ضعف تنفيذ التدابير الأردنية لحماية العمال المهاجرين يعيق انصافهم

-وثائقيات حقوق الإنسان- محمد فريج

قال مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في تقرير صدر اليوم أنه رغم ان الاردن من اوائل الدول في المنطقة التي سنت تشريعات لحماية حقوق العمال المهاجرين،وتكاد تكون الدولة الوحيدة التي ادرجت عاملات المنازل ضمن قانون العمل،الا ان عدم تطبيق هذه القوانين والتشريعات افقدها قيمتها.

تقرير مطرقة إساءات أصحاب العمل وسندان الممارسات " ..الذي صدر اليوم يرصد اوضاع عاملات المنازل والعمال المصريين في الأردن خلال الفترة من بداية عام 2011 حتى النصف الاول من العام الجاري، حيث رصد التقرير العديد من الانتهاكات التي يتعرض لها بعض العمال المهاجرين في الأردن مثل حجز جوازات سفرهم و أجورهم، والظروف المعيشية الصعبة ،مثل النوم في اماكن غير لائقة وضغط وطول ساعات العمل،والحرمان من الحق في الراحة الأسبوعية، بالإضافة إلى سوء معاملة أصحاب العمل.

اعتمد المركز في اعداد التقرير على الحالات التي تابعها ،ورصد الإجراءات المتبعة في معالجة هذه الحالات،والمقابلات واللقاءات والمناقشات التي تمت خلال عام 2011 والنصف الأول من عام 2012 بين فريق عمل المركز وعدد من المسئولين وأصحاب العمل، حيث تابع المركز خلال الفترة المذكورة نحو(922) حالة لعمال مهاجرين من العمال من مختلف الجنسيات في مختلف القطاعات، منها( 747) حالة لعاملات منازل،(29) حالة فردية و(8) حالات جماعية لعمال من المناطق الصناعية المؤهلة، بالإضافة إلى 138 حالة لعمال من الجنسية المصرية.

انتقد التقرير حصر اصدار اذن الاقامة وتصريح العمل بيد صاحب العمل، لانه بحال اهمال او امتناع صاحب العمل عن القيام بهذه الالتزامات فان العامل المهاجر هو من تترتب عليه الغرامات، وهو من تقع عليه العقوبة ويكون معرضا للتوقيف بسبب مخالفته لأحكام قانون الإقامة وشئون الأجانب، وكأن القانون رتب مخالفة على العامل بالتزام هو على عاتق صاحب العمل ،ما يعزز ممارسة نظام "الكفالة"الذي يعد من صور العبودية،رغم عدم ورود ما يدل على وجود نظام الكفالة في التشريعات الاردنية.

أما العاملين في المنازل والذي بلغ عدد الحاصلين على تصاريح عمل منهم عام 2011 نحو( 43593)،بخلاف العمال غير المسجلين، فلازالت معاناتهم مستمرة حيث يعاني العديد منهم من الحرمان من الرعاية الصحية وقد تعرض بعضهم للسقوط من الشرفات العالية أثناء تنظيفها،في ظل عدم توفر شروط الصحة والسلامة المهنية.

وبلغت حالات الوفاة بين العاملات السريلانكيات عام 2011 إلى (19) حالة بينهن (6) حالات انتحار، كما بلغت عدد الوفيات بين العاملات الإندونيسيات( 22)حالة بالإضافة إلى( 68)إصابة عمل.

ومن بين (747)عاملة منزل تابع مركز تمكين حالاتهن ،اشتكت (530 )منهن من حجز جوازات سفرهن من قبل مكاتب الاستقدام أو أصحاب العمل، وعدد منهن قد حصلن على جوازات سفرهن، بعد دفع مبلغ من المال لأصحاب مكاتب الاستقدام أو أصحاب العمل، ما يعد مخالفة لنص المادة (18) من قانون جوازات السفر رقم 3 لسنة 2002، و مخالفة لنص المادة (222) من قانون العقوبات الأردني. كما كان هناك 465 منهن تم حجز أجورهن بشكل جزئي أو كلي.ورغم صدور قرار من وزير العمل بفتح حساب بنكي للعاملة، إلا أن أصحاب العمل يتعاملون مع هذا القرار كمتطلب لاستصدار تصريح العمل فقط.

ويحسب لوزارة العمل التعديل الذي أجري على نظام العاملين في المنازل بتاريخ 13/9/2011 بإلغاء الفقرة التي تنص على ضرورة أخذ موافقة صاحب العمل للخروج من المنزل والاستعاضة عنها بإعلام صاحب العمل قبل ترك المنزل أو مغادرته، ولكن يجب اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل هذا النظام، حيث لازالت عاملات المنازل يعانين من احتجاز حرياتهن، ولكن يؤخذ على الوزارة حصرها استقدام واستخدام العمالة المنزلية من خلال مكاتب الاستقدام والاستخدام،التي يتعامل بعضها مع عاملات المنازل كسلعة وبمنطق الربح والخسارة،حيث تقوم بعض المكاتب التي يفوضها صاحب العمل بتسوية أمور العاملة وتسفيرها،بالاستيلاء على ما قام صاحب العمل بدفعه، واستغلال العاملة وإجبارها على العمل بشكل يومي.

كما استهجن التقرير استثناء العمال المهاجرين من الحد الادنى للاجور الذي رفعته الحكومة ليصبح 190 دينارا بدلا من 150 دينارا، وكذلك تعليمات تنظيم الدخول والخروج والإجازات والعودة للعمال المصريين الحاصلين على تصريح عمل في المملكة ،حيث نصت على شرط حصول العمال على موافقة صاحب العمل للمغادرة في حالة الإجازات والخروج والعودة، كما نصت على اجراء مخالصة بين العامل وصاحب العمل في حالة المغادرة النهائية،ما أوقع العمال ضحايا لابتزاز أصحاب العمل.

وقد قال الخبير الحقوقي المحامي طالب السقاف " ينبغي على الحكومة الأردنية أن تعزز حماية حقوق العمال المهاجرين، والأخذ بعين الإعتبار مقدار مساهمتهم في الناتج القومي والكف عن اعتبارهم عالة على الأردن".

يعمل في الأردن نحو (280275) عاملا مهاجرا من الحاصلين على تصاريح عمل ويمثلون نحو20% من حجم القوى العاملة في الأردن ،هذا بخلاف عدد العمال غير الحاصلين على تصاريح العمل، الذين لا يقل عددهم عن( 200000) ، منهم ما يقارب 135000 عامل مصري، وعليه فإن العمالة المهاجرة في الأردن قد تمثل ما يقارب 40% من نسبة حجم القوى العاملة.

. ويبين التقرير ان نظام استقدام العمال المصريين الذين يمثلون نسبة 68% من العمال المهاجرين في الأردن يولد بيئة محفزة للاستغلال،حيث تشوب طرق الاستقدام الكثير من الثغرات، ما فتح الباب أمام السماسرة لجني ملايين الدنانير من تجارة العقود، وخاصة في تصاريح العمل للقطاع الزراعي بسبب سهولة الحصول على تصاريح العمل في هذا القطاع للشروط التفضيلية التي يتمتع بها هذا القطاع، وانخفاض رسوم تصاريح العمل مقارنة مع القطاعات الأخرى.

تبلغ تكاليف فرصة عمل واحدة لعامل مصري مهاجر إلى الأردن نحو( 849,5 ) دينارا أردنيا أي ما يعادل (1200) دولارا أمريكيا، بما فيها تكاليف تصريح العمل وقيمة السند التأميني الذي غالبا ما لايستطيع العامل استرجاعه بسبب تباطؤ صاحب العمل في استصدار تصريح العمل، هذا بخلاف ما يتكبده العامل قبل الوصول إلى الأردن، وفي حال تدخل سماسرة، تتضاعف هذه القيمة،ما يدفع العامل إلى ترك مكان العمل بحثا عن دخل أعلى، وقديؤدي به للعمل في أكثر من مهنة،وبساعات عمل تتجاوز 18 ساعة في اليوم لجني المال.

يعاني بعض العمال المصريين من ضياع حقوقهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث تشترط القوانين على العامل المهاجر استخراج تصريح عمل جديد إذا أنقضى على انتهاء تصريح عمله مدة 90 يوماٌ بدون سفر العامل إلى بلاده، وذلك لغايات صرف مستحقاته، وقد يؤدي تعنت العديد من أصحاب العمل في تسليم جوازات السفر للعمال عند انتهاء تصاريح العمل بدعوات وحجج كثيرة إلى مضي مدة ال90 يوما،كما اشترط ت القوانين على غير الحاصل على تصريح عمل سابق أن يسدد قيمة تصريح العمل بأثر رجعي عن كامل مدة اشتراكه في الضمان الاجتماعي.

وقد بلغت عدد إصابات العمل للعمال المصريين عام 2011, ( 17365 ) إصابة عمل، تراوحت نسبة العجز الناتج عن الإصابة بين 10% و80%، وأكثر من 20% منها بتر في الأطراف،في حين يبلغ معدل عدد الوفيات الناتجة عن إصابات العمل (146)حالة سنوياً. وسجلت أكبر نسبة من إصابات العمل والوفيات الناتجة عنها في قطاع الإنشاءات بنسبة (41،8%)، يليه قطاع الكيماويات، حيث يسبب استنشاق الغازات السامة المنبعثة عجزا بنسبة 81%.

كما انتقد التقرير عدم صدور نظام العاملين في الزراعة، مما قلل من قيمة ضمهم لقانون العمل، والذي ربط انضمامهم بنظام.

أشار التقرير إلى بعض العقبات التي تعيق الحق في التقاضي، مثل طول امد التقاضي ،حيث أن جل العمال المهاجرين يغادر الأردن قبل إنصافه وتعويضه بسبب الممارسات الروتينية للسلطات العامة التي تبعدهم وتسفرهم و تحرمهم من الاستمرار في الإقامة لحين حصولهم على مستحقاتهم وتعويض مناسب وعادل عن الأضرار التي لحقت بهم. كما أن وجوب وجود محام في القضايا التي تزيد قيمتها عن (1000) دينار يشكل عقبة أمام العمال، فلا يكون بمقدورهم التعاقد مع محامين لأسباب مالية، بالإضافة إلى أن سقوط الحق في الأجور العمالية بمرور سنتين وسقوط المطالبة بالتعويض عن الضرر بمرور ثلاث سنوات يعد عقبة أمام عاملات المنازل اللواتي يتم تقييد حريتهن واحتجازهن في المنازل،فضلا عن أن نقص المترجمين والمعلومات من أهم معيقات الوصول إلى العدالة.

وتطرق التقرير إلى لجوء بعض اصحاب العمل الى تهديد العمال بحبسهم إذا طالبوا بحقوقهم, وذلك بلجوء بعض أصحاب العمل إلى تسجيل شكاوى سرقة ضد العمال،التي يتبين بعد التحقيق فيها انها شكاوى ليس لها أساس من الصحة وتتم تبرئتهم منها.

انتقدت مديرة مركز تمكين لندا الكلش اتساع ظاهرة احتجاز العمال المهاجرين بصورة تعسفية، وحرمانهم من حرياتهم دون أي مسوغ قانوني أو شرعي، وقالت "لقد دأبت المراكز الأمنية على احتجاز أي عامل مهاجر يقوم صاحب العمل الذي كان يعمل لدية بإخطارها بقيام العامل بترك العمل لديه وانقطاعه عن التردد على مكان العمل،مما ينطوي على حرمان تعسفي غير قانوني من الحرية لان ترك العمل من قبل العامل قبل انقضاء المدة المتفق عليها لا يشكل جرما ولا يستوجب احتجاز فاعله" . وأضافت أنه "رغم صدور تعليمات من مدير الأمن العام في نهاية عام 2011توضح الاجراءات الواجب اتخاذها بحال توقيف عمال ابلغ عن تغيبهم، إلا أن العاملين في المراكز الأمنية يمتنعون عن تنفيذها. و يصرون على ممارساتهم التعسفية دون أي مسوغ قانوني في الوقت الذي يطرح الأمن العام ذاته كشريك للمجتمع المدني في حماية حقوق العمال المهاجرين وإنصافهم."

وقال التقرير ان شبح الإبعاد اصبح سيفاً مسلطاً على رقاب العمال المهاجرين باختلاف جنسياتهم،كون قرار الإبعاد يصدر بشكل تلقائي وروتيني وسريع، إذ يتم التنسيب بإبعاد أي عامل مهاجر يتم توقيفه من قبل الجهات المعنية، ولا يعطى من صدر بحقه الإبعاد الوقت الكافي للتظلم.

إن التشريعات الأردنية لازالت قاصرة إزاء العمل الجبري، فهي لا تتضمن نصوصا فعالة لمكافحته وإنصاف ضحاياه. وما زال القضاء الأردني يتعامل مع قضايا العمل الجبري كقضايا عمالية وليس كقضايا جزائية تندرج ضمن قضايا الاتجار بالبشر.

وقدم التقرير تحليلا للاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالبشر،منتقدا عدم انجاز اكثر من 25% من بنودها ومحاورها رغم مرور سنتين ونصف على اطلاقها، ورغم أنها شارفت على الإنتهاء بنهاية عام 2012، حيث لم تجر اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أية مراجعة أو تقييم للنصوص القانونية النافذة من أجل التأكد من ملاءمتها أو تعارضها مع قانون منع الاتجار بالبشر فلا يوجد مواد تحمي الضحايا مثل اصدار اقامة مؤقتة وتصريح عمل، مما يعد نقصا كبيرا في حماية الضحايا.

كما أكد التقرير على وجود إشكالية في التعرف على الضحايا وتحديدهم، مبينا أن موظفي الهجرة ووزارة الصحة يقومون بعملهم بشكل آلي.حيث تم السماح لعدد كبير من عاملات المنازل القاصرات الدخول الى المملكة دون ان يلفت ذلك نظر الموظفين. وانتقد التقريرعدم فعالية الفريق الوطني الميداني الذي انشأته اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر للتحقق من شبهة الاتجار بالبشر،فضلا عن عدم انشاء دار لايواء ضحايا الاتجار بالبشر والعمال في نزاع مع القانون.

واكد التقرير عدم وجود وحدة مكافحة الاتجار بالبشر حتى الان رغم تخصيص مبلغ (600 )الف دينار على مدى ثلاث سنوات ابتداءا من عام 2011 ضمن ميزانية وزارة العمل،وما هو موجود فعليا قسم مكافحة الاتجار بالبشر في مديرية الأمن العام لكن يعيبه عدم وجود كوادر نسائية بشكل كاف، وخاصة فيما يخص مقابلة الضحايا.

احتوى التقرير على (21) توصية اهمها المطالبة بالزام صاحب العمل بفتح حساب بنكي للعامل المهاجر على ان يتم ربط الحساب بالبنك المركزي.مع التأكيد على ضرورة إنشاء صندوق تسليف من أجل تسديد الأجور المستحقة أو المقضي بها وكذلك غرامات مخالفة فانون الإقامة وبطاقات السفر في حالة إفلاس أو إعسار أو امتناع صاحب العمل عن دفعها،

وشدد التقرير على اهمية إنشاء مأوى مناسب للعمال والعاملات ضحايا الاتجار بالبشر وغيرها من صور الانتهاكات وحالات النزاع مع القانون، ومنحهم تصاريح عمل وأذون إقامة مؤقتين حتى الفصل في قضاياهم.

واوصى التقرير بمراجعة قانون منع الاتجار بالبشر لضمان انسجامه مع المعايير الدولية من جهة،وتوفير الحماية لضحايا الاتجار بالبشر وضمان حصولهم على الخدمات الطبية والاجتماعية والتأهيلية والقانونية، مع ضرورة إجراء التحقيق الفوري والفعال في جميع الإدعاءات المتعلقة بالاتجار بالبشر، وملاحقة الجناة، ومعاقبتهم بعقوبات تتناسب مع جريمتهم.

 

ودعا الى عدم إبعاد وترحيل أي عامل إلا بقرار قضائي، وعدم اللجوء إلى (حجز الحرية/التوقيف الإداري) أثناء إجراءات الإبعاد أو تصويب الأوضاع أو بسبب مخالفة قانون الإقامة.و قبول كفالة ممثل السفارة للعامل المهاجر وعدم ربطها بكفيل أردني للحد من التوقيف.

ولفت الى اهمية وضع تشريع عملي يجرم الأعمال القسرية في اطار التشريعات الجزائية، وبناء قدرات القضاة في محاكم الصلح من المختصين بالنظر في المطالبات العمالية على اكتشاف ما يدخل ضمن العمل القسري ووضع الآلية لإحالة الدعوى إلى الجهة المختصة.

 

واكد على اهمية مراجعة كافة الأنظمة والتعليمات ومواءمتها مع الاتفاقيات الدولية، وإلغاء كافة الممارسات التي تكرس نظام الكفالة، والعمل على إصدار تصريح العمل وإذن الإقامة باسم العامل /ة دون ربطه باسم صاحب العمل، بحيث لا يتم دفع رسوم تصريح عمل جديدة في حالة تغيير صاحب العمل خلال السنة.

 

وطالب بتوفير المترجمين في جميع المؤسسات التي على صلة مباشرة بالعمال المهاجرين، وعلى رأسها أماكن تلقي الشكاوى والمحاكم.

 

واقترح التقرير إنشاء مؤسسات خاصة تقوم بتشغيل عاملات المنازل بدوام جزئي دون ضرورة المبيت داخل منزل صاحب العمل على أن تكون هذه المؤسسات مسئولة قانونيا أمام الجهات المختصة. ومراقبة من مفتشي وزارة العمل.

ولم ينس التقرير التشديد على ضرورة مراقبة الكلفة التي تفرضها مكاتب الاستقدام على أصحاب العمل،بما ان وزارة العمل حصرت استقدام العاملات بواسطة مكاتب الاستقدام،وبذلك يجب وضع آلية يتم بموجبها إلزام مكاتب الاستقدام بتعويض صاحب العمل، في حالة رفض العاملة العمل دون أن يكون صاحب العمل هو المتسبب بذلك.

وطالب التقرير الدول المرسلة للعمالة بتأهيل العمال وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم،واعتماد وكالات تشغيل موثوقة، واحتفاظ سفارات الدول المرسلة بالمعلومات الكاملة عن مواطنيهم.

أضف تعليقك