مصطفى..انتحر هربا من اضطهاد زملائه في المدرسة!

مصطفى..انتحر هربا من اضطهاد زملائه في المدرسة!
الرابط المختصر

كانت الساعة قد جاوزت الرابعة عصرا عندما فزعت الام على صراخ ابنها يزن ذي الاربعة عشر عاما في الحجرة المجاورة في منزلهم بالزرقاء الجديدة، وما ان دخلتها حتى وقع بصرها على مشهد يجمد الدم في العروق.

كان يزن يحمل جسد اخيه الاصغر مصطفى ابو عشيبة ابن الثماني سنوات الذي بدا بلا حراك وقد تعلق من رقبته النحيلة بحزام مربوط الى مشجب خزانة الملابس.

حتى الان لا تزال الام غير مصدقة ما حصل لمصطفى الذي كثيرا ما كان يخبرها ان لديه سرا، وحين كانت تساله عنه يحجم عن كشفه متذرعا برغبته في الا يزعجها.

"كان كتوما" كما تصفه، وربما هذا ما اسهم في جعلها غير مدركة لحقيقة ان ما جرى كان ناجما بشكل او باخر عما يلقاه من اضطهاد على يد زملائه المتنمرين في مدرسة "مؤتة الأساسية المختلطة".

كان هؤلاء قد جعلوا منه مثارا للسخرية بسبب يده اليمنى التي خلقت بلا اصابع، وتمادوا في اذلاله وايذائه كما يخبرنا بعض اخوته وزملائه وعاملة في هذه المدرسة الحكومية.

لم ينفكوا عن مناداته "ابو ايد مقطوعة"، وكثيرا ما ربطوه بحبل من يده وجروه متضاحكين في ساحة المدرسة، واحيانا كانوا يحاصرونه في الحمامات ويتعمدون ضرب تلك اليد بالمغسلة او الحنفية!

الام تؤكد ان مصطفى لم يسبق ان شكا او اخبرها بشئ من كل ذلك، وانها لم تكن في صورة ما يكابده من الاضطهاد والعذاب.

وبدا من حديثها انها كانت الى حد بعيد مطمئنة الى ان ابنها يعيش حياة طبيعية في المدرسة بعدما تعلم التاقلم مع تشوه يده.

وقالت "حرصت على ان افهمه منذ بدأ يعي على الدنيا ان يده هكذا لان هذه هي ارادة رب العالمين، وانه لا يعاني من اية اعاقة، وكل ما في الامر انه ولد واحدى يديه بلا اصابع".

واضافت ان ما زاد في اطمئنانها على وضعه هو وحود اخته ملاك التي تكبره في نفس الفترة معه في المدرسة، وهي التي انتقلت اخيرا الى فترة ثانية بعد ترفيعها الى الصف الخامس.

وتؤكد الام انها واظبت على متابعة احوال ابنها في المدرسة خصوصا خلال السنتين الاوليين، ولم تكن هناك ملاحظات بشأنه من المعلمات سوى اشارتهن الى انه "حرك جدا".

غير انها اقرت بتوقفها عن المتابعة في الاونة الاخيرة تحت ضغط انشغالها بابنة تعاني مرض التحسس، وايضا نتيجة الاعباء المترتبة عن دوام بعض اخوته في الفترة الصباحية في المدارس والبعض الاخر في الفترة المسائية.

وقالت بنبرة معتذرة ومستسلمة "كل هذا عطلني عن السؤال عنه".

موقف مخيف

في عصر اليوم قبل الاخير من العام المنقضي 2013، وهو اليوم الذي شهد الحادثة المفجعة، كان كل شئ يسير بشكل معتاد في المنزل، اللهم سوى من بعض التغير في مزاج مصطفى، وهو ما عزته الام في حينه الى توتر الامتحانات.

وتقول"كان قبلها بيومين يبدو انفعاليا وعدوانيا جدا. وكانت فترة امتحانات".

وتضيف عن يوم الحادثة "كان مقررا أن يقدم امتحان التربية الاسلامية في اليوم التالي، فجلست أدرسه. وبعد الدرس الرابع ضجر وتذمر ورفض المتابعة..فطلبت منه الذهاب الى حجرته بعدما حددت له الأسطر المهمة التي عليه مذاكرتها في الكتاب".

 وتتابع قلت له ان يدرس لوحده، وان لم يشأ فليرتب غرفته، او ليخلد الى النوم اذا اراد".

وبعد وقت قصير، طلبت الام من اخيه الاكبر يزن ان يتفقده ليرى ماذا يفعل او ما اذا كان قد نام.

وتقول "وما هي الا لحظات حتى صرخ يزن يناديني، فدخلت الى الغرفة لارى مصطفى معلقا بحزام من رقبته في الخزانة. فصعقت.. كان الموقف مخيفا جدا".

وتضيف "كان يزن يحمله، فسارعت الى فك الحزام الذي كان مشدودا على رقبته، وحملته بدوري وحاولت ايقاظه وانا اناديه: يا مصطفى يا مصطفى، لكنه لم يرد ولم يبد اي تجاوب وكان جسمه مرتخيا".

وانهلت دموعها وهي تروي المشاهد اللاحقة "اتصلت بأبيه لكن هاتفه كان مشغولا، فحملته واسرعت الى الشارع الذي كان شبه خال، وكانت الساعة حينها نحو الرابعة والنصف..وحاولت الاستعانة بجيراننا ممن لديهم سيارات لكن اغلبهم كانوا في دوامهم".

ولم يطل الامر حتى كان احدهم يتوقف بسيارته بعدما راها وابنها على هذه الحال، فتطوع بايصالهما الى مستشفى الزرقاء الحكومي.

وتقول الام "هناك قاموا بعمل اسعاف فوري وانعاش للقلب، واخبروني انه سيجتاز الخطر خلال ساعتين، وكان ابوه واقرباؤه قد حضروا حينها، وبعد طول انتظار طلبوا مني ان اعود الى المنزل، وطمأنوني الى انه سيكون بخير في اليوم التالي، وقالوا: ستجدينه مستيقظا وستطعمينه فطوره بيديك".

أغمضت عينيها وصمتت برهة ثم قالت والالم يعتصرها "في الساعة الرابعة فجرا أخبرونا انه توفي".

واضافت وهي تلتقط انفاسها "الله يرضى عليه ويسامحه..لله ما أعطى ولله ما أخذ، وانا على قناعة أنه الآن مسرور ومرتاح كثيرا، والحمد لله رب العالمين".

وحسب تصريحات صحفية لمصادر طبية وامنية، فقد تبين من التشريح ان سبب وفاة مصطفى هو الاختناق الناجم عن واقعة انتحار.

كأنه حلم!

يزن الذي كان اول من شاهد اخاه مصطفى متدليا بالحزام من علاقة خزانة الملابس، يشبه احداث ذلك اليوم بانها بدت له وكانها تحصل في حلم وليس في الحقيقة.

وقال يزن وهو في الصف التاسع "دخلت الغرفة ورأيته والحزام حول رقبته، فحملته..كان الامر يبدو كما لو كان في حلم وليس حقيقيا..لغاية الآن لا اصدق ان مصطفى توفي.".

واضاف "كنا اكثر من مجرد اخوة، وكان يشكو لي باستمرار من سخرية الطلبة. وظهر يوم الحادثة قال لي ان أولاد المدرسة لا يكفون عن مناداتي بأبو ايد مقطوعة، فما كان مني الا ان وعدته بالذهاب الى المدرسة في اليوم التالي".

ويصف الاب عادل ابو عشيبة  ما جرى مع ابنه مصطفى بانه فجيعة.

ووجه نداء الى اهالي الطلبة من اجل " أن يعلموا ابناءهم إن هم رأوا طفلا معاقا ان لا يؤذوه بل يعطفوا عليه ويساعدوه ويكرموه ويحاولوا مصادقته لا ان يقابلوه بالتعيير والشتم".

وقال ابو عشيبة ان "الإعاقة الوحيدة هي في يد مصطفى اليمنى حيث لا يوجد اصابع في كفها" مؤكدا انه "كان يتمتع بذكاء سابق لعمره وبدرجة استيعاب جيدة مئة بالمئة، ولكن نحن في مجتمع لا يرحم".

وتابع قائلا ان مصطفى "لم يكن يشكو من شئ،.لأنني عودته على الشجاعة من صغره". لكن الاب اقر ان ما كان يلقاه ابنه "كان يحز في نفسه" وتوقع انه "كان خائفا من أن يشكو فيخيب ظني".

وتؤكد ملاك اخت مصطفى التي كانت معه حتى وقت قريب في نفس الفترة في المدرسة ان هناك طلابا كانوا يتسلطون عليه ويسيئون اليه بدنيا ونفسيا، وبشكل مستمر.

وتقول "كانوا يسخرون من يده، وكان أحدهم  يضربه باستمرار، وعندما أسأله كان يدعي بأن مصطفى هو البادئ بالضرب، لكنني كنت اؤكد له ان هذا غير صحيح لان اخي لا يستطيع ضرب احد بسبب يد ه وهو لا يؤذي احدا".

وتضيف "وأحيانا يحصل أثناء لعبنا مع الأصدقاء ان يعتدي عليه احدهم وينعته -ابو ايد مقطوعة- ،، فكنت ارد بان الله خلقه هكذا ولا يد لنا في الامر، ولو خلقك الله على هذه الحال فماذا كنت ستفعل؟".

وبكت ملاك بحرقة وقالت "كان صاحبي ونلعب معا باستمرار، والان فقدته..كان يطلب مني في كل يوم ان اقص عليه حكاية، كان يحب سماع صوتي وينام عليه..لقد احب كثيرا قصة الحصان الابيض...".

يضربون يده بالحنفية!!

تروي طالبة في نفس مدرسة مصطفى بعض ما كان يتعرض له من عنف، وتقول "كان الأولاد يسخرون منه ويضربون يده بالحنفية، وحتى البنات كن يشاركن في ضربه والسخرية منه بسبب يده".

ونفت بشدة ما تردد على لسان موظفة في المدرسة من ان مصطفى كان يستفز زملاءه فيضربوه بسبب قيامه بتخويف البنات بيده المشوهة.

وقالت الطالبة التي كانت تتحدث بحضور والدتها "لا لم يكن يخوف البنات، بل هن كن يسخرن منه حتى يبكي، ولم تكن اي من المعلمات تتدخل، وهو ايضا كان يخجل من الشكوى لهن".

وتقول ام احمد والدة هذه الطالبة ان ابنتها كانت تخبرها باستمرار بما يتعرض له مصطفى، وكيف كان زملاؤه يضربون يده بمغسلة الحمام ويسخرون منه.

وتضيف "كنت اطلب منها ان تدافع عنه لانها اكبر منه سنا، لكنها تجد ذلك صعبا لان المعتدين هم من الاولاد وهي لا تستطيع ردهم".

وحملت ام احمد المدرسة جزءا من المسؤولية عما حصل لمصطفى معتبرة ان هناك تقصيرا واضحا من ادارتها.

وعند محاولتنا الحصول على رد ادارة المدرسة بشأن ما كان يحصل لمصطفى، قوبلنا برفضها التصريح.

الا ان عاملة هناك اخبرتنا ان ما كان يتعرض له مصطفى لم يكن كله في الخفاء وبعيدا عن الاعين، حيث حصل في احدى المرات ان قام طلبة بربط مصطفى من يده وجره في ساحة المدرسة وهم يمطرونه بالتعليقات الساخرة.

ولدى مراجعة مديرية التربية الاولى، فوجئنا بنفي المسؤولين هناك علمهم بالحادثة، ورد احدهم معتبرا ان المديرية لا علاقة لها بالامر ما دامت الواقعة حصلت خارج المدرسة.

وزاد الموظف الذي فضل عدم ذكر اسمه بان القى اللوم على الاهل الذين اتهمهم بالتقصير بسبب عدم تقديمهم شكوى رسمية الى ادارة المدرسة بشأن ما يزعمون من تعرض ابنهم للايذاء.

وقال انه كان من المفترض ان يتقدم الاهل بشكوى بحق الطلبة المتنمرين، واذا لم تتخذ المدرسة إجراء فعندها يحق لهم مراجعة مديرية التربية لتقديم شكوى ضد المدرسة.

ظاهرة التنمر

لا يوجد توصيف في القانون لجريمة او جنحة او حتى جناية تحت اسم "التنمر" وخصوصا في المدارس كما يؤكد المحامي لؤي الشريف.

على ان التنمر التنمر يعرف بشكل عام على أنه  شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف من الناحية الجسدية على الاغلب.

وتؤكد أخصائية إجتماعية فضلت عدم ذكر اسمها ان التنمر منتشر في جميع المدارس حتى في مدارس البنات، لكنه يكون بصورة اوضح في مدارس الأولاد.

وتقول ان المتنمرين يستهدفون في العادة الطلبة الانطوائيين والخجولين او الذين يعانون اعاقة ما او نوعا من التأتأة، او حتى تاخرا في الاستيعاب الدراسي.

وتشير الى ان ضحايا المتنمرين تتطور لديهم حالة من الكراهية للمدرسة بسبب ما يلقونه فيها من اهانات واعتداءات.

وفي المقابل، تقول هذه الاخصائية ان الطالب المتنمر يكون على الاغلب شخصا يعاني من نقص نتيجة الضغوط او التعرض الى الاعتداء في بيته، فيلجأ الى تفريغ طاقته في المدرسة.

 وحتى لا تتكرر مأساة مصطفى قالت ان "علينا أن نزيد الوعي في المدارس عبر عقد اجتماعات مكثفة لمعلمي ومعلمات الصفوف الثلاث الأولى لأن شخصية الطفل تتشكل تقريبا بعمر الست سنوات، الى جانب عقد دورات مكثفة للمعلمين والمرشدين حول كيفية التعامل مع من هم في هذه المرحلة العمرية".