اغتصاب الزوجات: عنف محمي بالقوانين

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

لم تجد "سهام" في القوانين ما يحميها ويسترد حقها بعد ان اغتصبها "ابن عمها" الذي كان عقد قرانه عليها جمعا مع الخطبة كما هي عادات وتقاليد سكان القرى النائية.

ارادت سهام التعرف على خطيبها بعد عقد القران. لكنها اكتشفت فيه الرجل غير المناسب لها فطلبت فسخ عقد القران. فما كان منه الا ان اختطفها بمساعدة اشقائه واغتصبها وفقدها عذريته بقصد اذلالها.

الاهل المصدومون بهذا الفعل رفعوا دعوة اغتصاب امام القضاء الذي وجد نفسه عاجزا عن محاكمة الجاني، لانه اعتبرها زوجته بدليل عقد القران. فما كان منهم الا ان طلبوا من "المغتصب" الزواج بسهام سترة لها الا انه رفض ايضا.

"سهام واحدة من ضحايا التناقض بين العادات والأعراف والقوانين والدين"، تقول الدكتورة إسراء طوالبة في المركز الوطني للطب الشرعي الذي استقبل سهام كواحدة من حالات عدة لنساء يلجأن للمركز بعد تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف.

"وقف القضاء عاجزا عن مساعدة سهام لمجرد انه عقد قرانه عليها، فلا يوجد في القانون ما يسمى اغتصاب الزوجة، بغض النظر كيف فض غشاء بكارتها فهذا حقه شرعا. ووقف القضاة عاجزين عن مساعدة الفتاة، وكذلك النظام العشائري في بلدتها".

القاضي الشرعي عمر الخريسات يؤكد أن الحادثة "وإن كانت بالهيكل العام توحي بأنها اغتصاب لكن في نص القانون هذا لا يعتبر اغتصابا". ويوضح أن الاغتصاب "هو أن يقوم رجل باغتصاب امرأة لم تكن زوجته. وبمجرد أن يتم عقد القران تكون زوجته ولها حقوق وعليها واجبات".

وعن قضية سهام يبين الخريسات أن خطيب سهام لم يخرق القانون، "لكنه بفعلته هذه فهو خالف عرفا وعادة. وارتكب عنفا ضدها".

ويرى القاضي الشرعي أن "هناك حاجة إلى تشريعات أو أنظمة تضبط مثل هذه الحالات، لأن القيم والأعراف اختلفت. وكل عقوبة يجب أن يكون لها تكييف قانوني بالجزاء".

"في الدول العربية والإسلامية من المستحيل اعتبار إكراه الزوج للزوجة على الجنس بأنه اغتصاب، بل يطلقون عليه "سوء المعاشرة الجنسية" لكنه غير مجرم قانونا"، تقول إنعام العشي، محامية وناشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء. "ذلك لأن عقد الزواج ينص على أن غاية من غايات الزواج "استمتاع الزوج بزوجته"، لذلك يحق للزوجة في بعض البلدان مثل مصر أن تطلب بدل متعة".

وتؤكد هيفاء حيدر، محامية وناشطة في اتحاد المرأة الأردنية، أن المعضلة عند اللجوء للقضاء تكون في القانون. "يجب أن يكون هناك ضرر بالغ وتقارير طبية تظهر وجود أثار عنف كالكدمات حتى تتمكن السيدة أو محاميتها من إثبات ذلك. كما أنه لا يوجد نص قانوني يجرم هذه الحالات. وهذا يساعد على إطلاق يد الرجل ليفعل ما يشاء".

فصل قانون العقوبات الأردني مختلف حالات الاغتصاب، لكنه استثنى منها جميعا الزوجة التي يغتصبها زوجها. وتتشابه في ذلك قوانين الدول العربية باستثناء تونس التي تجرم "اغتصاب الزوجة" كما هو حال دول عديدة أخرى.

قانون يتعارض والشريعة

أستاذ الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، الدكتور محمد القضاة يرى أن "الأصل أن تقوم العلاقة بين الزوجين على السكن النفسي والمادي وعلى المودة والرحمة والمحبة والمعروف ".

ويعتبر القضاة لجوء الزوج إلى إجبار زوجته على المعاشرة الجنسية، اغتصابا. "أو قد يلجأ بعض الأزواج إلى إشباع رغبتهم الجنسية بطريق حرمه الله تعالى، وبطريق بشع ووحشي وهذا يعد اغتصابا، ويصل إلى حد التحريم في الإسلام، والله أعلم".

قانون العقوبات، بحسب أستاذ الفقه الإسلامي، "قانون وضعي يتعارض في بعض الأحيان مع منطلقات الشريعة الإسلامية التي تجرم وتمنع الزوج من هذه المعاملة السيئة مع زوجته". وينفي أن تكون هذه القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.

الإساءة الجنسية: تعددت الاشكال والعنف واحد

العنف الجنسي، توضح الدكتورة طوالبة، لا يكون فقط بالإجبار على الجنس والعنف في ممارسته، وإنما أيضا بالإهمال والهجران والمنع من الجنس أو من الاستمتاع به. "فقد يكون الزوج متزوج من أخرى أو له علاقات جنسية أخرى ويلبي حاجته الجنسية مع غير الزوجة. أما هي فلا يمكن لها أن تلبي حاجتها من غير الزوج وبالتالي تبقى محرومة".

وتصف الدكتورة طوالبة حالات لنساء "يتعرضن للضرب والذل من الزوج طوال النهار، أو أنها تعمل وتتعب خارج البيت وداخله، وفي الليل يجبرها على الجنس ويقول لها أن الملائكة ستلعنها إن لم تستجب له".

الأخصائية هيفاء حيدر، ترى ان احد اسباب العنف الجنسي يعود الى :"غياب ثقافة جنسية صحيحة وغياب الحوار حول هذه القضية. السيدة هنا لا تتقبل العنف وتكون مرغمة ولا تستطيع أن تقول لا، وبعد فترة من الحرمان والمعاناة والعذاب تأتي للاتحاد وتقول "أنا لم أعد أتحمل. للأسف بدل أن تكون العلاقة الزوجية مصدرا للحب والطمأنينة أصبحت هدفا للتفنن والعنف".

"الرغبة الجنسية هي رغبة وحاجة لدى الطرفين، ومن غير المقبول أن تكون العلاقة الجنسية لإرضاء رغبة أحد الطرفين على حساب الطرف الثاني"، تقول العشي.

"إذا استفتيت النساء حول اللذة الجنسية، تقول الناشطة العشي، فستجدي أن الكثير منهن سيستغربن السؤال ولن يستطعن الإجابة لأن لديهن مشاكل في هذا الجانب".

وهو ما تؤكده زميلتها حيدر حول حالات نساء لجأن لاتحاد المرأة، متزوجات منذ سنوات وأنجبن ولم يعرفن اللذة الجنسية. "هؤلاء النساء يعتبرن الجنس واجبا يقمن به وصفن العملية بقولهن: "يعمل عملته بسرعة ويريحنا".

وعن حجم مشكلة غياب الثقافة الجنسية، تقول الطوالبة: "أحد العاملين في الأمن وبرتبة عالية قال لي مرة: "هذا ما ينقصنا، أن نقدم استدعى لنسوانا لكي ننام معهم".

الحديث في الجنس عيب وحرام!

"يوجد في بلادنا مثلث محرم هو السياسة والجنس والدين، لا يجب الاقتراب منها، تقول العشي، فالجنس هو من القضايا المسكوت عنها، لكن هذا لا يعني أن النساء لا يتعرضن للعنف أو لإكراه الزوج لهن في الجنس. وعدم وجود أرقام لا يعني أن المشكلة غير موجودة، فالنساء يخجلن من الحديث في هذه القضية، وإن تحدثن فلا يقلن كل شيء".

"النساء عموما يتحدثن بداية عن مشكلاتهن تحت مظلات أخرى غير المظلة الحقيقية للمشكلة. لكن بعد الحديث مرارا وتكرارا يتبين أن المحرك الأساسي للمشكلة مع زوجها هو سوء معاشرة الزوج الجنسية لها"، تقول العشي.

عندما تتحدث اخصائية مع زوج يسيء المعاشرة الزوجية يجيب بأنه "يمارس حقه الشرعي وليس مضطرا لأخذ إذنها".

"هذا مرتبط بسوء تفسير الشريعة الإسلامية وغياب الثقافة والوعي الجنسيين والخجل عند الحديث حول هذا الموضوع"، تقول العشي.

تتحدث حيدر عن حالات نساء يشكين من إصابتهن ببرود جنسي وندرة وضعف العلاقة الجنسية مع الزوج نتيجة وجود عجز لدى الزوج، لكنها تتحرج من قول ذلك.