انتشار السلاح في الأردن: قلق رسمي وشعبي وتقويض للقانون

-وثائقيات حقوق الإنسان- محمد شما كان الغضب الممتزج بالمرارة جليا في صوت مدير الأمن العام وهو يتحدث للصحفيين عقب أعمال الشغب التي عمت البلاد اثر قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات الشهر الماضي، واستخدمت فيها الأسلحة النارية بكثافة غير مسبوقة. وحسب ما قاله الفريق حسين المجالي، فقد تنوعت هذه الأسلحة بين "أسلحة أوتوماتيكية ورشاشات كلاشنيكوف وأسلحة فردية وبمبكشن (بنادق صيد)". وفي إحدى الحالات جرى استخدام قنبلة يدوية. وقد نجم عن هذا العنف وفاتان لمواطن وشرطي قضيا بالرصاص الذي أصاب أيضا عددا كبيرا من المدنيين ورجال الأمن. وان كانت أعمال الشغب تلك قد خبت سريعا، الا انها كانت كفيلة بتعزيز المخاوف الكامنة من مخاطر انتشار الاسلحة النارية بين ايدي المدنيين. وكانت هذه المخاوف قد تصاعدت خلال السنوات الماضية مع تزايد مظاهر استخدام الاسلحة النارية في المشاجرات العشائرية التي لم تكن تلبث ان تمتد الى الجامعات، لنشهد ما بات يعرف بظاهرة العنف الطلابي. كما ان نسب الجرائم والجنح التي تدوى خلالها اصوات الرصاص تزايدت ايضا، وذلك في مؤشر اخر على مدى انتشار الاسلحة النارية التي يبدو انها تتغذى على سوق سوداء باتت تشهد ازدهارا. ووفقا لتحقيق استقصائي نشر عام 2011، فان هناك نحو مليون قطعة سلاح في ايدي المدنيين، ثلثاها تقريبا غير مرخص. ثقافة السلاح أثناء إعداد هذا التقرير تبدى جليا ميل قطاع من المواطنين وتجار السلاح المرخصين، بل والحكومة ايضا، لأن تبقى قضية انتشار السلاح بعيدة عن دائرة الأضواء الإعلامية. كان من شأن ذلك أن واجه التقرير عقبات منها انسحاب صحفيين كانوا ضمن فريق اعداده، ورفض تجار اسلحة مرخصين التحدث حول هذه القضية، وطلب عدد ممن تحدثوا منهم عدم نشر لقاءاتنا معهم. على ان عددا من التجار والمواطنين ممن يقتنون اسلحة مرخصة لم يجدوا غضاضة في التحدث حول ما يصفونه بانه ثقافة اجتماعية مترسخة تنظر الى اقتناء السلاح باعتباره مصدر فخر ووجاهة قبل ان يكون وسيلة حماية. لا بل ان البعض ينظر الى السلاح من احد جوانبه بوصفه "متعة وهواية" كما هو الحال مع الأربعيني وائل ذياب الذي يقتني قطعتين مرخصتين من اسلحة الصيد. وحتى لا تبدو الصورة مخادعة، فان وائل لا يمارس الصيد، وبالتالي فان مسألة المتعة والهواية بالنسبة له هي في اقتناء السلاح بحد ذاته، والذي يقول انه يمده "بالراحة النفسية" فضلا عن انه يشعره "بالأمان والحماية". وفي الوقت الذي يقر فيه بان أجهرة الأمن هي المنوط بها حماية المواطنين، الا ان وائل يقول ان "الحماية الشخصية بالسلاح أمر ضروري لكون الأمن ليس متوفرا لي طوال الوقت، أو في حال ارتيادي لاماكن مختلفة". وكما يؤكد وائل الذي حصل على ترخيص السلاح عام 2008، فان “الإقبال على الأسلحة حاليا على أشده، من حيث أن كثيرا من المواطنين باتوا يشترون سلاح الصيد ليحموا أنفسهم”. وقد عززت إحصاءات للأمن العام مخاوف الكثيرين من انتشار الأسلحة بعدما أظهرت ارتفاعا ملموسا في إعداد الجرائم والجنح المرتكبة باستخدام سلاح ناري خلال عام 2011. وإذا كان وائل يبدي تخوفا فإن محمد شقديح يتحدث عن تجربة مرت بها عائلته في العام 2005، حيث فقدت عائلته شقيقهم بسبب اطلاقه الرصاص بشكل خاطئ من مسدس غير قانوني. “ققدناه ولا نلوم غير الانتشار غير القانوني للأسلحة"، يقول محمد الذي حث الحكومة إلى ضرورة التشديد على انتشار وبيع الأسلحة غير القانوني. لكن وائل يقلل من شأن هذه المخاوف، حيث يعتبر ان من يريد ارتكاب جريمة فسوف يفعل ذلك بسلاح أو بدونه. وهو اذن لا يرى مانعا من امتلاك جميع المواطنين لأسلحة. في موقف قريب، يعبر ريعان العدوان الذي التقيناه في محل للسلاح في وسط عمان بينما كان يشتري اكسسوارات لسلاحه، عن قناعته بان انتشار السلاح لا يشكل خطرا على المجتمع. وساق العدوان دليلا على قناعته هذه بإشارته الى ان السلاح منتشر بين أبناء العشائر، ولم يؤد ذلك إلى أي أمر خطير. وقال ان "العشيرة والمناطق التي نعيش فيها جزء من عاداتها وتقاليدها اقتناء السلاح، فعند الخروج من المنزل يجب أن يكون السلاح بحوزتي”. واضاف ان “ثقافتنا العربية وديننا يحثاننا على امتلاك السلاح". واستشهد في هذا الصدد بحديث منسوب الى الرسول صلى الله عليه وسلم وفي نصه "تسلحوا ولو بشبر من حديد". سوق سوداء خلال السنوات الاخيرة شدد الامن العام رقابته على مقتني الأسلحة، كما جرى خفض اعداد وكميات الأسلحة والذخائر المسموح للتجار باستيرادها، فضلا عن حصر الأنواع المتاح ترخيصها للمواطنين بالمسدسات وبنادق الصيد. وكما يرى مواطنون وتجار، فقد أسهمت هذه الإجراءات في رفع أسعار الأسلحة الى مستويات قياسية، ما أتاح حيزا كبيرا لنمو وتعاظم سوق سوداء باتت تنشط في معظم انحاء البلاد. وفي ضوء تجربته الشخصية، يقول العشريني هاغز الذي يقتني سلاح صيد أنه تعرض لأكثر من مرة للتفتيش والمساءلة بشأن سلاحه. ويقر هاغز الذي يقتني سلاح الصيد كهواية ورثها عن أبيه، بأن أسعار الأسلحة باتت مرتفعة جدا مقارنة بما كانت عليه في الماضي. ومن جهته، يرى جميل، وهذا اسم مستعار لاحد التجار المرخصين، أن تشدد القانون اسهم في رفع أسعار الأسلحة ورواج تجارتها في السوق السوداء. والأمر غير المفهوم بالنسبة لجميل هو ان ارتفاع الأسعار لم يحد من الإقبال على الشراء، والذي وصفه بانه كبير وفي ازدياد. ذات الامر اكده تاجر في السوق السوداء، والذي ابلغنا ان سعر السلاح قد ارتفع فعلا عدة أضعاف في الآونة الاخيرة. ويقوم عمل التاجر محمد، وهذا ليس اسمه الحقيقي، على شراء قطع السلاح من أصحابها وبيعها او مبادلتها محليا مع اخرين. وحسب ما يوضحه محمد فان "عمليات البيع تتم بشكل فردي وفي الأماكن العامة” وعبر “المعارف الشخصية أو وسطاء”. ويقول محمد الذي اشترط ان يكون تواصلنا معه كتابة، انه يتعامل مع ما بين 20 و 30 زبونا بشكل دائم، مشيرا الى انهم في غالبيتهم من طلاب الجامعات والعاطلين عن العمل. وهم في المجمل ممن تتراوح أعمارهم ما بين 23-30 عاما. ومع ان معظمهم من محدودي ومتوسطي الدخل، الا انهم يقبلون على شراء الاسلحة رغم اسعارها المرتفعة. وتتراوح الأسعار بالنسبة لسلاح الصيد بما بين 450 - 1500 دينار، وللسلاح الأوتوماتيكي (مسدس جلوك) 2250 - 3200، وبندقية ام 16 حوالي 3000 دينار، و"رشاش" كوماندوس 5000 دينار، وكلاشنيكوف 650 دينارا. وإضافة إلى مناطق في جنوب وشرق العاصمة عمان فان بعض محافظات الجنوب تشكل مصدرا لمحمد للحصول على أسلحة منوعة بأسعار مناسبة، وبسهولة نسبية ايضا في ظل ضعف المساءلة القانونية هناك على حد تعبيره. قانون وثغرات يجيز قانون الأسلحة والذخائر رقم 34 لسنة 1952، لمن تنطبق عليهم شروط الترخيص، اقتناء مسدسات وبنادق صيد فقط. ولا يمنح هذا الترخيص لمن حكم عليه بجناية، أو لمن لم يكمل الحادية والعشرين من العمر. أما الأسلحة الأتوماتيكية والرشاشة، فلا يسمح بترخيصها إلا في أضيق حدود، وتتطلب قراراً من وزير الداخلية شخصياً، فيما تتولى مديرية الأمن العام ترخيص الأسلحة الأخرى. ويشترط القانون حصول الشخص الذي يرغب في اقتناء السلاح على ترخيص مسبق من وزير الداخلية أو من ينيبه، وذلك قبل شراء السلاح من التاجر الذي يلزم بتسجيل رقم الرخصة واسم الشاري في سجلاته. وتجيز المادة الثالثة من القانون حمل الأهالي واحتفاظهم في منازلهم وأماكن إقامتهم بالبنادق والمسدسات اللازمة لاستعمالهم الذاتي فقط مع كمية من العتاد المخصص لذلك السلاح بالقدر الضروري للدفاع عن النفس. وهذه المادة كما يراها المحامي خالد خليفات تشكل ثغرة من شأنها تشجيع اقتناء المواطنين للأسلحة. ويقول خليفات ان ثغرة أخرى في القانون تتضح في تعريف السلاح الاتوماتيكي الذي أسقطت منه بنادق الصيد والمسدسات، علما أن كثيرا من أنواعها تستخدم بطريقة أوتوماتيكية. وفي المجمل، يعتبر المحامي خليفات أن القانون لا يتناسب والزمن الحالي، كونه أعد في خمسينيات القرن الماضي، ويرى ان هناك حاجة ماسة لتعديلات واسعة لتنظم وتضبط استخدام الأسلحة. ويضيف "إذا كنا في بلد يحكمه القانون ودولة المؤسسات ولدينا جهات أمنية قادرة على الضبط والسيطرة على امن المواطنين، اعتقد انه لا داعي امتلاك المواطنين الأسلحة في منازلهم". ويتيح القانون لمن بحوزته ترخيص اقتناء السلاح فقط، أن يحمله خارج مراكز المحافظات والألوية ومديريات القضاء والنواحي والمخافر ومراكز البلديات والمجالس القروية، ودونما حاجة لترخيص خاص بذلك. الكاتب والمحلل السياسي، ومدير مركز الشرق للدراسات، جهاد المحسين، يتحدث عن مناطق بعينها بعيدة عن سيادة القانون، “إذا كنا نتحدث عن بسط القانون على التجار غير القانونيين واظنهم معروفين عند الجهات الأمنية فالأولى الحديث عن مناطق جغرافية بعينها بعيدة عن الأمن". ظاهرة مقلقة تظهر أبحاث منظمة العفو الدولية أن غالبية انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب باستخدام الأسلحة الصغيرة والخفيفة. وقد حثت المنظمة دول العالم في هذا الإطار على تشديد حظر الأسلحة وتنظيم استخداماتها القانونية بشكل صارم. ومحليا، فقد اعتبرت المحامية والناشطة الحقوقية أسمى خضر أن ضحايا التسلح الفردي الأكثر هم من النساء في حال دخلن في خلافات مع أزواجهن. ووصفت خضر وجود السلاح في المنزل بانه يعد بحد ذاته عنفا ضد المرأة، باعتباره نوعا من فرض الإرادة والتحكم بخيارات الأفراد وترهيبهم. وتلفت المحامية خضر في حديث سابق معها الى ان انتشار السلاح يبقى مصدر قلق للحكومة وعاملا مقوضا لمساعي تطبيق القانون. وهي إذ تطالب الحكومة بالعمل على الحد من ظاهرة وجود السلاح الفردي بين المواطنين باستثناء الأشخاص الذين تتطلب طبيعة عملهم التسلح أو لغايات محددة. وكان الملك عبدالله الثاني طلب من الحكومة في آب العام الماضي الحد من ظاهرة انتشار التسلح، حيث تم تشكيل لجان لصياغة مسودة قانون معدل لقانون العقوبات وقانون معدل لقانون الأسلحة والذخائر. وفق تعديلات على قانون العقوبات فإن حالات القتل والإصابة الناتجة عن إطلاق الأعيرة النارية ستعامل معاملة القتل القصد في حال الوفاة أو الشروع فيه في حال حدوث إصابات بين المواطنين نتيجة هذه الأفعال. ونص القانون على ان الرخص الواردة هي شخصية ولا تستعمل إلا من قبل الشخص الذي صدرت باسمه سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا وتنتهي حكما بوفاة الشخص الطبيعي الذي صدرت باسمه أو بإنهاء الشخصية الاعتبارية. وفي سياق هذا التقرير، كنا قد خاطبنا مديرية الأمن العام للحصول على معلومات بشأن قضية انتشار الأسلحة، ولكن دون ان نتلقى ردا. لكن تصريحات سابقة لمسؤول في وزارة الداخلية تبين ان هناك قلقا رسميا من هذه الظاهرة جراء انتشار رخص سلاح مُنحت لمعارف وبالواسطة، وحصول أشخاص على أكثر من رخصة اقتناء، على نحو مخالف للقانون. وتشير بعض المعلومات الى ان الوزارة التي تسعى للحد من هذه الظاهرة، قد قامت بإيقاف إصدار رخص حمل السلاح، والتي تكون مدتها عادة سنة واحدة وينبغي تجديدها كل مرة. شاهد فيديو انتجه برنامج ناس وناس من اخراج غسان فرج واعداد محمد شما اقرأ نص لقاء مع تاجر غير قانوني

أضف تعليقك