مجالس عتبات البيوت والدكاكين.. طقس زرقاوي يقاوم الاندثار
ما ان تميل الشمس وتنكسر حدة الحرارة حتى تبدأ حلقات المسنين في التشكل عند عتبات البيوت والدكاكين في احياء الزرقاء الشعبية، وذلك في طقس يومي لا يزال مستمرا منذ اجيال.
بعض هذه الحلقات، او المجالس، لا يتجاوز عدد المجتمعين فيها اصابع اليد الواحدة، وبعضها الاخر قد يصل فيه العدد الى عشرة واكثر، وهم غالبا من اعمار متقاربة، وان كان ذلك لا يمنع ان يجلس معهم بين الحين والاخر شبان وفتية من ابنائهم.
وما يدور في هذه المجالس التي تستمر لساعات، يكون محوره احاديث الذكريات او نقاشات حول هموم يومية، ولا يخلو الامر من بعض الترفيه الذي يجدونه في لعبة سيجة او طاولة زهر.
وبين الحين والاخر، تعمد زوجة صاحب عتبة البيت الى اعداد ابريق من الشاي لزوم اكرام ضيوف عتبتهم، قبل ان تنطلق هي الاخرى لتلتحق بجلسة مماثلة تشكلها نساء من الحي امام عتبة احدى الجارات.
ويرى سمير غالي (ابو موسى)، وهو موظف متقاعد، ان هذه المجالس وان كانت لا تزال مستمرة منذ عقود، لكنها فقدت الكثير من بريقها في ظل التغير المتسارع الذي شهده مجتمع الحارات في السنوات الاخيرة.
وقال ان مجلسه الذي كان ينضم اليه سابقا عدد كبير من الجيران لم يعد يقصده الان اكثر من اربعة فقط، حيث يمضون الوقت في تداول احوال الدنيا واسترجاع ذكريات الايام الخالية.
وترحم ابو موسى على الزمن الذي كان فيه الجيران متآلفين وتجمعهم مثل هذه المجالس باستمرار، بينما الان يمر الجار من امام جاره وقد يلقي عليه السلام وربما لا يفعل، على حد تعبيره.
ومع تراجع اعداد مجالس الكبار وروادها، اخذت تتزايد ظاهرة تجمعات الشبان امام البيوت والدكاكين، وهو الامر الذي ينظر اليه ابو موسى بريبة وعدم ارتياح.
وعن ذلك يقول "جلسات الشبان تبدأ عادة بسيجارة وتنتهي باشياء اخرى، وانا مضى لي 35 عاما في هذه الحارة، وقد رأيت خلالها ما جرّته مثل هذه الجلسات على كثيرين منهم لانها بدون رقيب".
وخلافا لمجالس المسنين التي تتسم بالوقار والانضباط الاخلاقي، فان بعض تجمعات الشبان تشكل مصدرا للازعاج وكذلك للمضايقات التي يتعرض لها المارة وخصوصا النساء والفتيات.
وتؤكد علا وهبة تلك الحقيقة قائلة انها لا تزعجها مجالس الكبار او تسبب لها الحرج، بعكس مجالس الشبان وخصوصا تلك التي تتواجد امام الدكاكين.
واضافت انها كثيرا ما كانت تغير رأيها وتشتري من دكان بعيد بسبب تجمعات الشبان امام دكان حيها.
الشاب اسد نادر، يقول انه واصدقاؤه يدركون حقيقة الازعاج الذي يمكن ان تسببه جلسات الشبان في الاحياء، وبالتالي فهم يمضون جلساتهم اما في مقهى او على رصيف احد الشوارع التجارية خارج الحي، وخصوصا في ساعات الليل.
ويوضح اسد ان هذه الجلسات تضم بين عشرة وخمسة عشر شابا وتكون بمعدل مرة في الاسبوع، وهم يصطحبون معهم فيها الارجيلة احيانا الى جانب المكسرات والقهوة.
ويضيف، انهم قد يلعبون الشدة او يمضون الوقت في مناقشة مشاكلهم او حتى رواية النكت، ويستمرون على هذا المنوال ساعات قد تمتد حتى الفجر.
إستمع الآن