مطالب ذوي الإعاقة..إن نفذت
بحثا عن تطبيق فعلي لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي أقره الأردن قانونا في العام ٢٠٠٧ ليعزز من وجود فئة ذوي الإعاقة في الأردن عبر حماية حقوقها، كان قرابة ٢٥٠ على موعد مع اعتصام نفذوه أمام الديوان الملكي.
المعتصمون انتقدوا عدم العدالة في تطبيق القانون على المكفوفين، مؤكدين وجود محسوبية في تطبيقه.
وجاء الاعتصام بناء على الدعوة التي وجهتها اللجنة التنسيقية للمكفوفين الأربعاء الماضي، في مختلف محافظات المملكة للاحتجاج على عدم تطبيق القانون الذي ينص على تشغيلهم وشمولهم بالتأمين الصحي وإعفاء المركبات الخاصة بهم والمساواة بين الجمعيات.
ووعد الديوان الملكي الذي التقى ممثلين عن المعتصمين بحل القضية من خلال الجهات المختصة، الأمر الذي وصفه المعتصمون بإبر التخدير.
فالمطالبة بحق العمل في المؤسسات الحكومية والشركات العامة والخاصة، أبسط ما يطلبه ذوو الاعاقات في الأردن، والذين يصل عددهم إلى نحو 7 بالمئة من السكان.
رغم إلزام قانون «حقوق الأشخاص المعوقين» لسنة2007 مؤسسات القطاع العام والخاص، والشركات التي لا يقل عدد العاملين في أي منها عن «25» عاملاً ولا يزيد على «50» عاملا بتشغيل عامل واحد من الأشخاص المعوقين، وإذا زاد عدد العاملين في أي منهما على «50» عاملاً يخصص ما لا تقل نسبته عن «4 بالمئة» من عدد العاملين فيها للأشخاص المعوقين شريطة أن تسمح طبيعة العمل في المؤسسة بذلك. إلا أن واقع الحال غير ذلك.
الكفيف مصطفى الرواشدة، رئيس جمعية الشعلة للمكفوفين، لا يجد تفسيراً لتجاهل المؤسسات الحكومية لما يتيحه القانون لهم، يقول: «لماذا تحجب فرص العمل عن الكفيف، وما سر الإصرار على رفضنا.. يمكن للمعوق والكفيف، على وجه التحديد، أن يعمل وينتج، وتحديداً من هم حاصلون على شهادات تعليمية، أما غير المتعلمين فيمكنهم العمل في مجالات مختلفة، ولا حجة للقول إنهم غير منتجين أو لائقين».
لا يعاني المكفوفون وغيرهم من أصحاب الحاجة من عدم مقدرة، وإنما من «مجتمع لا يريدهم خارج إطار الحاجة» هذا ما يثير غضب المكفوفة وفاء جبر التي تمنت أن يأتي يوم ويتعامل الناس فيه مع المكفوف على أنه إنسان منتج وليس عالة على أحد،: «أعطونا فرصة، ولا تحكموا علينا لمجرد أننا معاقون».
يخرج المعوق والمكفوف خصوصاً من الحلبة بدون مساعدة له، وتتحرك جمعيات معنية لسد حاجته، لكن تلك الجمعيات لا داعم لها؛ فجمعية الصداقة الخاصة بالمكفوفين لا تملك صلاحية متابعة أحوال المكفوفين رغم الدعم المباشر الذي تتلقاه من وزارة التنمية الاجتماعية، فيما يخرج نادي الشعلة للمكفوفين من ذلك المأزق عبر تأهيل المسجلين لديه من المكفوفين، وتأهيلهم على الكمبيوتر وآلة البريل الخاصة بهم بما يضمن لهم الطريق لأي وظيفة قد يحصلون عليها، لكن الواقع هو مأزقهم في النهاية.
وفق تقديرات مركز الشعلة للمكفوفين فإن عدد المكفوفين في المملكة بلغ 24 ألفا. أما عالميا، فتقول منظمة الصحة العالمية إن هناك ما نسبته 8-10 بالمئة من المعوقين بين سكان العالم العربي حصة الأردن تقديريا وفق خبراء أقل من 7 بالمئة .
جاء قانون «حقوق الأشخاص المعوقين» الجديد العام 2007 موسعاً أكثر من القانون الصادر العام 1992 الذي يكفل حقوق تلك الفئة، بعد أن أقره مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب سنة 2007. القانون الجديد ضمن إنشاء المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين كهيئة إدارية مستقلة مالياً وإدارياً.
«لم نستفد من المجلس الأعلى لشؤون المعوقين، خلال السنة وربع السنة التي نشأ فيها..فالتشغيل، قضية أساسية مهمة لنا وليست هناك أي نتيجة» - وفق الكفيف مصطفى- على أن المجلس الأعلى هو الأساس، فعليه تشكيل اللجان المختصة بمتابعة الوزارات والمؤسسات المختلفة بما يتعلق بتطبيقها ما كفله القانون.
«المسؤولية لا تقع فقط على المجلس كأن يكون رقيباً، أو يرسل الكتب إنما المجتمع هو الذي يرفضهم. وكذلك هي مسؤولية المؤسسات العامة والقطاع العام، وهذه التوعية نحتاجها»، تقول أمينة عام المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين أمل النحاس.
المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين «غير ملزم» بمتابعة تطبيق المؤسسات المختلفة قبول ما نسبته 4 بالمئة في توظيف موظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن على المؤسسات أن تنفذ القانون، هذا الرأي يعتبر عند المكفوفين مشكلة لأن هناك حلقة تظل مفقودة.
توضح النحاس «المجلس الأعلى ليس الجهة التي تقدم الخدمات، ولن يحل مكان الوزارات، لكننا نقدم دعماً لبرامج لمؤسسات..ونحن بصدد وضع معايير أردنية لاعتماد البرامج والمؤسسات المتخصصة بالإعاقة، لكي ترقى بمستوى الخدمة المقدمة لهذه الفئة . ندعم برامج و لا نقدم خدمة مباشرة، فلا صفة رقابية لنا».
حق المعوقين بممارسة حياتهم العادية خارج المنزل وفي الأسواق والحدائق وكل مرافق البلد، قضية وطنية ذات أبعاد تتعلق بالمؤهلات والشواغر وحق الشخص في أن يتمتع بفرصة العمل دون معاناة تضاف إلى معاناته الجسدية، فإذا أخذنا النسبة التي حددها القانون فيكفي أن تغطي وزارة الصحة والتربية والتعليم النسبة..وفق النحاس.
وفاء جبر، حائزة على دبلوم تربية خاصة، تعاني من ضعف بصري حاد، تلقت دورات تأهيلية بالمسنين والأعمال اليدوية وكمبيوتر وبريل، «أتمنى الحصول على فرصة عمل» فبينما تكفل لها القوانين حق العمل والحياة كما الآخرين لكنها لا تلمس ذلك على أرض الواقع.
لا يخفي الكفيف خالد الحوامدة، تأثره اليومي من غياب الفرص والأبواب المغلقة، «قدمت لمؤسسات عديدة ورفضتنا» أما المكفوف العراقي زيادة فقد رفض الحديث عما يعانيه لكنه يطمح في التعلم «أبسط حقوقنا أن نتعلم».
أما الكفيف عادل زامل الذي درس الشريعة من جامعة العلوم التطبيقية، فيأمل بالالتحاق بعمل، لكن إبراهيم الذي فقد بصره العام 1999 هو الآخر أغلقت الأبواب أمامه بعد الحادثة التي تعرض لها، لينتهي به المطاف مستجديا المؤسسات أن تقبل به عاملاً، بعد أن كان مسؤولا في إحدى الشركات المتخصصة بالسيراميك. معاناته مضاعفة لمسؤوليته عن إعالة عائلة وعدم حيازته شهادة تعليمية.
الكفيفة بثينة كافحت لأجل العمل كما الآخرين، وحازت على منالها بعد أن عرضت قضيتها على أكثر من وسيلة إعلامية إلى أن انتهى بها المطاف عاملة في مقسم وزارة التنمية الاجتماعية، «إذا حققت ما أريد فهناك المئات من المكفوفين غير قادرين على نيل أبسط حقوقهم..آمل أن يأتي يوم ويهتم الجميع بما نعانيه جميعنا سواء مكفوفين أو غيرنا من المعوقين».
«يكفي أن يلتزم الأعضاء السبعة في مجلس أمناء المجلس الأعلى لشؤون المعوقين في تطبيق تلك النسبة التي ضمنها القانون كي تحل أزمتنا» يقول الكفيف مصطفى، مستذكراً نص القانون الذي يعين سبعة أمناء عامين، يمثلون عدة وزارات ذات صلة بالمجلس.
نشوء المجلس الأعلى لشؤون المعاقين جاء تنفيذا للاستراتيجية الوطنية، التي ضمنها القانون حول ضمان حقوق الأشخاص المعوقين، تعلق الأمينة أمل النحاس: «لا يبدو أن المؤسسات الحكومية تنفذ ما كفله القانون، تقع على الوزارات مسؤولية تضاهي مسؤولية المجتمع تجاه المعوق. على سبيل المثال الأطفال المعاقون في المدارس هي مسؤولية المجتمع أكثر».
أمانة عمان الكبرى إحدى المؤسسات الخدمية التي تضم عدداً من الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة لديها، وتوضح مديرة دائرة البناء الخاص فيها رنا حدادين أن الأمانة تعكف منذ شهرين على إعداد قاعدة بيانات خاصة بموظفي الأمانة من ذوي الإعاقات المختلفة «بهدف معرفة نسبتهم من بين 18 ألف موظف وكذلك المناطق التي يعملون فيها.
لم تقدم أي وزارة أرقاماً حول أعداد الموظفين لديها من ذوي الاحتياجات الخاصة، أكثر من مسؤول يقول «المعاملة واحدةإزاء الجميع فكفاءة الشخص هي التي تحدد موقعه في المقعد الشاغر لا التعاطف أو الانحياز. هناك موظف كفء من ذوي الاعاقات المختلفة تم تعيينه، دون النظر إلى القانون الذي يحفظ حقه»..وفق مسؤول في إحدى الوزارات.
«نتمنى ان يتمسك ذوو الاحتياجات الخاصة بمطالبهم لتجد فرصتها في التحقق»..تقول حدادين، لكن النحاس ترى أن عدم مساهمة المؤسسات العامة والخاصة بتوفير فرص عمل ينجم عنه عبء على مؤسسات أخرى بالتالي تعود قضيتهم إلى المربع الأول.
ويلزم القانون «مؤسسة التدريب المهني» بتدريب تلك الفئة وتأهيلهم، في مادته الرابعة فقرة (ج) بما يتعلق بالمؤسسة التي عليها أن توفر (التدريب المناسب للأشخاص المعوقين وتطوير قدراتهم وفقا لاحتياجات سوق العمل، بما في ذلك تدريب المدربين العاملين في هذا المجال وتأهيلهم).
مدير المؤسسة ماجدة الحباشنة، انتقد نص القانون المتعلق بتوظيف العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة، «أفرغت المادة من مضمونها عندما اقترنت نهاية نص تشغيل المعوقين بجملة: إذا استدعت طبيعة عمل المؤسسة بذلك، ما أضعف نص المادة».
تقول النحاس إن المجلس أشرف على تدريب 300 من ذوي الاحتياجات الخاصة على اختلاف أنواعها (الحركية والسمعية والبصرية والعقلية ذات الدرجة الخفيفة) بعد التعاقد مع مؤسسة التدريب المهني. وتضيف «هناك شقان يتعلقان بأوضاع المعوقين، الأول: هل هو مؤهل أكاديميا، الثانية هل هو مؤهل مهنيا، وهناك قطاع كبير من المعوقين بحاجة إلى تدريب».
يطالب الحباشنة بإنشاء ضابطة عدلية خاصة بالمجلس الأعلى لمتابعة تطبيق المؤسسات أحكام القانون. متحدثا عن مذكرة تفاهم وقعتها المؤسسة مع المجلس، تقضي بتأمين البرامج التدريبية وإعادة تأهيل خمسة مشاغل لتقديم خدماتها لذوي الاحتياجات الخاصة.
المادة الرابعة من قانون حقوق الأشخاص المعاقين، فقرة (ح) تنص على «دمج المعاقين في شتى مناحي الحياة والمجالات وعلى مختلف الأصعدة بما في ذلك شمول الأشخاص المعوقين وقضاياهم بالخطط التنموية الشاملة»، وتطالب أمين عام المجلس الأعلى لشؤون المعوقين أمل النحاس بضابطة عدلية لمراقبة تطبيق المؤسسات الحكومية هذا البند، على أن تكون وزارة العمل هي الضابط، «لأن القانون وحده غير كاف».
وقع الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين، التي تعزز حقوق المعوقين المدنية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
غير أن الناشط محمد حياصات، رئيس الجمعية الأردنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، يعتبر أن وجود الجمعيات المعنية «متواضع..نريد نوعية بالتدريب والتأهيل لأن الجمعيات شريكة مع المؤسسة، وتتلاءم مع سوق العمل. التدريب يقتصر على العمل التقليدي كخياطة المنسوجات فقط والمطلوب من القطاع الخاص دور أكبر».
«إذا ضَمِنا أن تحرص كل المؤسسات والشركات على نسبة 4 بالمئة أو أقل، فعندها لن نحتاج إلى متابعات أو غيرها لأجل إنجاز مسألة تشغيل هذه الفئة من المجتمع»، وفق النحاس.