سوريون يواجهون موتا أصفر داخل مخيم الزعتري

الرابط المختصر

*اكتظاظ على مكاتب المفوضية والارباك سيد الموقف

*خيام لا تقي من الشمس والأتربة العائق الأكبر

*رغم الإغاثة إلا أن الأحوال الجوية تزيد معاناة اللاجئين

*مطالبات حقوقية بترحيل المخيم عن الزعتري

وثائقيات حقوق الإنسان – المفرق -الزعتري- محمد شما

"كثيرة هي اللحظات التي أندم فيها على هروبي من درعا لجوءً إلى مخيم الزعتري في الأردن. قليلة هي اللحظات التي اشعر فيها بأمان في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة داخل هذا المخيم اللاإنساني".

يقول الشاب عمار أحد لاجئي مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي يأوي حاليا أكثر من ٦ آلاف لاجئ حتى اللحظة.

الزعتري والذي افتتحه الأردن قبل أكثر من شهر أمام موجات لجوء السوريين والذي رحل كثيرا منهم من امكان سكن البشابشة في الرمثا والملعب البلدي وإيقاف نظام الكفالة الذي كان يشكل لهم متنفسا.

جلنا في جزء من هذا المخيم ذي المساحة الشاسعة على أرض صحراوية تقع ضمن حدود المفرق. بنظرة أفقية لا تستطيع النظر لأكثر من ١٠٠ متر أماما بفعل الأتربة، ليبدو المشهد خاويا من اللاجئين الذين إما تجمهروا في خيمة كبيرة عند مدخل المخيم انتظارا لإصدار بطاقة لجوء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو عند موقع خدمة مياه الشرب والتغسيل.

هربنا من الدلف لنلجأ تحت المزراب

بعيون حمراء ووجوه صفراء بفعل الزوابع الرملية، تقف عائلة عبدالله أحد سكان مدينة درعا قبالة خيمتها لا تقوى على استمرار المبيت داخل الخيمة، "لا شيء يشجعني على الكلام، لا حول لنا ولا قوة"، قالها فاسحا المجال لزوجته أمل لتقول لنا “التراب أتعبنا كثيرا وضاعف من معاناة أطفالنا، وإذا سألتني عن الخدمات فهي جيدة ومؤمنة لكن ما فائدتها في ظل البيئة السيئة التي نعانيها".

لجأت العائلة منذ أسبوع إلى المخيم هربا من القتل في مدينتهم درعا، وهذا الهروب كان حفاظا على كرامتهم غير أن السيدة أمل لا ترى وجودهم في الزعتري بالكرامة.

رغم مد المخيم بخدمات مقدمة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والدعم الصحي من قبل عيادات ميدانية تابعة للجيش المغربي والقوات المسلحة الفرنسية إلا أن كثيرا من اللاجئين لا يرونها بالمجدية طالما أن أرض المخيم تشكل بيئة خصبة لأمراض الربو والالتهابات الصدرية وخصوصا على الأطفال الصغار.

تنقلنا بين عدة خيام كانت خاوية من اللاجئين إلى أن وجدنا خيمة مكشوفة للمارة، يجلس على أرضيتها اللاجئ حمد الذي بدا لنا غير آبه بوجدنا، ذهبنا إليه للتحدث حول ظروف عيشته لكن أصر على عدم اهتمامه وبعد إصرارنا على الحديث معه قال: "الرمل أكثر شيء حاضر بيننا، لا كممات تقينا ولا أي شيء يدعونا للتفائل، أنظر إلى الأطفال ويمكنك الاكتفاء بذلك".

مياه

إلى موقع خدمة المياه، يتوافد لاجئون لأجل التغسيل اجسادهم وملابسهم من الأتربة المتراكمة بفعل الزوابع، ومن بينهم تحدثنا مع فادي الهارب من ريف دمشق، يقول: “التراب والغبرة شيء طبيعي في تلك المنطقة، وكنت متوقعا ذلك وسأحاول التأقلم مع هذا الوضع، فلا أملك خيارا سوى ذلك وبديلا مريحا عن الخوف من القتل".

ربما الأمنية لا تجدي نفعا كما يرى فادي لكنه قالها بلغة بائسة "فكرك بتهدى الأحوال في سورية لكي نعود اتمنى".

خيام طاردة

مؤيد واحدا من بين عشرات اللاجئين الذين ينتظرون دورا لإصدار بطاقة لاجئ في خيمة كبيرة على مدخل الزعتري، اقترب منا بعد أن ورد إلى مسامعه بأننا صحفيين وقال دون سؤال "انظروا إلى حالنا هل هذا إنساني الواقع، التراب على وجوهنا مترين هذه ليست عيشة ودرجة الحرارة تفوق الأربعين إلى أين نذهب".

"أكثر ما يؤلمني هو الأطفال الذين يعانون الأمرين في المخيم، فالرضع لا يقوون على أجواء الغبرة والأتربة هذه كلها ربو"، يقول مؤيد.

وسط تأييد لمطالب مؤيد يقول أكثر من لاجئ"المطلوب كفالة لنعيش خارج الزعتري نريد كرامتنا والعيش خارجه".

ويتدخل أحد اللاجئين بالقول "يا أخي نريد كهرباء نريد تلفزيون لنتابع أخبار سورية هل هذا كوكائين لكي يمنع عنا، نريد تلفزيون واحد مشترك لنتابعه جميعا الأوضاع هناك. قمنا بتجميع مبلغ لشراء تلفاز لكننا منعنا من ادخاله".

وفي الخدمة الصحية يسجل أحد اللاجئين شكوى من عدم خبرة بعض الأطباء ويقول عن تجربة واقعة حصلت أمامه "خريجون جدد من الجامعات يتجادلون فيما بينهم حول كمية الدواء للمريض، أنظر الطبيب لا يعلم" يقول بسخرية سوداء.

وسؤالنا عن الأوضاع داخل السكن كان مثار ضحك بالنسبة للاجئة أميرة من درعا والتي كانت متواجدة في الخيمة الكبيرة، تقول: "والله شو رأيك انت! بالنسبة لي أفضل الأفضل” تتحدث بسخرية ثم تابعت حديثها لنا "أوضاعنا أكثر من سيئة قولها للعالم، الشخص السليم يمرض فماذا عن المرضى، يا اخي ما نريده القليل من المحارم لتنظيف وجوهنا وأنوفنا من الأتربة هذا ما اريده".

مدير المخيم محمود العموش أكد أنهم يسعون إلى بسط كرفانات بديلة عن الخيام في محاولة لتهدئة اللاجئين الذين يشكون من مرارة الخيام وعدم موائمتها للأحوال الجوية، مستبعدا ترحيل مكان المخيم.

نتنفس رمل

خلال تجوالنا لحقتنا لاجئة مسنة اصطحبتنا إلى زوجة ابنها التي كانت ترضع حفيدها البالغ من العمر ١٥ يوما، "والله يا أمي خائفون من أن يموت، الأتربة والغبار تزيد من معاناته وهذا يهدد حياته، نحن لا نحتمل هذا الوضع فكيف الرضيع ساعدونا واخرجونا من المخيم".

بعيون حمراء بفعل الأتربة، تدخلت في الحديث السيدة أم محمد تحدثت بصراخ "لا نريد مياه أو طعام نريد اهتمام من المنظمات بنا كبني آدمين يا ليت بقينا تحت الحكم هناك أنظر إلى الأطفال، نتنفس رمل ولا شيء مؤمن لنا".

لاجئون قادمون من مناطق ومحافظات عدة (درعا، طافس، داعل وخربة حراك وريف دمشق) من مناطق متنوعة في همومها، ليتوحدوا في معاناة واحدة داخل الزعتري، هذا المخيم الذي أصبح محجا لجمعيات الإغاثة والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام الدولية.

تشهد مكاتب مفوضية الأمم المتحدة إقبالا من اللاجئين غير أن بطئ الاستقبال يزيد من معاناة اللاجئين وقد وقعت شجار بين أحد موظفي المفوضية ولاجئ فيما بقي الجميع ينتظر دوره حتى أن أغلقت المفوضية باب مكتبها لتتأجل طلبات اللاجئين إلى اليوم التالي.

احدى موظفات مكاتب المفوضية تؤكد لنا أنهم يستقبلون الكثير من اللاجئين ويصدورن هويات كثيرة غير أن الفوضى قد تقع على مكاتبهم "الكثير من اللاجئين يريدون إصدار هوياتهم حالا ونحن نعمل ضمن آلية وعلى الدور".

لكن أحد اللاجئين ساءه تعامل بعض الموظفين معه وقال بصوت عال أمام جمع غفير من اللاجئين "نريد القليل من الإنسانية لكي تتعاملوا معنا".

تستقبل العيادات الطبية الميدانية المقامة من قبل مملكة المغرب وفرنسا تستقبل اللاجئين المرضى الذين حملوا امراضا ربوية في جلها جراء الأحوال الجوية السائدة في منطقة الزعتري التي تعتبر ضمن محافظة المفرق.

يؤكد أطباء أنهم يوفرون مساحة من العلاجات للمرضى وتأمين طبي أكبر لمن يحتاجون إلى عمليات غير أنه لا توجد حالات سيئة تستدعي الطوارئ حتى اللحظة لمن هو مقيم في الزعتري.

رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع الأردن، عبد الكريم شريدة وبعد جولة قام بها في المخيم، يدعو رئيس الوزراء ووزير الداخلية إلى زيارة المخيم ويشاهدوا الواقع بأم عينهم.

واعتبر شريدة أن سكن الزعتري لا يتناسب وإنسانية البشر الذين يفرون من العنف الدائر في سورية، قائلا أن المنظمة لا تصمت عن ذلك وسوف تصدر بيانات تدعو فيها إلى ضرورة ترحيل مكان المخيم إلى منطقة أفضل من تلك.