الأردنيون يسبحون في بحر من العطش
-وثائقيات حقوق الإنسان- عن جريدة السفير للزميل محمد الفضيلات
تبلغ حصة الفرد السنوية من المياه العذبة في الأردن 170 متراً مكعباً سنوياً، في وقت يحدد البنك الدولي الفقر المائي المتعارف عليه بألف متر مكعب للفرد سنوياً.
وتقدر احتياجات الأردن من المياه سنوياً بملياري مترٍ مكعب للأغراض المنزلية والصناعية والزراعية. وتوفر المصادر التقليدية وغير التقليدية نظرياً اضعاف الحاجة المطلوبة.
ولكن غياب التخطيط الاستراتيجي للأمن المائي أولاً، والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية ثانياً، وضعف تطبيق الاتفاقات المائية الموقعة مع دول الجوار ثالثاً، تحكم على الأردنيين بالعطش، وعلى المزروعات بالجفاف كل صيف، في بلد يحتل المرتبة الرابعة كأفقر دولة مائياً على مستوى العالم. المشاريع الحيوية المنتظرة ما زالت في اغلبها حبيس الدراسات، فيما يواجه التعثر من دخل منها حيز التنفيذ.
نظرياً إذاً: يبلغ معدل الهطول المطري طويل الامد ثمانية مليارات مترٍ مكعب، وتقدر الفيضانات السطحية بثمانمائة مليون مترٍ مكعب، وتوفر المصادر المتجددة مئتين وخمسين مليون مترٍ مكعب، فيما تتيح تنقية معالجة المياه العادمة مئة مليون مترٍ مكعب، ويبلغ مخزون المياه الجوفية المؤكد في حوضي الديسي والجفر مليارين وأربعمئة وخمسين متراً مكعباً.
ونظريا أيضا، تؤمن الاتفاقيات المائية خمسة وثمانين مليون متر مكعب من المياه سنوياً، خمسين من الاتفاق الموقع مع الجانب السوري لتقاسم مياه سد الوحدة، وخمسة وثلاثين يضمنها الملحق رقم 2 من «اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية».
أمام الفائض النظري، يبلغ العجز المائي سنوياً خمسمئة مليون مترٍ مكعب.
وتشير الدراسات الى ان حجم الاستفادة من الفائض المطري والفيضانات السطحية تتراوح بين اثنين الى اربعة ملايين مترٍ مكعب، ولا تفوق نسبة تخزين السدود العشرة الموجودة في المملكة الثمانين في المئة من طاقة تخزينية تبلغ ثلاثمئة وسبعة وعشرين مليون مترٍ مكعب، فيما تعاني غالبية السدود من مشاكل تتراوح بين الملوحة والتسرب، ما يقلل من كمية الاستفادة من المياه المخزنة.
ويذهب تسعون في المئة من نسبة المياه الساقطة على الأسطح الى شبكات الصرف الصحي كهادر لا يستفاد منه، نتيجة غياب مشاريع التجميع.
المشكلة الأكبر التي يعاني منها قطاع المياه في الأردن تتمثل في الفاقد من خلال شبكة مياه الشرب التي يتجاوز عمر بعضها الخمسين عاماً، وتتراوح نسبتها بين 45 الى 50 في المئة، في ظل غياب مشاريع تجديد الشبكات، وحصرها في الصيانة، بينما تسبب انتهاء عمرها الافتراضي واهتراؤها بتلوث متكرر نتيجة اختلاط شبكة مياه الشرب بشبكة الصرف الصحي.
المياه الجوفية توفر خمسمئة مليون مترٍ مكعب من الاحتياجات، فيما يقل حجم المياه التي توفرها الاتفاقيات المائية عن المبرم غالباً، وتثور في كل موسم مشكلة عدم التزام سوريا بالاتفاقية، واعتدائها على حصة الاردن من المياه المسالة من خلال السدود التي تقيمها قبل سد الوحدة، فيما يعمد الجانب الاسرائيلي الى التحايل على الاتفاقية بما يحرم الاردن من جزء من حقوقه المائية، ومواصلته الاعتداء على مياه نهر الاردن عند أعلى النهر.
تقابل المشكلة المثلثة الأبعاد، ثنائية الحل التي تضمنتها استراتيجية وزارة المياه، وتقوم ركائزها على جر مياه حوض الديسي القابع في جنوب الاردن، على مقربة من الحدود السعودية، الى العاصمة عمان، ومشروع قناة البحرين.
مشروع جر مياه الديسي انطلق في ايار/مايو 2010، توقف العمل فيه بشكل متكرر بسبب قضايا الفساد التي رافقت التنفيذ، وهو كان سيوفر في حال إنجازه نهاية العام 2013 ما مقداره مئة مليون مترٍ مكعب من المياه سنوياً، ولمدة تتجاوز المئة والخمسين عاماً.
وتقدر كلفة المشروع بمليار دينار، يتحمل الاردن منها مئتين وعشرين مليون دولار، مقابل ان يتحمل الشريك الاستراتيجي الكلفة المتبقية، مع منحه حق التشغيل لمدة خمسة وعشرين عاماً.
غير ان التجاوزات المتكررة من قبل الجانبين السعودي والاسرائيلي تتهدد البحر المائي، حيث تواصل السعودية سحب مياه الحوض من خلال الآبار الحدودية، فيما يقوم الجانب الاسرائيلي بسحب المياه من الآبار الاردنية في وادي عربة التي يغذيها الحوض، من دون إجراء أردني لوقف ذلك.
كما تطرح الاستراتيجية تحلية مياه البحر الاحمر كمشروع استراتيجي آخر تبدأ الاستفادة منه بكميات غير محدودة العام 2020، مع الاكتمال المفترض لمشروع «قناة البحرين»!