مهنة "الاسكافي" في الزرقاء بين مطرقة الدخلاء وسندان الاحذية الصينية

مهنة "الاسكافي" في الزرقاء بين مطرقة الدخلاء وسندان الاحذية الصينية

 

 

على مدى سنوات ظلت مهنة الاسكافي في الزرقاء في منأى عن الهزات التي عصفت بالمهن التقليدية الاخرى وازالت بعضها عن خارطة المدينة، لكن ارباب هذه المهنة يحذرون من انها باتت اليوم امام خطرين يهددان جديا باندثارها.

 

ويتمثل اول هذين الخطرين- بحسبهم- في تزايد اعداد ممتهني حرفة الاسكافي ممن لا يتقنونها، او حتى لا علاقة لهم بها، فيما يكمن الثاني في غزو الاحذية الصينية الرخيصة للاسواق، وما تبع ذلك من تراجع حاد في اعداد الزبائن.

 

ويقول محمد عطية الذي ورث المهنة عن ابيه ويعمل فيها منذ نحو ثلاثين عاما، ان عدد محلات الاسكافية في المدينة لم يكن يتجاوز اصابع اليد الواحدة في ثمانينيات القرن الماضي، بينما اصبح الان يناهز الخمسين.

 

ويؤكد عطية ان معظم اصحاب تلك المحلات ليسوا سوى "دخلاء" على المهنة، ولم يحترفوها بدافع الرغبة والشغف كما حاله هو، بل لمجرد الاسترزاق، ولاستسهالهم افتتاح محل لاصلاح الاحذية، حيث انه لا يتطلب معدات كثيرة او مكلفة.

 

ويوضح ان بعضهم عبارة عن متقاعدين حكوميين، وهم لا يؤدون العمل بانفسهم، بل يلجأ الواحد منهم الى استخدام "شغيل"، والذي بدوره لا يكون متمكنا، وفي أحسن الاحوال هو مجرد هاو لا يعطي المهنة حقها، مما يجعل عمله غير مرض للزبائن.

 

ولا يخفي عطية استغرابه لهذا لاقبال الذي يراه كبيرا على المهنة برغم انها لا تدر دخلا وفيرا كما بعض المهن الاخرى.

 

وعادة لا تقتصر مهنة الاسكافي على اصلاح الاحذية بل يستتبعها الحقائب الجلدية بانواعها، سواء المدرسية او النسائية.

 

وعلى مدى التاريخ، كانت صورة الاسكافي مرتبطة بالرجل الطيب الذي يعمل بصمت ورضا نفس، ولا يروم من حرفته اكثر من دراهم تكفي اهل بيته ابسط متطلبات العيش.

 

وعطية لا يشذ عن هذا النمط كما يبدو، حيث تلمس في حديثه حبا وتعلقا بمهنته التي يصفها بانها "اذا لم تغنك، فهي تسترك".

 

وبينما كانت الرغبة هي دافعه الى تعلم المهنة من والده ذي الاصول الشامية، والذي بدوره ورثها عن ابيه، الا ان عطية لا يتوقع انتقالها منه الى ابنه الوحيد ، حيث ان الاخير لا يبدي ميلا لتعلمها او احترافها.

 

وعن ذلك يقول "الاصل في عمل الاسكافي هو حب المهنة، وهذا الحب ينمو كهواية من الهوايات، ولا اعتقد ان ابني يمتلك نواة هذه الهواية".

 

ويوضح ان سبب عزوف ابنه هو رغبته في متابعة تعليمه الاكاديمي، وليس خجلا من المهنة التي يؤكد انها "شريفة لا يعيبها شئ"، كما يرى انها تحظى باحترام الناس هذه الايام، وبعكس ما كان سائدا قديما، حيث كان يعاب على الرجل عمله اسكافيا.

 

غزو الصيني

اضافة الى الشكوى من دخلاء المهنة، فان لدى عطية وغيره من اسكافية المدينة المخضرمين، شكوى مريرة اخرى مردهها تراجع اعمالهم نتيجة غزو الاحذية الصينية الرخيصة للاسواق.

 

ويوضح "المعروف عن المنتج الصيني انه رخيص، وهذا يغري الناس باستبداله عندما يتلف بدلا من تكبد كلفة اصلاحه، بينما كانوا سابقا يهتمون بشراء الاحذية الجيدة، والتي هي بالطبع مرتفعة الثمن".

 

واضاف ان الانكى من ذلك هو ان المواد الاولية التي تدخل في عمليات اصلاح الاحذية اصبحت هي الاخرى صينية المنشأ، خصوصا بعدما توقف استيرادها من سوريا، والتي كانت مصدرها الرئيسي.

 

واشار الى ان استخدام المواد الصينية الرديئة ادى بالتالي الى تدني جودة اصلاح الاحذية وتراجع ثقة الزبائن.

 

واجمالا، يعتبر عطية ان اغراق الاسواق بالاحذية الصينية وتوابعها وجه "ضربة" قوية لمهنة الاسكافي في الزرقاء.

 

ومن جانبه، يؤكد اسكافي اخر هو حمزة الشجراوي (27 عاما) ان اجتياح المنتجا الصيني كان سببا رئيسا في اجهاض حلمه في امتلاك مشغل لانتاج الاحذية.

 

وقال الشجراوي انه كان قد التحق في احدى دورات الاكاديمية الاردنية للصناعات الجلدية تمهيدا لتحقيق ذلك الحلم، لكن عدم توفر راس المال وركود سوق الاحذية المحلية نتيجة منافسة الصينية، جعله يعيد حساباته بصورة جذرية.

 

واضاف انه عمد بداية الى العمل في تجارة الاحذية المحلية، ولكنه سرعان ما تخلى عنها بعدما تبين انها غير مجدية، وايضا جراء منافسة المنتج الصيني، وفي نهاية المطاف قرر تعلم مهنة الاسكافي التي مضى على ممارسته لها الان اربعة اشهر.

 

اما الاسكافي سامر عبدالفتاح الذي يعمل في المهنة منذ 45 عاما، فأشار الى مشاكل اخرى يعاني منها الاسكافية، وفي مقدمتها اجور المحلات، والتي ارتفعت بحدة اثر اقرار قانون المالكين والمستاجرين الجديد، والذي وصفه بانه "ظالم جدا".

 

وقال عبدالفتاح الذي ورث المهنة عن ابيه وجده من قبله، ان الاجرة السنوية لمحله اصبحت تتجاوز ثلاثة الاف دينار بعد نفاذ القانون، معتبرا ان "الاثم سيلحق بكل من وقّع عليه، لأنه تقلد خطية الناس الذين هم من الطبقة الكادحة".

 

واضاف ان "مالك العقار اصبح يقاسمنا لقمتنا بنسبة 50 بالمئة".

 

كما شكا عبدالفتاح من مفاصلة (مساومة) الزبائن على الاجرة وسعيهم الدائم الى التقليل منها، متجاهلين حقيقة ارتفاع اسعار المواد الاولية التي تدخل في عملية اصلاح الاحذية كما يقول.

 

واوضح "نحن الاسكافيون لا نبتغي من وراء هذه المهنة الا الستر. والزبون لا يعرف أن المواد الأولية ارتفعت أسعارها ارتفاعا جنونيا حتى ان سعر دزينة النصف نعل التي كنا نشتريها بدينار بالجملة قفز الان الى اكثر من أربعة دنانير".

 

 

 

أضف تعليقك