نساء ضحايا "خديعة" اخفاء الزوج مرضه النفسي قبل الارتباط

نساء ضحايا "خديعة" اخفاء الزوج مرضه النفسي قبل الارتباط

يتحول المرض النفسي الذي يتعمد احد طرفي الحياة الزوجية اخفاء حقيقة اصابته به عن الشريك قبل حصول الارتباط، الى عامل قد يهدد مستقبلا استقرار وديمومة الحياة الاسرية.
 
فاكتشاف أحد الزوجين لمرض شريكه النفسي بعد فوات الاوان، يضعه عادة امام خيار الاستمرار في الحياة الزوجية مع ما يكتنفها من مصاعب، او طلب الانفصال الذي قد تترتب عليه تبعات خطيرة وجراح غائرة في نفسه ونفوس الابناء.
 
وتتخذ المشكلة صورة اكثر حدة بالنسبة للزوجات، واللواتي يشعر بعضهن بالغبن لحجب معلومات يعتقدن ان من حقهن معرفتها عن الشريك قبل الزواج، حتى يستطعن اتخاذ قرار المضي في الارتباط من عدمه، بشكل سليم وبعيدا عن الخداع.

حياة كالكابوس

نادية (اسم مستعار)، سيدة تبلغ من العمر 24 عاما، مرت بتجربة زواج انتهت بالطلاق بعد شهرين فقط، ذاقت خلالهما صنوفا من العذاب على يد زوجها الذي اكتشفت انه كان "مريضا نفسيا"، واخفى هو واهله الامر عنها حين تقدموا لخطبتها.

تقول نادية "أهله لم يخبرونا ان لديه مشكلة نفسية، وحينما سأل أهلي عنه كما هي العادة، لم يسمعوا عنه شيئا مريبا، بل على العكس، شهد له الجميع بأنه انسان جيد".

وتضيف ان حقيقة مشكلته النفسية راحت تنجلي منذ الايام الاولى للزواج "بدأت الاحظ انه يقول شيئا ثم ينكر انه قاله، كما انه كان سريع الغضب، وبلا سبب، واحيانا يدخل في حالة هياج لا يتورع معها عن تحطيم كل شئ امامه، ثم تطور الامر وبات يضربني، ولانني كنت عروسا جديدة، فقد لزمت الصمت، وتحرجت عن اخبار احد بما كان يحصل".

وتضرب نادية امثلة على ما كانت تكابده قائلة "خرجت مرة لجمع الغسيل، فلم اجد منه شيئا على الحبل، وكان هو قد جمعه، وحين سألته، انكر ان يكون هو من جمع الغسيل. ومرة طلب مني اعداد القهوة، فلما قدمتها له سألني: لمن هذه؟ ثم ضربني وحطم اثاث البيت، والغريب أنه بعد كل نوبة ضرب، كان يبدي اسفه واعتذاره مدعيا انه لم يكن يدرك ما يفعله".

وتتابع "ومع الوقت، بات يمنعني من استخدام الموبايل، واذا ما اردت اجراء مكالمة مع اهلي، فقد كان يتعين علي اجراؤها من جهاز والدته، وبحضوره. وكان شكاكا لدرجة انه يلزمني البقاء عند اهله حين يكون في العمل، وعندما نقوم باحدى الزيارات النادرة لاهلي، يلتصق بي لمنعي من الشكوى لهم او البوح بشئ مما يفعله بي، واذا زاروني يفعل الشئ ذاته".

ايقنت نادية بعد كل هذا، وبما لا يدع مجالا للشك، ان زوجها كان يعاني مرضا نفسيا، وحين سعت لاقناعه بعرض نفسه على اخصائي حتى يعالجه، رد باتهامها انها هي من يعاني حالة نفسية وبحاجة الى العلاج، كما تقول.

ولانها لم تكن تريد الحصول على لقب "مطلقة" وهي لا تزال في اول مشوار حياتها، ولخشيتها من تبعات مثل هذه الوصمة الاجتماعية سواء عليها او على اهلها، فقد واصلت محاولاتها وسعت لدى اهل الزوج حتى يقنعوه بمراجعة اخصائي نفسي، لكن ردهم جاء بالرفض القاطع مشفوعا بعبارة "هذا نصيبك، وعليك ان ترضي به".

لا بل ان نادية تكشف عن ان خشية اهله من لجوئها الى طلب الطلاق جعلتهم يساومونها لمنعها من ذلك "عرضوا علي اكمال تعليمي الجامعي، وشراء سيارة لي على أن أبقى زوجة له، لادراكهم ان طلاقي سيذيع امر مرضه، ولن تقبل بعدها اي واحدة بالزواج منه".

وذات يوم، وقع المحذور حين اعترت زوج نادية نوبة غضب هستيرية انهال معها بالضرب المبرح عليها، ما تسبب باصابات نقلت اثرها الى المستشفى، وهي الحادثة التي قالت انها جعلتها تحسم امرها وتطلب الطلاق، مبينة انه انصاع لرغبتها خشية تبعات جريمته، ورافقها مع والده في اليوم التالي الى المحكمة الشرعية ومنحها الطلاق الذي معه "انتهى الكابوس"

طفح الكيل

وان كانت معاناة نادية لم تدم طويلا، الا ان هناء البالغة 36 عاما، عايشت اضعافها على مدى 15 سنة من زواج رزقت خلاله بخمسة من الابناء، والذين تقاسموا معها الوانا من العذاب والمهانة على يد ابيهم المختل نفسيا.

والصادم في قصة هناء التي تزوجت مبكرا عندما كانت في الخامسة عشرة من العمر، وتطلقت قبل اربع سنوات، ان اباها كان يعلم بامر مرض زوجها، لكنه اخفى عنها ذلك اكراما لصلة القربى مع اهله.

وتروي المرأة القصة قائلة "كان والدي، وهو متزوج من امراة ثانية، صارما جدا معي ومع امي ومنقادا لزوجته، وقد أعطى الموافقة على زواجي بايعاز منها، ولم يكن لي ولا لوالدتي كلمة او رأي، وبعد الزواج اكتشفت انه كان مريضا نفسيا، وانهم اخفوا الحقيقة عني".

وتضيف متحدثة عن زوجها "كان يضربني ويهينني باستمرار، وحتى أمام الناس، ويغلق باب المنزل علي، ويأخذ المفتاح معه، ليضمن أنني لن اتحدث مع أهله أو أكلم أحدا من اهلي، وكنت احاول ارضاءه بأية وسيلة، ولا اراجعه في اي امر لخشيتي من سوء العاقبة".

وتؤكد هناء ان خوفها من زوجها السابق والذي يكبرها بست سنوات، بلغ حد تصورها لوجوده بجانبها وهو خارج المنزل، الامر الذي كان يمنعها حتى من الاتصال بأمها لتشكو حالها "كنت أتخيله سيشاهدني بل وسيسمعني ان تحدثت عنه بسوء".

وتصف تاثير هذه المعاملة عليها، مؤكدة انها تسببت لها بما يشبه البلادة العاطفية "بلغ الحال معي حدا لو اخبروني معه ان شخصا عزيزا توفي، اتلقى الخبر ببرود ولا ينتابني حزن او مشاعر من اي نوع، وصلت مرحلة كنت فيها بلا احساس ولا شعور. وحتى استطيع احتمال المعاناة المتزايدة، كنت الجأ الى التسرية عن نفسي بقراءة القرآن والاكثار من الدعاء".

بعد اربع سنوات من الزواج كانت هذه المرأة ترزق باول الابناء، ومع تواترهم، باتت تلمس غياب حس المسؤولية لديه تجاههم، وتعامله معهم كانما هو نفسه طفل، ثم طرأ تحول غريب على طباعه، حيث بات مسكونا بوسواس النظافة.

وتوضح "كان يجبرني على غسل الولد اذا ما شاهده يحبو على الارض، ويرغمني على تغيير ملابسي والاستحمام لمجرد مصافحتي اي شخص، وبات لعبه مع اولادنا غير طبيعي وعنيفا، ثم صرت اشعر انهم تغيروا نحو الاسوأ، حتى في المدرسة كانت تستدعيني المرشدة لتخبرني عن ملاحظتها شرود ذهنهم وهم في الغرف الصفية".

وتتابع هناء قائلة "كنت اصمت واحتمل كل ما يفعله بي، ولكن الكيل طفح عندما تجاوز الامر الى ابنائي، حيث حزمت امري وقررت الانفصال عنه، وأنا الآن أتحمل مسؤولية أولادي كأب وأم، وأعمل وانفق عليهم، وقد استعدت الان كرامتي واحترامي لنفسي وامام الآخرين، بعدما كنت عند زوجي مجرد لا شيء".

المرأة الاكثر تضررا 

من جانبها، توضح الاخصائية النفسية في مركز التوعية والارشاد الاسري مها درويش، ان المرض النفسي هو تعبير عن "معاناة وقلق وتوتر واستجابة عالية لدي الشخص للضغط الحياتي أكثر من الناس العاديين، لكن حياته تبدو طبيعية للناس البعيدين عنه، حيث يذهب الى عمله ويمارس حياته ويُنتج، لكن مع وجود المعاناة".

وقالت ان المرض النفسي يكون بخلاف العقلي الذي "تستحيل معه الحياة الأسرية والزوجية بشكل اعتيادي، حتى مع تناوله للدواء".

واعتبرت درويش انه "ليس بالضرورة ان تكون المرأة هي الحلقة الأضعف في حال كان الزوج مريضا نفسيا، لكنها الأكثر تضررا"، مبينة ان "الحالات التي تصل الى الاستشارة النفسية في المركز، عادةً هي التي تفوق قدرة المرأة على الإحتمال، وكونها لجأت الاستشارة، فهذا يعني انها بلغت مرحلة لم تعد تحتمل معها المزيد".

وفيما تتحدث دراسات أكاديمية عن معاناة ما نسبته 12 الى 20 % من الأردنيين من اضطرابات نفسية، أي ما يعادل نحو مليون و750 ألف مواطن، الا ان درويش شككت بهذه الارقام، مؤكدة انه "ليست لدينا إحصائية رسمية حول الأمراض النفسية في عالمنا العربي، لأنه ليس كل مَن يعاني من المرض النفسي أوالعقلي يذهب للعلاج او يلجأ للأخصائي النفسي".

وعزت إحجام المرضى عن مراجعة الأخصائيين إلى "قلة الوعي بالامراض النفسية، حيث يعتقد المصاب ان ما يعاني منه هو مجرد سلوك وربما سوء خُلُق وطباع، ولا يخطر بباله انه مرض يحتاج إلى المتابعة"، مشددة على ان تأثير مرض الزوج النفسي لا يقتصر على الزوجة بل يتعدى الى الأبناء.

وقالت "عدا عن احتمال الوراثة، وهو امر وارد بشكل كبير في حالتي المرض العقلي والنفسي، هناك المعاناة الطويلة للاطفال والشعور بانعدام الامن نتيجة معايشتهم للصراخ المستمر والأوهام والهلوسات التي قد تعتري الاب المريض، وتدفعه الى احيانا لممارسة العنف بحق الام امامهم، او بحقهم هم ايضا".

ورأت ان "هذا بالتالي يخلق لدى الاطفال معاناة نفسية تترجم على شكل تأخر دراسي، أو تبول لا إرادي، وعدم ثقة بالنفس، وضعف في الحياة والانشطة الاجتماعية بسبب انعزال الأسرة، فضلا عن اشكال اخرى من الاضطرابات الانفعالية التي يصبح الاطفال معها بحاجة الى متابعة من قبل الأخصائي النفسي".

وانتقدت درويش استعانة بعض الزوجات بالمشعوذين ظنا ان ما يعانيه الزوج سببه امور غيبية، ووجهت نصيحة اليهن "بالتوجه الى الاستشارة النفسية وعدم الأخذ بالآراء التي تعتمد على الشعوذة والجن والقضايا التي تربط الأعراض بالقوى الغيبية والسحر والشعوذة، وتضيع عليهن فرصة متابعة العلاج في بداية ظهور الحالة لدى الزوج".

كما دعت درويش الى ايجاد قاعدة بيانات في المحاكم الشرعية تكون مرتبطة مع العيادات النفسية وتتيح لاهالي الفتيات والخاطبين على السواء، التاكد من عدم وجود ملف او سيرة مرضية نفسية لاي منهما تعيق الحياة الزوجية.

واشارت الى ان مركز التوعية والارشاد "مرت عليه حالات كان لدى المريض العقلي فيها ملف طبي يمتد لعشرين سنة، وتقدم لأسرة فتاة بعدما اخفى هذه المعلومة عنهم، وبالتالي وقع المحذور، وجرى تزويج الفتاة بطريقة التدليس".

وبينما يعتبر فقهاء ان اخفاء مثل المرض النفسي الذي يؤثر على المسار الطبيعي للحياة الزوجية، نوعا من التدليس الذي يتيح للزوجة طلب فسخ عقد الزواج، الا ان فقهاء اخرين يرون ان الامر يكون مقتصرا فقط على الامراض النفسية  التي تنفر منها ‏الطباع عرفا؛ كالجنون الدائم أو الجنون المتقطع أو الصرع، أو المعدية طبا، أو التي تعيق المعاشرة الزوجية.

أضف تعليقك