هاربون من اسوار المدارس الى المجهول في شوارع الزرقاء- صوت

هاربون من اسوار المدارس الى المجهول في شوارع الزرقاء- صوت
الرابط المختصر

مقاهي الانترنت ملاذهم المفضل، ودعوات لاغلاقها خلال ساعات الدوام

يبدأ المشهد بطالب او اثنين يفترشان بقعة ظليلة على احد الارصفة القريبة من المدرسة، ويبدو انهما وصلا متاخرين فآثرا تمضية بقية اليوم في الشارع على المجازفة بالدخول ومواجهة عصا المدير.

وبمضي الوقت، ينضم اليهما طلبة اخرون تحمل ملابس بعضهم دليلا على هروبهم من فوق اسوار المدرسة على حين غفلة او ربما تعام من المعلمين والمدير.

ولا يلبث ان يتعالى صخبهم ليملأ الشارع الذي يكاد يخلو الا منهم في مثل هذا الوقت من النهار، ثم فجأة تنبعث سحب دخان صغيرة من سجائر اشتراها بعضهم بالفرط من المتجر المقابل للمدرسة.

وشيئا فشيئا، تنسلخ مجموعات صغيرة عن هذه الجمهرة، يشق بعضها طريقه نحو مدارس البنات المجاورة، وبعضها الاخر يقصد مقاهي الانترنت والعاب الكمبيوتر التي بات بعضها يبكر في فتح ابوابه لاستقبالهم خصيصا.

وهناك مجموعات لا يمكن التكهن بما ستفعله او بالمكان الذي قد تتجه اليه، فكما لو انها تفر الى مجهول ربما يخبئ في طياته ما لا تحمد عقباه.!

ويشكل التزايد غير المسبوق في اعداد الطلبة الهاربين من المدارس قلقا متزايدا في محافظة الزقاء، في وقت تتجه اصابع الاتهام الى الاهالي والمسؤولين التربويين على السواء بالمساهمة في تعاظم هذه الظاهرة.

عقاب بدل المساعدة

ولا يعرف على الدقة عدد المتهربين من طلبة المحافظة البالغ عددهم 150 الفا، لكن بعض المراقبين يقولون انهم بالالاف.

ويتهم الطلبة معلميهم بدفعهم الى الهروب، بسبب ما يصفونه من تعاملهم الغليظ والعنيف احيانا.

ويوضح طالب كان ضمن مجموعة من زملائه صدفناهم يتسكعون خارج المدرسة نحو الساعة العاشرة الا ربعا، انه وصل متأخرا عن موعد الدوام وفضل عدم الدخول حتى لا يتعرض للعقاب.

ويقول الطالب وهو في الصف الاول الثانوي "لم ادخل لعلمي انني سأنال بعض العصي والكثير من التوبيخ". ويضيف مبررا سببب تأخره "انا اعمل وادرس في نفس الوقت، وعملي ينتهي بعد الساعة 12 ليلا".

ومن حديثه تبين انه من معتادي الهروب والتغيب مع انه يقول ان معدل غياباته في الفصل الواحد لا يتجاوز سبع مرات، وهو ايضا يزعم ان اهله لا يعلمون بامره.

ويقول ان المدرسة تعاقبه بالحرمان عند تغيبه بدلا من ان تساعده، وعندما يحدث ان تستدعي والده فانها تفعل ذلك لتبلغه بان ابنه "فاشل وليست منه فائدة" على حد تعبير هذا الطالب.

ونظريا، فان الهروب يمثل مشكلة ينبغي ان تتعامل معها المدرسة بحكمة، ومن خلال المرشدين التربويين الذين يحاورون الطلبة للتعرف على الاسباب والدوافع الكامنة وراء هروبهم ويسعون الى المساعدة في التوصل الى الحلول.

ولكن الطالب الذي تحدثنا معه قال انه لا يوجد مرشد في مدرسته، واضاف "انا لا اشكو مشاكلي الا لاصحابي، اما المعلمون فانهم لا يستمعون واذا ما فعلوا فانهم لا يقدمون اية مساعدة".

ويورد طالب اخر وهو في الصف الثاني الثانوي (التوجيهي) سببا اخر لهروبه الدائم من المدرسة، وهو شعوره بالاحباط اثر رسوبه وحمله لبعض المواد في امتحانات الفصل الاول.

ويؤكد الطالب انه كان طيلة حياته مواطبا، ولكنه يقول انه "بعد الرسوب لم اعد اطيق المدرسة، والان انا استيقظ من النوم وقتما اشاء، واخرج من الصف متى اريد".

وكان كما يخبرنا قد واجه عقوبة الحرمان من بعض المواد في الاول ثانوي بسبب تعدد غياباته، الا انه تلقى مساعدة من احد المعلمين الذي تساهل معه وقام بترفيعه الى امتحانات التوجيهي.

ويزعم هذا الطالب ايضا بان اهله لا يعلمون بامر هروبه المتكرر من المدرسة، ويقول انه يمضي وقته في الشوارع مع زملائه الهاربين امثاله، ثم يعود الى البيت كاي طالب اخر وقت انتهاء الدوام.

وعلى حد تاكيده، فان عدد الطلبة الهاربين في مدرسته كبير جدا، وبحيث انه "في الحصة الأخيرة لا يتبقى في الصف اكثر من 7 طلاب من اصل 37 طالبا".

انترنت وتسكع

ومن جهته يؤكد طالب توجيهي صناعي ان اعداد المتسربين في صفه يكاد يصل الى النصف، وهؤلاء يمضون وقتهم "اما في صالات البلياردو أو مقاهي الانترنت، وبعضهم يعود الى البيت والبعض الاخر يتسكع في الشوارع".

ويقول هذا الطالب ان تعامل المعلمين والمدير معه هو ما يجعله ينفر من المدرسة ويفضل الهروب، حيث انهم سرعان ما يلجأون الى العقوبة عند تاخر الطالب بدلا من محاورته بالحسنى لمعرفة السبب ومحاولة مساعدته ان كان الامر يتطلب ذلك.

نفس الامر يتكرر في حديث طالب توجيهي ادبي، والذي قال حين التقيناه خارج المدرسة "تاخرت خمس دقائق، وانا اعلم ان في انتظاري عشر عصي، وانا في غنى عن ذلك، وسامضي بقية اليوم في الشارع ثم اعود الى البيت مع انتهاء الدوام".

ويروي هذا الطالب تجربة يصفها بالمريرة، حيث انه عاد الى البيت مبكرا، ولما ساله والده عن السبب، قال له انه تاخر بضع دقائق عن الدوام وان هناك عشر عصي في انتظاره.

ولما رافقه ابوه الى المدرسة، نفت الادارة انها تعاقب المتاخرين بالضرب الذي يمنعه القانون وابلغته ان ابنه يهرب بارادته حتى يدخن. وباسى يقول الطالب "انا والله لا ادخن, وقد حرمني ابي من المصروف بسبب هذه التهمة الملفقة".

ويقول صاحب بقالة يجاوره محل انترنت انه لا يكاد يبدأ عمله في الصباح الباكر حتى يجد اعدادا من الطلبة الهاربين جالسين في انتظار فتح جاره للمحل والسجائر بين اصابعهم.

ويضيف من خلال مشاهداته ان "بعض هؤلا الطلبة يترددون باستمرار على محل الانترنت ويمضون فيه الساعات، والبعض الاخر يهرب بعد العاشرة ويقصد السوق بحجة ان عندهم حصة نشاط ولذلك يغادرون مبكرا".

وداخل محل الانترنت كان هناك نحو سبعة طلاب جالسين امام الشاشات وهم في زيهم المدرسي، وعندما حاولنا التحدث مع مع صاحبه رفض خشية "قطع رزقه" حيث ان استقبال اطفال بهذه الاعمار وفي هذه الاوقات يتضمن الكثير من المخالفات.

ومقاهي ومراكز الانترنت وغيرها من اماكن الترفيه، هي من اهم الاسباب التي تغري الطلبة بالهروب من المدارس كما يؤكد نواف جميل الصباح، مدير مدرسة الأمير محمد الأساسية في الزرقاء سابقا.

ويقول الصباح "وجود المقاهي ومراكز الانترنت والكوفي شوبات ومحلات العاب الكومبيوتر والتي تفتح مبكرا تشجع الطلبة على التسرب منذ الصباح".

ويضيف ان من الاسباب الاخرى لهذه الظاهرة "عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم، وذلك لانشغالهم بسبب ضغوط الحياة الاقتصادية، وسياسة عدم ترسيب الطلبة".

غياب المرشد

كما يشير الصباح الى ما وصفه بتغييب دور المرشد الإجتماعي الذي يفترض ان يكون "صمام امان" لمنع للظاهرة.

ويقول ان "المرشد الاجتماعي هو صمام أمان وحلقة وصل بين الطالب وولي الأمر والمدير، ولكنه غير متوفر في أغلب المدارس، وإن كان فإن دوره غير مفعل".

ويضيف ان دور المرشد الاساسي "يتمثل في وضع اشارات الخطر قبل وقوعها ، كان يلفت الى ان الطالب الفلاني عليه غياب أو ان ينبه الى سلوكيات الطالب فيعمل على تقويمه قبل أن يقع في الخطأ".

ويحذر الصباح من مخاطر الهروب من المدرسة على سلوك الطلبة ومسقبلهم. ويقول ان اقل تلك المخاطر ان الهروب يجعل من الطالب "عرضة للتسكع مع رفاق السوء ومهيأ للإنحراف".

وشدد على ان التصدي لهذه الظاهرة يتطلب "التعاون بين أولياء الأمور والمدرسة، خاصة وأن ولي الامر لا يراجع المدرسة الا بعد صدور شهادة ابنه في نهاية العام الدراسي،، ليعترض على النتائج".

كما اكد الصباح على ضرورة "تقنين النجاح والرسوب والإكمال والغياب، ومنع النوادي والمقاهي من استقبال الطلبة او فتح ابوابها الا بعد نهاية الدوام الرسمي".

والى جانب دور المدرسة واماكن الترفيه، فان العوامل الاجتماعية داخل الاسرة قد تؤدي دورا لا يقل اهمية في دفع الطلبة الى الهروب من المدرسة، كما توضح عائشة الخاروف رئيسة قسم الدفاع الإجتماعي في مديرية تنمية الزرقاء.

وتقول ان من تلك العوامل "غياب الأب والأم عن المنزل، والتفكك الأسري، وخصوصا بسبب الطلاق".

وتحذر الاخصائية الاجتماعية من ان الطالب حين يهرب فسوف يلجأ بالتأكيد إلى الشارع والذي يعرضه لخطر الانحراف والتعرض لانواع كثيرة من الاعتداءات.

وكما يؤكد مختصون تربويون، فانه لا يمكن تجاهل دور المدرسة في دفع الطلبة الى الهروب، وذلك الروتين المدرسي والمناهج التربوية التي تفتقر للتنشيط والتجديد، وسوء معاملة الطلاب وتعريضهم للاهانة أو الضرب.

كما يعتبر هؤلاء المختصون انه لا يجب ان يكون العلاج عنيفا وصارما ومن أول الطريق عند حدوث حالة هرب من قبل الطلاب، بل يجب ان يكون هناك حوار ليتمكن الأهل أو الكادر التعليمي من معرفة الأسباب ومعالجتها.