صبية في الثالثة عشرة تؤسس وتدير "مدرسة" بالمجان لاطفال مخيم الزرقاء

صبية في الثالثة عشرة تؤسس وتدير "مدرسة" بالمجان لاطفال مخيم الزرقاء
الرابط المختصر

عدد طلبتها خمسون ومعظمهم من ذوي الاعاقات وبطيئي التعلم والمتسربين من المدارس

بصعوبة، راحت الصبية ذات الثلاثة عشر عاما تشق طريقها وسط ضجيج باعة الملابس المستعملة المتكدسين عند مداخل صفوف مخيم الزرقاء، وهي تدفع امامها كرسيا متحركا جلس فيه طفل مقعد يصغرها في السن.

وعند ناصية احد الصفوف انعطفت به حتى دخلا بيتا متواضعا اجتمع في صالته نحو عشرين طفلا تتراوح اعمارهم بين السادسة والعاشرة، وبدا انهم كانوا ينتظرون وصولها بلهفة.

وسرعان ما كانت تركن كرسي الطفل بين الجمع الذين جلس بعضهم على كنبات عتيقة، بينما استقر اخرون في مقاعد ذات مناضد جرى ترتيبها وسط الصالة التي بدت تماما كما لو انها غرفة صفية في احدى المدارس.

كانت نيرمين الحسيني، وهي طالبة في الصف العاشر في مدرسة وكالة الغوث، قد حولت صالة البيت الذي يعود لجدتها الى مدرسة نذرتها لتعليم اطفال المخيم بالمجان، وخصوصا ذوي الاعاقات ومن يعانون بطئا او صعوبات في التعلم.

ومنذ انبثاقه قبل ثلاث سنوات، لاقى مشروع نيرمين تشجيعا ودعما من تجار ومحسنين قدموا لها المقاعد ولوح كتابة وجهاز حاسوب قديم، وبعض المستلزمات الاخرى.

تقول نيرمين التي انطلقت مبادرتها بخمسة عشر طالبا وطالبة، انها شعرت باحباط في البداية لان العدد لم يكن بحجم طموحها، حيث ان اهالي المخيم كانت تساورهم الشكوك حول جدوى المبادرة، وبالتالي لم يظهروا التعاون المتوقع.

لكن موقف الاهالي لم يلبث ان تبدل سريعا وبصورة ايجابية، وكان من نتيجة ذلك ان ارتفع عدد الطلبة في السنة الثانية الى25، ثم تضاعف في الثالثة واصبح يناهز الخمسين.

بعض الاهالي حثوا نيرمين على التوسع في المشروع وترخيصه والبحث له عن مكان اكبر، لكنها تقول انها آثرت الابقاء عليه ضمن نطاقه الحالي، حيث ان وضعها كطالبة على مقاعد الدراسة لا يسمح لها بذلك.

وهي حاليا تعقد حصتين في الاسبوع للطلبة، احداها يوم السبت وتخصصها لمن هم في مستوى الصف الاول وحتى الرابع، والثانية يوم الاربعاء وتستقبل فيها الطلبة من الخامس الى السابع.

تعليم وترفيه
عادة تبدأ الحصة الساعة الثانية بعد الظهر، ولا تتجاوز مدتها الساعة ونصف الساعة، وهي تستهلها باساسيات ومهارات تقوية في الرياضيات واللغتين العربية والانجليزية، وتخصص باقي الوقت لقراءة القرآن وبعض الانشطة والالعاب المفيدة.

وتقر نيرمين بان المشروع يؤثر الى حد ما على دراستها لكنها تقول انها تجتهد لتعويض ما يفوتها في ايام الخميس والجمعة.

وفي رمضان الماضي الذي تخلل العطلة المدرسية، كانت تعطي الدروس بصورة يومية، محولة بذلك مدرستها الصغيرة الى ما يشبه نادي العطلة الصيفي.

وقد تمكنت في ذلك الشهر من حشد حزمة انشطة ترفيهية للطلبة، من بينها رحلات اصطحبتهم فيها الى حفلات افطار تبرع بها محسنون، والى احد المولات التجارية في عمان وكذلك الى متحف الاطفال.

ويوفر محسنون مستلزمات الطلبة عادة، الا ان بعضها تشتريه نيرمين مما يتوفر من مصروفها الذي تدخره لهذه الغاية.

وتقول هذه الصبية انها كانت تشترط مرافقة اهالي الطلبة ذوي الاعاقة لابنائهم اثناء الرحلات، لانها لا تستطيع تحمل مسؤوليتهم في حال تعرضوا لاي حادث.

ولدى نيرمين خمسة طلبة من ذوي الاعاقات، وخمسة اخرون يعانون امراضا بينها الفشل الكلوي والشلل الدماغي، كما ان هناك عددا لا بأس به ممن يعانون بطئا في الاستيعاب ويرسلهم الاهالي اليها لحاجتهم الى من يذاكر لهم بعد المدرسة.

وذوو الاعاقة تحديدا هم السبب الرئيس الذي دفع نيرمين الى اطلاق مبادرتها كما تقول، حيث انهم محرومون من التعليم نتيجة رفض مراكز الرعاية استقبالهم، وعدم قدرة الاهالي على تسجيلهم في المراكز الخاصة لضيق ذات اليد.

ومن بين طلبتها ايضا اطفال هجروا المدرسة وباتوا يتسكعون في الطرقات او يعملون مع ابائهم في البيع على بسطات الخضار وغيرها في المخيم.

وفي بداية الحصة التي تابعتها "هنا الزرقاء"، كانت نيرمين قد نادت على طالبين، واهدت كلا منهما حقيبة تحتوي على بعض القرطاسية، وفهمنا منها ان ذلك جاء مكافأة لهما على قرارهما العودة الى المدرسة التي انقطعا عنها منذ مدة.

وقالت "تمكنت من اقناعهما بالعودة الى المدرسة، وقد كرمتهما لانهما عادا بالفعل، وهما طالبان في السابع والخامس".

واكدت انها نجحت سابقا في اعادة طالب من ذوي الاعاقة الى المدرسة، وان جهودها منصبة حاليا على طالبتين منقطعتين عن المدرسة نتيجة معاناتهما مما يعرف ب"الرهاب الاجتماعي".

ونيرمين، كما تخبرنا، لديها حلم للمستقبل تتمنى معه ان تتمكن من اكمال دراستها في تخصص تربية الطفل، وان تستطيع الادخار مع الطلبة لشراء بيت خاص بهم يدرسون فيه، وان تجد من يدعمها بباص تخصصه لتنقلاتهم ورحلاتهم.

شخصية مستقلة

كانت هذه الصبية قد اتخذت قرار البدء بمشروعها بكل استقلالية، حتى ان والدتها ام نور المحشي تقول انها لم تعلم بامره الا من الجارات.

واوضحت الام التي كان باديا شعورها برضا عميق عن مبادرة ابنتها "فوحئت بنساء المخيم يسألنني عن قصة تعليم الاطفال، ويبلغنني ان نيرمين زارتهن وعرضت عليهن ارسال ابنائهن اليها لتدريسهم".

وتابعت "اكدت لهن انني لا علم لي بما يجري، ووعدتهن باستيضاح الامر فور وصولي الى البيت، وبالفعل اكدت لي نيرمين انها اتخذت قرارا بتدريس الطلاب وبخاصة ذوي الاعاقة، واستخدمت منزل جدتها لهذه الغاية".

ولام نور اربعة ابناء هم ولدان وبنتان كبراهما نيرمين التي وصفتها بانها "قيادية"، وتمتاز عن اخوتها ب"جرأتها وقدرتها على تحمل المسؤولية".

وتحظى جهود نيرمين باشادة من اهالي الطلبة الذين تدرسهم، ومنهم ام حمزة طالب الصف الرابع الذي اقنعته بالعودة الى المدرسة.

وتقول ام حمزة "لم يكن يحب المدرسة وكان دائم التغيب عنها ولكنه رجع بإدارة نيرمين وهو الآن متشجع جدا للدراسة".

وتتشابه الحال مع ام محمد التي لديها بنت وابن معاقان حركيا وابنة اخرى سليمة، وجميعهم يدرسون عند نيرمين منذ ثلاث سنوات.

ومن جانبها، تثني الناشطة الإجتماعية ريم أبو بكر على نيرمين قائلة انها "استطاعت تحقيق هذا الانجاز برغم صغر سنها".

واضافت ابو بكر وهي مسؤولة في لجنة خدمات المخيم التي تعد من ابرز الداعمين لنيرمين ان "المميز في مبادرتها هو انها اهتمت بالأطفال ذوي الإعاقة، والذين حاول أولياؤهم تسجيلهم في أي جمعية ترعاهم إلا أن العديد من الجمعيات رفضتهم".

واضافت ان "مما أعجبني في المبادرة نيرمين انها احدى زهرات مخيم الزرقاء، وبالرغم من امكانياتها البسيطة جدا الا انها خرجت بمبادرة تخدم بها مجتمعها وتخدم بها أطفال المخيم"

واكدت ابو بكر ان تجربة نيرمين تعد دليلا على ان "اللاجيء الفلسطيني بشكل عام قادر على أن يصنع شيئا من لا شيء".

أضف تعليقك