مجالس النقابات سيطرة ذكورية

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

لا تميز قوانين النقابات المهنية بين رجل وامرأة، ولكن واقع الحال مختلف كثيرا بحكم العادات والتقاليد التي سمحت للرجل بالسيادة عبر التاريخ، هذه السيادة الذكورية تتضح اكثر ما تتضح في تشكيل، او انتخابات، مجالس النقابات.

 

عبر تاريخ نقابة المحامين الطويل، حيث تشكلت عام 1950، لم تستطع سوى امرأتين من الحصول على مقعد في مجلس النقابة، هما سميرة زيتون واملي بشارات، فيما بقي منصب النقيب وباقي مقاعد المجلس حكرا على الرجل في كل دوراته، قبل الانتخابات الأخيرة والتي أخرجت المحامية نور الإمام إلى عضوية المجلس ما اعتبر إنجازا لم يسجل منذ سنوات .

 

يعكس واقع تشكيل مجلس النقابة، وفشل النساء المترشحات، كما حصل في الدورتين الأخيرتين، سيطرة ذكورية خالصة على هذه المهنة المرتبطة بالعدالة، ونظرة "دونية" للمرأة، في عمل من المفترض فيه النظر بمساواة بين عموم المواطنين.

 

المحامية نداء الممارسة للمهنة منذ سبع سنين، عندما تعرضت لسوء معاملة في احد مخافر الشرطة لم تقدم شكواها للنقابة لأنها، كما تقول، لا تثق بلجنة المرأة في النقابة. "فهي غير مفعلة، وهناك تقصير نقابي كبير على الرغم من ان هناك محاميات جيدات، وهناك مؤتمرات تناقش موضوع التمييز إلا انك بالنهاية تحاربين مجتمع يحمل فكرة غير جيدة تجاه المرأة".

 

ليلى لا تتفق مع نداء في إيقاع اللوم على النقابة في موقفها السلبي من المرأة، وترى أن المحامية نفسها تتحمل المسؤولية. "المحاميات يركزن على عملهن، بدلا من العمل النقابي. صحيح أن النقابة لم توفر لنا الأماكن والأوقات المناسبة لنجتمع، لكن النقابة فعليا ليست مقصّرة بقدر تقصير المحاميات اللواتي لا يتفاعلن مع العمل النقابي".

 

والحال ليس افضل في نقابة الصحفيين، ففيما كشفت دراسة أعدتها الصحفية خلود خطاطبة أن نسبة النساء العاملات في الوسط الصحفي والإعلامي في القطاعين العام والخاص وصلت إلى 20,4% في عام 2008، 17% في القطاع العام و23,7 في الخاص، وبلغ عدد العاملين في هذا القطاع 900 مناصفة بين العام والخاص.

 

فقد بلغ عدد الصحفيات المدرجات في سجلات نقابة الصحفيين الأردنيين 123 صحفية من أصل 702 من مجمل أعضاء الهيئة العامة، أي بنسبة 17,5%. لكن هذه الزيادة في عدد الصحفيات لم تعكس نفسها في مجلس النقابة اذ تمكنت صحفية واحدة  من الفوز في عضوية كل من مجلسي النقابة الأخيرين المكون من 11 عضوا.

 

بيد ان الوضع في مجلس نقابة الممرضين اسوأ كثيرا بالنسبة لوضع المرأة، ففيما بقيت مهنة التمريض لسنوات طويلة محصورة في النساء عموما حتى التصقت بهن رغم دخول الرجل متأخرا الى المهنة وفي حين بقي قطاع القبالة القانونية حكرا على المرأة فان واقع المجلس مغاير تماما.

 

تشير إحصاءات وزارة الصحة الى ان عدد العاملين في قطاع التمريض والقبالة القانونية، وصل في عام 2005 الى نحو 17428، اغلبهم من الإناث، وينتمي 13430 منهم لنقابة الممرضين والممرضات والقابلات القانونيات. لكن الممرضات يشكلن أقلية في مجلس النقابة الذي يرأسه رجل. يضم مجلس نقابة الممرضين والممرضات والقابلات القانونيات المكون من احد عشر عضوا ثلاث نساء فقط.

 

هل يعني هذا عزوف النساء عن العمل العام؟ واذا كان هذا صحيحا فما هو السبب؟

تقول الممرضة لطيفة ان السبب ناجم عن ان المرأة لا تمتلك الوقت الكافي للعمل العام حيث تجد نفسها موزعة بين عملها وبين الاهتمام بالبيت، وهو امر لا يعانيه الرجل الذي يمتلك كل الوقت للتفرغ للعمل العام، مضيفة ان  نظرة المجتمع وشروط الأهل والزوج تحد دائما من إمكانية المرأة ومدى إقبالها على العمل العام.

 

أما نقابة المهندسين فبلغ عدد أعضائها 71000 الف حتى نهاية 2007. (بواقع مهندس لكن 100 مواطن تقريباً) وتتزايد العضوية بواقع 4500 – 5000 سنوياً. والحال هذه فان نقابة المهندسين تعتبر من اكبر النقابات المهنية قاطبة، ويتمتع اعضاؤها من الذكور بامتيازات كثيرة في العمل والرواتب وتشكيل المجالس واللجان ما لا تتمتع به المهندسة المرأة بنفس القدر. فهي لا تعطى حقها في راتب متساوي مع زميلها حتى لو قدمت نفس العمل. كما لا يضم مجلس النقابة أي مهندسة اطلاقا.

 

اما لجنة المهندسات في النقابة فهي رغم الاشادة بها من عدد من المهندسات اللواتي استطلعنا آراءهن لكن هذا لا يعفي من تسجيل الكثير من الملاحظات السلبية المتعلقة بقصور أداء النقابة في الدفاع عن المهندسات. هل هنالك من تفسير لسيطرة الذكور على مجلس النقابة منذ تأسيسها وحتى الآن؟

المهندسة سحر اذ لا تقلل من أهمية وايجابية دور النقابة، تقول: "أنا استفيد من صناديق الادخار والتقاعد في النقابة". لكنها تأخذ على النقابة عدم الدعم الكافي. "لا اشعر أننا نلاقي الدعم المنشود، فمرة دعونا ليدرسوا مشاكل قطاع الهندسة وكيف يعملوا مع الكوادر، لكنهم في الحقيقة يعملون في امور ليس من داع ان يعملوا فيها ويتركون الامور المهنية، لكنهم كإدارة أجدهم ممتازين فانا أتعامل معهم كثيرا لكن يستطيعون العمل اكثر على المهنة".

 

وتشكل العاملات في البنوك ما نسبته 40% من حجم العمالة في القطاع، فيما يشكلن نصف أعضاء الهيئة العامة لنقابة المصارف، ولهن ثلاثة مقاعد في جمعية البنوك الأردنية من أصل 10 أعضاء، وهو رقم جيد إذ أن عضوية الجمعية تقتصر على مدراء "البنوك". لكن الامر مختلف مع مجلس نقابة المصارف اذ لا تتمثل المرأة الا بعضو واحد من بين 11 عضوا.

 

ناديا الشاويش، المرأة الوحيدة في الهيئة الإدارية للنقابة، مضى على عضويتها اكثر من عام ترى ان المرأة العاملة في القطاع لا تلجأ للنقابة والعمل العام، فهي لم تر خلال مدة وجودها في المجلس إمرأة واحدة تشتكي إلى النقابة تمييزا ضدها في العمل، رغم أن النقابة أنشأت لجنة مكونة من ثمان نساء. "الأصل أن ينتسبن إلى نقابة المصارف، ويشتكين من أي إجراء خاطئ بحقهن في مؤسساتهن، وعندها نستطيع أن نساندهن".

 

وتلفت الشاويش إلى عدم وجود أية مؤسسة بنكية تلتزم ببند إنشاء حضانة لأبناء الأمهات العاملات. "صحيح أن هذا حق منصوص عليه في القانون، لكنه لا يفرض على المؤسسات، نصف من يعمل في البنوك هن نساء ومجموعة كبيرة منهن متزوجات، لكنهن لا يأتين حتى للنقابة".

وقد أعدت لجنة المرأة في نقابة المصارف، والتي تجتمع كل أسبوعين، استبيانا يستطلع أولويات النساء العاملات في قطاع المصارف ورأيهن في عضوية وخدمات النقابة. "سألنا النساء في الاستبيان إن كانت تريد الانتظام في النقابة لتحقيق شيء من الحقوق التي تبحث عنها، كالتركيز على ساعات العمل وضمان رعاية الأطفال والاحترام في العمل ومنع التحرش أو العنف، إضافة الى ضمان التقاعد والتأمين الصحي والتكافؤ الوظيفي من رواتب مجزية ومكافآت وامتيازات وغيره من تطوير المهنة والتدريب والصحة والسلامة وإجازة الولادة والأمومة".

هذا بالإضافة إلى السؤال عن أسباب عدم انخراط المرأة في النقابة: "هل هي أسباب ثقافية دينية أو بسبب تحفظ الزوج والمسؤوليات العائلية وعدم توفر الوقت أو حتى الخوف من نقمة صاحب العمل من انخراط المرأة في العمل، وهل هناك صورة سلبية عن النقابة في ذهن المرأة أو سيطرة الذكور على النقابة تجعلها لا تثق فيها أو تقصير منا".

في المقابل هناك من يرى ان وجود  نصف اعضاء الهيئة العامة لنقابة العاملين في المصارف من النساء يعكس ايضا مدى اهتمام المرأة بتحصيل حقوقها ووعيها بذاتها والتمييز الواقع عليها.

وترى كارمن الموظفة في احد البنوك ان هذا التواجد حقق مكاسب عديدة للمرأة. "اذا كان هناك من تغيير ايجابي قد حصل على صعيد حقوق العاملات في البنوك فهو حصل بفعل كفاح المرأة اساسا. ومن المعروف ان نقابة المصارف هي من انشط النقابات". وكارمن نفسها حالة ايجابية في التعامل مع حقوقها، حين طالبت ادارة البنك بساعة الرضاعة وحصلت عليه.

على أي حال، فان ما حققته المرأة من الدخول الى سوق العمل بشدة ومزاحمة الرجل في بعض القطاعات بقي اختراقا عديدا لم يعكس نفسه على صعيد تواجدها في مجالس النقابات المهنية كافة.