مسيحيو الموصل الفارون الى الزرقاء يروون فظائع "داعش"

مسيحيو الموصل الفارون الى الزرقاء يروون فظائع "داعش"
الرابط المختصر

مسيحيو الموصل الفارون الى الزرقاء يروون فظائع "داعش"
"يذبحون الرجل في الشارع كما لو انه طير او دجاجة ويخطفون الاطفال من امهاتهم"
"اجبروا النساء على ارتداء النقاب واستولوا على البيوت وفجروا المساجد والكنائس"

يفجرون المساجد قبل الكنائس، ويخطفون الاطفال من احضان امهاتهم، ويذبحون الرجال في الشوارع بدم بارد، كما لو انهم يذبحون دجاجة!

تلك كانت مشاهد من الفظائع التي يرتكبها تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في مدينة الموصل العراقية، كما يرويها مسيحيون من ابنائها ممن فروا الى الزرقاء غداة استيلاء التنظيم على مدينتهم في حزيران الماضي.

ولدى سيطرته على الموصل، ثاني اكبر مدن العراق، عمد التنظيم الى تخيير مسيحييها بين “اعتناق الإسلام” أو دفع الجزية، مهددا بأنهم "إن أبوا ذلك فليس لهم إلا السيف"، ثم عاد في تموز وأمهلهم ساعات لمغادرتها وإلا سيكون مصيرهم القتل.

وقد أجبر ذلك معظمهم على الفرار إلى كردستان العراق، ومن هناك لجأ نحو 800 منهم الى المملكة، كما يبين سعيد عويس المسؤول في جمعية كاريتاس الخيرية التي تولت عمليات ايوائهم بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية في الاردن.

وقال عويس انه جرى ايواء 45 من مسيحيي الموصل اللاجئين، وبينهم نساء واطفال، في كنيسة الكاثوليك (الحي الشمالي)، و47 في كنيسة مار يوسف في منطقة الزرقاء الجديدة، متوقعا ان يرتفع العدد في هذه الكنيسة الى 56.

واضاف ان "البحث جار حاليا عن أماكن أخرى آمنة لأخواننا العراقيين لأن الأعداد في تزايد".

وتابع عويس ان "جمعية كاريتاس تتكفل بالاخوة العراقيين من لحظة وصولهم الى المطار (قادمين من اربيل عاصمة كردستان)، وستواصل هذا الدور حتى يرجع الأمن والأمان في العراق وخاصة في الموصل".

وقال ان الجمعية تعمل على تسجيلهم فور وصولهم لدى مفوضية الامم المتحدة للاجئين حتى يتمتعوا بالحقوق والخدمات التي تقدمها هذه الهيئة الدولية، مضيفا انه سيجري في الايام المقبلة الحاق ابنائهم الطلبة في المدرسة البطريركية اللاتينية.

ويعد التسجيل لدى المفوضية بالنسبة لكثير من هؤلاء خطوة اساسية على طريق الهجرة الى بلد ثالث قد يكون اوروبيا او اميركيا، لكن امد تحقق ذلك ربما يقصر او يطول تبعا لمتغيرات عديدة من بينها استعداد تلك البلدان لاستقبالهم.

وخلال العقدين الماضيين، غادر نحو 70 بالمئة من مسيحيي العراق بلدهم جراء الحروب والنزاعات المتتالية، ليتقلص عددهم بذلك من ميلون الى حوالي 300 الف فقط.

ومع استيلاء تنظيم داعش على الموصل وتمدده بعدها إلى باقي القرى والبلدات المسيحية المجاورة في سهل نينوى، فر نحو 200 الف من هؤلاء الى كردستان، تاركين مدينتهم التي كانت تحتضن 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها الى 1500 سنة.

قتل بدم بارد
في مركز الكاريتاس في كنيسة الروم الكاثوليك، والذي قسمت قاعاته الى حجرات صغيرة تؤوي كل منها مجموعة من اللاجئين وتفصل بينها قواطع خشبية بسيطة، جلس (ج) يحدثنا بمرارة عن فظائع "داعش" التي اجبرته واسرته على النزوح عن الموصل فرارا بحياتهم.

وقال الرجل الذي لجأ الى الاردن مع زوجته وابنته "تركنا وراءنا بيوتنا ومتاعنا، استولى (داعش) عليها كلها".

واضاف "كل ما تسمعونه عن (مسلحي داعش) صحيح، انهم يقتلون الرجل كما لو انه طير او دجاجة، ويذبحون الناس بلا سبب، وينتهكون الاعراض ويخربون البلد".

ومضى (ج) قائلا "عندما جاءوا لم يكن امامنا الا الهرب، لاننا لم نأمن على انفسنا، خاصة مع مشاهدتنا لما كان يحل بالمسيحيين في سوريا وغيرها.. هربنا قبل ان يصلوا الينا".

وتابع "علمنا من جماعتنا هناك انهم (داعش) نهبوا كل ما في البيت.. وهكذا، ضاع كل شيء، ذكرياتنا وحتى ابسط شئ وهو صورنا، ثم كتبوا على البيت: املاك الدولة الاسلامية، اضافة الى حرف (ن) الذي يرمز الى ان صاحبه نصراني".

وبينما نجح هو واسرته الصغيرة في الانتقال من كردستان الى الاردن، الا ان والديه اللذين فرا الى هناك ايضا، لا يزالان في انتظار فرصة للمغادرة الى خارج العراق.

وقال (ج) بأسى "انهما ينتظران فرصة للخروج من هذا البلد الذي اشبعنا قهرا وضاع فيه كل ما بنيناه وتعبنا من اجله، حتى خرجنا منه بهذه الملابس التي علينا".

واضاف انهم حاليا يعدون الايام في انتظار ان تتاح لهم الهجرة الى بلد اوروبي حيث يستطيعون التمتع بالحرية والكرامة التي "سلبت" منهم في وطنهم الذي فقدوا الامل في "ان يتعافى ويعود للوقوف على قدميه مرة أخرى".

تحت جنح الظلام
ويروي لاجئون اخرون ممن انتهى بهم المطاف في كنيسة الكاثوليك في الزرقاء، كيف فروا من الموصل تحت جنح الظلام غداة دخول داعش اليها ليلة العاشر من حزيران الماضي، بعدما انسحب منها الجيش العراقي بطريقة مفاجئة لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض.

ومن هؤلاء ارملة فرت مع ولديها، والتي قالت "جاءتنا مكالمات عديدة في تلك الليلة تنصحننا بمغادرة منازلنا لان داعش دخل المدينة، وبالفعل غادرناها الى الحمدانية (جنوب شرق الموصل)، حيث امضينا هناك نحو يومين قبل ان نتوجه الى اقليم كردستان".

وأكـّدت هذه المراة أن جميع اقربائها "غادروا الموصل.ولم يبق منهم أحد هناك".

ومع بداية فرار المسيحيين من الموصل، شكل قضاء الحمدانية الذي كانت تسيطر عليه قوات البشمركة الكردية الملاذ الاول للكثيرين منهم، لكنه لم يلبث ان سقط هو الاخر في يدي "داعش" بعد ايام.

وشهد هذا القضاء بدوره ذات الفظائع التي ارتكبها التنظيم في الموصل، كما يقول اللاجئ (م) الذي كان شاهدا على اختطاف "داعش" لابنة عمه الطفلة التي لا يتجاوز عمرها العامين ونصف العام.

وروى (م) تفاصيل هذه الحادثة قائلا "اثناء فرار عائلة عمي من الحمدانية استوقفها مسلحو داعش ولما رأوا الطفلة انتزعوها من حضن امها، ورفضوا ارجاعها برغم توسلات والدتها، بل وهددوا الام بالقتل ان هي لم تغادر المكان".

واضاف "لغاية الآن تقيم عائلة عمي في اربيل ولا تعرف اي شيء عن ابنتها".

امان كاذب
ويسرد اللاجئ (ع) مشاهد بدا انها من الايام الاولى التي تلت سيطرة "داعش" على الموصل، ويقول ان التنظيم سعى الى طمأنة اهل المدينة غداة دخوله اليها، واعطاهم الامان بعدما اكد لهم ان خصومته ليست معهم، بل مع الحكومة العراقية.

لكن (ع) يؤكد ان ذلك لم يلبث ان تبدد عقب شروع التنظيم في تفجير المساجد والمقامات، ومنها مقام النبي يونس ، وبدئه في فرض النقاب على النساء سواء المسلمات او المسيحيات، واطلاقه حملة تكفير ولكل ما له علاقة بممارسات الناس الاعتيادية.

وقال انهم "كفروا حتى الحلاقين"، لان هذه المهنة بنظرهم تتعارض مع ما يرونه من وجوب اطالة الرجال لشعورهم.

ومن جانبه، يقول (و) "اجبرت نساؤنا على ارتداء الحجاب وكنا نتعرض للمضايقات وكانوا ينعتوننا بالكفار كما استولوا على بيتنا وكتبوا عليه: عقارات الدولة الاسلامية- ن".

وحتى قبل دخول "داعش"، كان مسيحيو المدينة عرضة لاعتداءات مسلحين يستهدفونهم بسبب ديانتهم، كما يؤكد (و) الذي قدم الى الاردن برفقة والدته واخته.

واحد ضحايا تلك الاعتداءات كان عما له في الخمسين من عمره، والذي قال انه "قتله شخصان امام بيته بسلاح مزود بكاتم للصوت، وعلى مرأى من دورية للشرطة العراقية كانت متمركزة على بعد مئتي متر، ولم تحرك ساكنا".

واضاف (و) "نحن في العراق كنا نعيش بلا كرامة، والوطن بدون كرامة يعد غربة، لذلك لم يعد لنا مكان هناك ونحن نبحث الآن عن بلد فيه استقرار".