الموت الجماعي يطارد السوريين حتى في متاهات اللجوء
استسلم اطفالها للنوم وقد تلاصقت اجسادهم طلبا للدفء في تلك الليلة قارسة البرودة من تشرين الثاني الماضي، ولم تلبث ان ذهبت هي الاخرى في اغفاءة دون ان تطفئ الشمعة التي اشعلتها لتنير خيمتهم الصغيرة القابعة في ساحة خالية في مدينة الظليل.
ولم يمض وقت طويل حتى كانت الام التي انتقلت حديثا مع ابنائها من مخيم الزعتري للاجئين السوريين الى هذه البقعة من الظليل، تفزع من اغفاءتها على صوت طرطقة النيران وهي تضطرم في ارجاء الخيمة.
كانت "حميرة الخزوم" فرت باطفالها الستة من سوريا الى الاردن بعد مقتل زوجها واقربائها كما تخبرنا، وانتهى بهم المطاف بادئ الامر في مخيم الزعتري في المفرق.
ولكنها تقول ان الظروف المعيشية القاسية في المخيم جعلتها تفر بهم من هناك ايضا.
وتوضح "الحياة في المخيم لا تطاق، ولم اكن اشعر انا وابنائي بالامان، كان البرد شديدا ومياه الامطار تداهم خيمتنا، وهو ما اضطرني الى الهرب بهم من اجل حمايتهم".
وتضيف حميرة بحرقة "بعت محتويات الخيمة حتى استطيع تدبر تكاليف خروجي بابنائي من المخيم، وجئت الى الظليل ونصبت خيمة فيها، وانتظرت بلا طائل ان تمتد الينا يد بالعون، وكل ما حصل ان لجانا جاءت وسجلت اسماءنا ثم لم تعد".
وتتابع قائلة "وهكذا، وجدنا انفسنا تحت رحمة الله نعتاش مما يجود به اهل الخير وننتظر فرجا لا ندري متى ياتي".
وبعد ان صمتت برهة بدا انها كانت تستجمع فيها نفسها، سردت حميرة تفاصيل تلك الليلة التي اتت فيها النيران على الخيمة.
وتقول "لم تكن لدينا وسائل تدفئة، وكان البرد شديدا، وكعادتي اشعلت شمعة لانير الخيمة، ولم اكن قبلها انام دون اطفائها، الا اني في تلك الليلة رايت انها لم يتبق منها سوى القليل، وحسبتها ستنطفئ من تلقائها، فتركتها واستسلمت للنوم بجانب اطفالي".
وتضيف "وفجأة فزعت من نومي على صوت النار وهي تضطرم وتحرق محتويات الخيمة، فسارعت الى اخراج اطفالي منها، وهب اهل الخير من المجاورين لمساعدتي، ولم يلبث الدفاع المدني ان حضر فاخمد النار ونقلنا الى المستشفى".
وتقول حميرة والالم يكاد يمزقها "توفي ثلاثة من اطفالي في اليوم الاول متاثرين باستنشاقهم للدخان، وبعدها بيومين توفي طفلان اخران، ولم يبق لي الان سوى طفل واحد وهو معوق يبلغ من العمر تسع سنوات".
وحتى بعد هذه الفجيعة لم تتقدم اي جمعية او مؤسسة انسانية لمساعدة حميرة التي قالت بحسرة "ليتني ما خرجت باطفالي من سوريا.. ليتنا متنا معا هناك..وعلى اية حال، فانني احمد الله على كل شئ".
الام المكلومة وطفلها الذي بقي لها يعيشان حاليا في كنف عائلة لاجئة اخرى تستأجر بيتا متواضعا في احد احياء الظليل.
ويصف رب هذه العائلة وهو حمد الدلاحوب البيت الذي يقيمون فيه بانه "اشبه بزريبة اغنام"، لكنه يؤكد انه يظل في كل الاحوال افضل من الخيمة التي كان ينصبها سابقا على مشارف احد الاحياء في المدينة.
ويقول الدلاحوب "نتيجة الاجواء الباردة والامطار الغزيرة لم نعد قادرين على الاستمرار في العيش داخل الخيمة، فاستاجرت هذا البيت الذي يشبه زريبة الاغنام، ومع ذلك فاجرته مرتفعة جدا".
ويضيف "انا بلا عمل، واعيش مع اسرتي على معونات اهل الخير.. لكن ما يجودون به لا يكفي عائلتي المؤلفة من سبعة افراد والتي اصبح عددها الان تسعة يتقاسمون الاغطية حتى يشعروا بالدفء نتيجة عدم وجود وسيلة تدفئة اخرى".
ويقول الدلاحوب بأسى ""واقعنا مؤلم جدا، والموت على تراب الوطن اهون من العيش بلا كرامة، انا لولا اولادي ما خرجت من وطني، ولكن احيانا تكون الظروف اقوى من الانسان".
ويتحدث الرجل عن العاصفة التي ضربت المملكة في كانون اول الماضي، ويؤكد بانها كانت لها "تأثيرات مأساوية كبيرة على السوريين المشردين في محافظة الزرقاء وإطرافها".
وتعد الزرقاء واحدة من المحافظات التي تستضيف الاعداد الاكبر من اللاجئين السوريين، والذين ينوف عددهم عن المائة الف، اقل من نصفهم مسجلون لدى مفوضية الامم المتحدة للاجئين، ويستفيدون من برامج المساعدات التي تقدمها.
ويقول الدلاحوب ان نسبة كبيرة من السوريين في الزرقاء يعيشون ظروفا قاسية ويعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء، فضلا عن انهم يعيشون في خيم وبيوت تفتقر الى ابسط مقومات الحياة. لا بل انه يؤكد ان بعضهم مات بسبب هذه الظروف.
ويؤيد اللاجئ السوري ابو محمد الذي يقيم في الظليل ما ذهب اليه الدلاحوب ويقول "نحن نعيش في اوضاع صعبة جدا بسبب البرد الشديد في فصل الشتاء الحالي".
ويضيف "نحن اربع عائلات ونقيم معا في منزل واحد اجرته باهظة رغم انه آيل للسقوط ولا يصلح للعيش، ونعتمد جميعا على وسيلة تدفئة واحدة، ولا يوجد لدينا ما يكفي من الاغطية".
ويقول ابو احمد بمرارة "لا يصلنا من المساعدات سوى بعض الاطعمة، اما المحروقات فلا احد يعيننا عليها، واطفالنا يمرضون الواحد تلو الاخر جراء البرد وكذلك كبار السن، ودون ان يجدوا كلفة العلاج..نسأل الله الفرج القريب".
وتؤكد وداد الاحيوي رئيسة جمعية النافذة البيضاء التي تعمل في مجال اغاثة اللاجئين السوريين في منطقة الظليل، ان حجم المساعدات المقدمة للاجئين قد تراجع في الفترة الاخيرة، ما ادى الى مفاقمةاوضاعهم المعيشية.
وتوضح الاحيوي ان هذا التراجع مرده الى زيادة اعداد اللاجئين بشكل كبير، وتقليص الهيئات الاغاثية الكبرى للمساعدات ومنها الهيئة الخيرية الاماراتية.
وتقول ان اللاجئين يعيشون بالدرجة الاولى الان على معونات اهل الخير وبعض الجهات الخاصة، وهي بالكاد تكفي متطلبات الحياة الاساسية.
إستمع الآن