المجالس الأمنية: سرية في العضوية والمعلومة
محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان
يستطيع الأردن أن يحتذي بالنموذج الكوبي في المجالس الأمنية المشكلة في الأحياء، ويستطيع أيضا أن يحتذي بالنموذج البريطاني في مسؤولية اللجان المحلية في المناطق والأحياء كذلك، ولكن وإن كان التطبيق وفقا لما تقتضيه الدولة فهنا يبرز السؤال عن ما تقوم به اللجان.
تعد مديرية الأمن العام في المرحلة المقبلة للإعلان عن تشكيل "شرطة الأحياء" مهمتها "ضبط الظواهر الاجتماعية السلبية في الأحياء". وذلك في نطاق "الشرطة المجتمعية" التي أطلقتها المديرية عام 2006 بهدف تعاون المواطنين في العمل الأمني.
لكن الجدل مستمر حول الدور "الرقابي" الذي يقوم به "الأعوان"، كما يصفهم الأمن العام في عملهم التطوعي كأعضاء لجان أمنية.
تتلخص مبادرة "الشرطة المجتمعية" في تشكيل مجالس أمنية في المدن وفي مناطق أمانة عمان، تتبع للمراكز الأمنية ودورها "الوقوف على الظواهر السلبية في المجتمع واتخاذ الإجراءات المناسبة في المناطق والأحياء حفاظا على المجتمع"، يقول المقدم خالد النوافلة رئيس شعبة الشرطة المجتمعية في دائرة العلاقات العامة في الأمن العام، مضيفا أن "تنوع أساليب الجرائم استدعى الأمن العام إلى إشراك المواطن في حفظ الأمن".
وتربط الشرطة المجتمعية باللجان المحلية التابعة للأمانة والمختصة بقضايا خدمية عامة، علاقة تشاركية يعرفها الأمن العام "بالهادفة لخدمة المجتمع ودرء المشكلات"، كما يقول عضو أمانة عمان فوزان خلاف، رئيس اللجنة المحلية في منطقة زهران.
وعلى غرار اللجنة المحلية، تجتمع اللجنة الأمنية مرة واحدة في الشهر، وتضم في عضويتها مندوبين عن أمانة عمان، أو البلديات خارج العاصمة، ومخاتير وشيوخ عشائر وأعضاء فاعلين يمثلون مجتمعاتهم المحلية، إضافة إلى مندوب عن الشرطة المجتمعية وآخر عن وزارة الصحة. ويناقشون قضايا مناطقهم من ظواهر اجتماعية ومشكلات.
وتختلف اللجنة الأمنية بعدد أعضائها غير المحدود عن اللجنة المحلية بأعضائها الثمانية. وتجتمع اللجان الأمنية في المراكز الأمنية للمناطق.
أما تطبيق مفهوم "الشرطة المجتمعية" فيتم بإخضاع مجموعات مدربة للتطبيق الميداني إضافة إلى عقد دورات تدريبية ومحاضرات تثقيفية لمفاهيم الشرطة المجتمعية وسياسة الإصلاح الاجتماعي من خلال دور المواطن بالتبليغ عن أية حالة إنسانية تعاني من مشاكل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية قد تكون سببا في حدوث مشكلة أو جريمة في المستقبل.
والقضايا التي ترد "الشرطة المجتمعية" تصنف في 11 ملفا تتعلق بجوانب سلبية في المجتمع، هي: خلافات الجوار، عقوق الوالدين والخلافات العائلية بين الزوجين، هروب أحداث من منازلهم، العنف ضد المرأة والطفل، إطلاق العيارات النارية، التسول، التحرش، الخلافات المدرسية والجامعية، التسرب من المدارس وحوادث السير.
وتشدد مديرية الأمن العام على دور المخاتير وصلاحياتهم غير المحدودة في نشر مفهوم الشرطة المجتمعية وحل المشاكل الاجتماعية في مناطقهم ومتابعة الوضع الأمني والاجتماعي.
دور اللجنة الأمنية بعيون أعضائها
أحمد فالح الشوبكي، ضابط متقاعد من القوات المسلحة الأردنية، عضو لجنة محلية ولجنة أمنية بوصفه مختارا لحي الزهور "الدبايبة" سابقا. يعُرّف عن نفسه بالقول "نحن أفراد اللجنة متعاونين مع الشرطة ومستعدين للمساعدة في أي شيء".
"نوجه إلى المخطئ تحذيرا بضرورة العودة عن خطأه، وفي حال رفض نقوم بالتبليغ عنه، حتى لو اضطررت إلى إقامة دعوى ضده في المحكمة كونه يضر بالمجتمع من خلال أخطاءه التي يرتكبها"، يقول المختار الشوبكي.
لكن الشيخ جمال الشوبكي، عضو في لجنة مركز أمن النزهة ومخيم الحسين يعتبر أنهم أعضاء "محايدون" وليس لديهم صلاحيات في إقامة الدعوى ضد مرتكبي الخطأ. "نحاول علاج الخطأ خارج نطاق المركز الأمني، وإذا لم يتجاوب المخطئ نبلغ الأمن العام".
ويتعامل الشيخ الشوبكي مع المشاكل "وديا" انطلاقا من أن هناك قضايا يعجز عنها القانون فيبادر إلى حلها "عشائريا". ويشير إلى أن هناك اتفاق "ضمني" بينه وبين المركز الأمني الذي يدعمه في حال وردته قضايا يستطيع حلها خارج المركز الأمني.
المختار الشوبكي العضو في اللجنة الكبرى لمناطق شرق عمان (الوحدات، النظيف، اليرموك)، يعطي أمثلة على دور اللجنة الأمنية في حل المشكلات: "مواطن شاهد أطفالا تسربوا من مدرستهم، هنا يأتي الدور المنشود لعضو اللجنة من أجل المحافظة على جيل واع في المجتمع".
أحد أعضاء لجنة أمنية، رفض ذكر اسمه، يعرف مهامه في المنطقة التي يمثلها: "تجتمع اللجنة في مخفر الأمن العام أو مقر البلدية للتباحث في القضايا التي تشغل المنطقة. أما المختار فله دور أساسي في إصلاح ذات البين داخل اللجنة".
واحدة من مهام عضو اللجنة الأمنية، كما يلخصها عضو لجنة في محافظة معان، "إيصال الأفكار الأمنية للمواطنين وأخذ آرائهم لتبيان تقبلهم لها، دون التعريف عن أنفسهم. وفي حال كان هناك مطلوب أمني يتم التعاون والإرشاد للأماكن المشتبه بتواجده فيها".
عن أكثر القضايا التي تختص بها اللجنة الأمنية في محافظة معان، والتي يصل عدد أعضائها إلى 12 عضواً، "تهريب السيارات وضبط أي انفلات جراء سرقة سيارات من السعودية".
سرية العضوية والمعلومات
عندما طبقت مديرية الأمن العام مفهوم الشرطة المجتمعية في 2006، قال مدير الأمن العام السابق اللواء الركن الراحل، محمد ماجد العيطان، أن "المواطن لا يسأل عن معلومته، سواء كانت صحيحة أم لا، بالتالي تقع المسؤولية على الجهاز الأمني في التأكد من صحة المعلومة".
لكن عضو لجنة أمنية، رفض ذكر اسمه، ينتقد تصرفات بعض الأعضاء الذين "يضرون بالمواطن عندما يبلغّوا عن شبان مشاركين في مسيرات ويقدموا معلومات عنهم"، ملفتا إلى حالات "انتقاء" لبعض أعضاء اللجنة يطلب منهم الحصول على معلومة ما عن أحد الأشخاص، مقابل تسهيلات تقدم له".
ويلخص العضو مهامه في "إيصال المعلومة الأمنية من خلال التعامل مع المواطنين مباشرة واحتكاكه بهم وإيصالها للجهات المختصة من "الأمن العام" وأي أجهزة أمنية أخرى فيما لو كانت تتعلق بأمن الوطن".
المقدم النوافلة نفى أن يكون هناك "قصدية" في "إفشاء" معلومة عن أشخاص يمارسون نشاطا عاما دون ارتكاب مخالفة. "إذا كان هناك "نشاط قانوني" فلا ضرر في ذلك، لكن إذا كان النشاط غير قانوني فإن مرتكبيه "مخالفون".
ويتحرى رجال الأمن العام والأمن الوقائي، وفقا للنوافلة، من المعلومة قبل القيام بأي إجراء، مستشهدا بحالة امرأة حبسها زوجها في البيت وهي بأمس الحاجة إلى علاج إلى أن أخبر المتعاونون في الحي عن حالتها وتدخلت الشرطة لمساعدتها، "وهنا يكون الدور إنقاذيا".
ولا مجال لتسريب معلومة خاطئة عن أحد الأشخاص، كما يقول الشيخ جمال الشوبكي، "سينكشف أمام الأعضاء على اعتبار أن العضو هو من وجهاء المنطقة ولا يقوم بتصرفات سلبية في مجتمعة".
العضو أبو زكريا، مراقب خط في مجمع نقليات الجنوب، يتصل دائما مع الأمن الوقائي والبحث الجنائي والشرطة المجتمعية للتبليغ عن أي شخص يشتبه به، غير أنه، وبعد سؤالنا، يؤكد أن "التبليغ يتم بعد تأكده وتأكد الأجهزة الأمنية بدورها من صحة المعلومة".
ولا يدُخل أبو زكريا الأحقاد الشخصية في عمله لأنه لو فعل ذلك سيتعرض للمساءلة. ويتباهى بأنهم اختاروه لعضوية اللجنة دون أن يعرض عليهم خدماته، في وقت يعتبر أن عمله يحتم عليهم "التشبيك" معه.