسوم الوكالة في الفيليبين. وإلى مصيرها المجهول رافقت إيميلدا السيدة المضيفة دون أي علم مسبق بمواصفات العائلة والمنزل الذي ستعيش فيه لسنتين قادمتين، ودون علم أيضا بما لها من حقوق كعاملة منزلية.
وبعد مرور شهر واحد تعرضت للضرب والإهانة المتواصلة من مراهق لم يردعه والداه عن ذلك، لجأت إيميلدا للسفارة الفليبينية طلبا للمساعدة، وأصلتها السفارة إلى مكتب العمالة الفلبينية في الخارج الذي تشارك فيه أكثر من مئة عاملة أخرى منذ شهور، بانتظار أن تدفع الحكومة الفلبينية غرامات الإقامة غير الشرعية لوزارة العمل للسماح لهن للعودة لأسرهن وموطنهن.
ويلفت السفير إلى حالات يمتنع فيها صاحب مكتب استقدام العاملات، أو العائلة المضيفة، عن دفع رسوم إقامة عمل الفلبينية، فتتراكم الغرامات على العاملة التي لا يعد بإمكانها مغادرة الأردن دون دفعها. "عندها تضطر الحكومة الفلبينية لدفع الغرامات لإطلاق سراح العاملة والسماح لها بالعودة للفلبين. لم نكن مضطرين لدفع الغرامة، فهذا ليس خطأنا وكذلك ليس خطأ العاملة التي احتجز جواز سفرها ومنعت من الخروج من المنزل فكيف سيكون بإمكانها تجديد إقامة عملها، كما أنها لا تعلم عن قوانين وأنظمة العمل في الأردن".
"هناك من حاولن اللجوء إلى وزارة العمل الأردنية أو السفارة الفيليبينية للاحتجاج أو مقاضاة وكالات تسفير العمال، لكن دون جدوى، فهن لا يملكن أية نسخ عن العقود الموقعة ولا يستطعن إثبات تعرضهن للاحتيال. فالوكالات عادة ما تشترط الاحتفاظ بالعقد دون تزويد العاملة بنسخة عنه"، تقول إيميلدا.
"خلال عملي كملحق لشؤون العمالة في السفارة الفلبينية في الأردن منذ سنتين ونصف، يقول ...، لم أشهد إدانة أي جاني في قضية اغتصاب لعاملة فلبينية أمام المحاكم الأردنية. حالات عديدة لجأن للقضاء لكن الضحايا يفضلن الوصول لتسوية خارج المحكمة بدل متابعة القضية في المحاكم لستة أو سبعة شهور. وعادة تكون التسوية مالية حيث تقدر أضرار الضحية ويدفع لها الجاني من ألفين إلى 5 آلاف كتعويض. وهو مبلغ قليل جدا مقارنة بالتسويات في حالات شبيهة في دول عربية أخرى".
أما سبب قبول هذه التسويات فيعود، بحسب ...، إلى صعوبة إثبات حادثة الاغتصاب أمام المحكمة. "أكثر من 90% من ضحايا الاغتصاب يلجأن للسفارة بعد مرور مدة تختفي خلالها أثار العنف والاغتصاب. ومعظم الحالات هي اغتصاب متكرر من أحد أفراد الأسرة المضيفة وتبقى العاملة محتجزة لا تستطيع الخروج من المنزل، وفي أول فرصة للهرب تلجأ للسفارة بعد مرور أسابيع أو شهور على تعرضها للاغتصاب".
المشكلة الأخرى، يقول ...، تأتي بعد التقدم بشكوى الاغتصاب. "تستجوب الضحية في مديرية حماية الأسرة، حيث تسأل بطريقة أشبه باللوم: لماذا لم تحاولي الهرب بعد تعرضك للاغتصاب للمرة الأولى؟ وهذا يعني مضاعفة مأساة الضحية. عندها تفضل العاملة-الضحية القبول بأية تسوية للعودة سريعا إلى أسرتها في الفلبين".
"منذ بداية هذا العام وصلتنا 5 أو 6 حالات اغتصاب، يقول السفير، ولا أدري كم عدد الحالات التي لم يبلغ عنها حتى الآن. هذا بالإضافة إلى حالتي وفاة إثر وقوعهما من شرفة المنزلين حيث تعملان. وفي الحالتين كان من الصعب معرفة حقيقة سبب وقوعهما. ففي حالة قيل أنها وقعت بينما كانت تنظف الزجاج وأخرى قيل أنها انتحرت بسبب اكتئابها. وهناك حالات قفزن من الشرفة وأصبن لكن بقين على قيد الحياة، وذلك لأنهن حبسن في المنزل ومنعن من الخروج فحاولن الهرب".
"حاولنا اللجوء للقضاء لكن صاحب العمل المتهم باغتصاب العاملة الفلبينية يرفع قضية مضادة يتهم فيها العاملة بالاعتداء على أحد أفراد الأسرة وبذلك تدخل الضحية السجن"، يضيف السفير.
لكن وزير العمل الأسبق باسم السالم يحمل السفارة الفلبينية مسؤولية مخالفة العمالة الفلبينية للقانون في كثير من الحالات، مطالبا إياها بتحمل جزء من المسؤولية مع الوزارة للحد من هذه المخالفات.
"هناك تعاون من قبل العاملين في السفارة لتهريب الخادمات الموجودين في المأوى فيها"، يقول الوزير السالم مشيرا إلى أنه قد اتفق في اجتماع عقد في وزارة الخارجية على التوجه لعقد سلسلة من الاجتماعات للدخول أكثر في تفاصيل التجاوزات التي تنتهجها سفارات الخادمات بحقهن.
وكانت وزارة العمل أعلنت سابقا عن نيتها إنشاء مكتب خاص بها لاستقدام الخادمات، ينضم في عضويته شركاء من المجتمع المدني واتحاد العمال لكنها لم تنفذ ما أعلنته. " سيتمثل دور المكتب في عقد اتفاقيات مع مكاتب العاملات في الخارج، بالإضافة إلى تحديد الأجر المناسب لاستقدامهن. لا بد من التأكد أن هذه العاملة دخلت بطريقة صحيحة باتفاق مع صاحب العمل والأجر المناسب، كوننا نواجهه الكثير من المشاكل باستقدامهن من قبل المكاتب، حيث سنقوم أيضا بالإضافة إلى المكتب الخاص بنا على إصدار نظام لمكاتب استقدام الخادمات".
وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان حمل الحكومة ممثلة بوزارة العمل، مسؤولية استمرار الانتهاكات بحق عاملات المنازل وما يتلوها من انتقادات دولية متواصلة، والذي اتفق مع تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية بعنوان "مستخدمات وافدات يعملن في الأردن محرومات من حقوقهن".
إستمع الآن