عندما تقع دائرة مكافحة المخدرات في الخطأ
سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان
لأفراد دائرة مكافحة المخدرات أخطاء يرتكبونها خلال أداء عملهم تتسبب أحيانا في إسقاط أحد أركان الجرم المسند للمشتبه به في الاتجار بالمخدرات، مما يضعف عرض المدعي العام وبالتالي تخفيض العقوبة أو حتى التبرئة أمام القضاء، وفقا للمحامي إبراهيم الطهراوي.
وتكمن خطورة هذه الأخطاء، بالنسبة للطهراوي، في أن "من ينجو من فعلته في المرة الأولى يكتسب خبرة في التعامل مع ملاحقة دائرة مكافحة المخدرات ويزداد خطورة على المجتمع وتصبح مهمة القبض عليه أصعب".
ومن أخطاء الدائرة الأكثر تكرارا "الاستعجال في ضبط المشتبه به في الاتجار بالمخدرات"، يبين الطهراوي. فبعد رصد أفراد الدائرة للإيقاع بالمشتبه به الذي يحضر للتفاوض على بيع كمية من المواد المخدرة، يتم إلقاء القبض عليه مباشرة وضبط المواد المخدرة بحيازته، قبل أن يقوم المشتبه بتجارة المخدرات بتسليم المادة المخدرة وقبض ثمنها. وبذلك لا تكتمل أركان جرم الاتجار الذي تصله عقوبته إلى السجن لمدة سبع سنوات ونصف، وإنما يحاكم المشتبه به على جرم حيازة المخدرات وعقوبتها لا تتراوح بين ثلاثة شهور والسنة كأقصى حد.
خطأ شائع آخر بين أفراد دائرة مكافحة المخدرات، يوضحه الطهراوي، وهو عدم الدقة في إعداد محضر إلقاء القبض على المشتبه به، وفقا أصول ومتطلبات المادة 100 من قانون الاصول الجزائية، مشيرا إلى أن الدائرة، ولتجنب مثل هذا الخطأ، أعدت نماذج جاهزة لتعبئة محضر إلقاء القبض وفقا للأصول القانونية. "إلا أن العديد من محاضر التفتيش التي يعدها افراد الضابطة العدلية، وهم أفراد مكافحة المخدرات، لا تستوفي الشروط القانونية، مثل التفتيش بدون إذن وانتداب المدعي العام المختص، وهو مدعي عام محكمة أمن الدولة"، يقول المحامي.
أما غالبية مخالفات أفراد دائرة مكافحة المخدرات فتقع أثناء التحقيق مع المشتبه بهم. "تتضمن بعض القضايا تقارير طبية صادرة عن المركز الوطني للطب الشرعي، تظهر تعرض المشتبه بهم للضرب والتعذيب، رغم إنكار إدارة مكافحة المخدرات لمثل هذه الممارسات. وهو ما يدلل على وجود إكراه على الإدلاء بأقوال لا يرغب المشتبه به بالإدلاء بها، وحتى اعترافات في منتهى الاهمية لاكتمال اوراق القضية. إلا أن هذه الاعترافات لا تأخذ المحكمة بها كونها تمت تحت تأثير الضغط أو الضرب والإكراه"، يقول الطهراوي.
ومثال آخر على مخالفات أفراد الدائرة، يورده الطهراوي، "أسلوب التحقيق المتبع في الإدارة المخالف للأصول والقانون والحدود المسموحة بها. فبدلا من ضبط الأقوال يقوم أفراد الدائرة بالاستجواب والتحقيق التي هي من صلاحيات المدعي العام. هذا بالإضافة إلى بعض المخالفات التي تقع خلال إعداد الضبوط الأخرى، مثل ضبط التعرف وطابور التشخيص التي لا يزال أفراد المكافحة يمارسونها بدون إذن من المدعي العام وهي من صلاحياته، وليست من صلاحيات الضابطة العدلية".
وتؤدي هذه المخالفات إلى بطلان ضبوط دائرة مكافحة المخدرات، وبالتالي إنهيار بينة النيابة. "يشترط القانون أن تكون البينات متساندة بعضها مع بعض لغايات إنزال العقوبة، مما يؤدي إلى براءة المتهمين في العديد من القضايا رغم اعترافهم بارتكاب الجرم أمام أفراد الضابطة العدلية"، يقول المحامي الطهراوي.
إلا أن أبرز المخالفات التي يرتكبها أفراد الدائرة هي "المخالفات الدستورية". ومن الأمثلة التي يوردها الطهراوي في هذا الخصوص احتجاز زوجة احد المشتبه بهم لخمسة أيام دون سبب سوى لإجبار الزوج على الاعتراف، وبعد أن اعترف بارتكاب الجرم وحول إلى المدعي العام ثبت أمام محكمة أمن الدولة أن اعترافه كان تحديد التهديد نتيجة احتجاز زوجته وأنه أدلى بأقواله لإطلاق سراح زوجته التي ترعى طفله البالغ سنة ونصف. وبذلك قررت المحكمة عدم مسؤليته عن الجرم المسند إليه.
كما يشير المحامي إلى قضايا قام فيها أفراد من الدائرة بضبط هاتف خاص بأحد المشتبه بهم والتنصت على مكالماته الهاتفية، أو الرد على المتصلين وانتحال صفة المشتبه بهم بالاتجار في المخدرات لضبط المتعاطين أو المتصلين بالتاجر.
وفي أحيان أخرى يمنع ضباط المكافحة محامي المشتبه به من حضور التحقيق قبل إحالته للمدعي العام، ويمنعونه أيضا من الاتصال بذويه أو مقابلة أي شخص. "هذا بالرغم من لقاء نقيب المحامين مع مدير الامن العام الذي وعد بعدم تعطيل هذا النص والسماح للمحامي بالتواجد في المراكز الامنية اثناء التحري والبحث الأولي، إلا انه ولغاية اليوم ما يزال أفراد المكافحة يمنعون ذلك"، يقول الطهراوي.
"كل هذا يخالف المادة السابعة من الدستور الأردني التي تصون الحريات والمراسلات"، يقول الطهراوي، مضيفا أن "المجتمع ليس خصما للمجرم وانما خصما للجريمة، فحتى من يرتكب جرما ما لا تسقط حقوقه التي ضمنها الدستور، ومنها احترام الإنسان والمحافظة على كافة الحقوق التي كفلها الدستور والقانون. وتعطيل أي من هذه الحقوق يعد مخالفة يترتب عليها بطلان اجراءات الضابطة العدلية، وبالتالي حرمان المجتمع من حقه في المعاقبة المجرم على جريمته وإصلاحه".