التلاعب برواتب معلمات المدارس الخاصة بالزرقاء.. العرض مستمر- صوت
عندما قررت الحكومة رفع الحد الادنى للاجور قبل عامين، كان في مقدمة المحتجين مدارس خاصة في الزرقاء معروف عنها اكراه المعلمات على توقيع عقود برواتب لا يتسلمن نصفها فعليا!.
طبعا لم تكن تلك المدارس جادة في احتجاجها، وكل ما ارادته هو الايهام بانها تحترم القوانين والعقود، وبان القرار سيرتب عليها اعباء مالية اضافية، كما لو انها حقا ستزيد الرواتب.
وبامتياز، كان رد فعلها صوريا، تماما كالعقود الصورية التي تبرمها مع المعلمات مستغلة حاجتهن الى العمل.
دينا جهاد التي عملت في مدرسة خاصة في الزرقاء لمدة ثلاث سنوات كانت واحدة من ضحايا تلك العقود.
وتقول دينا ان عقدها مع المدرسة في السنتين الاولىين كان ينص على راتب مقداره 150 دينارا، لكنها لم تكن تتقاضى في الواقع سوى 136 دينارا.
وفي السنة الثالثة تغير نص العقد ليصبح مقدار الراتب المذكور فيه متوافقا مع الحد الادنى الجديد للاجور، وهو 190 دينارا.
وايضا لم تكن دينا تستلم هذا المبلغ، رغم ان راتبها الحقيقي ارتفع ليصبح 160 دينارا.
وتقول المعلمة التي تحمل درجة البكالوريوس في تخصص تربية الطفل انها لم تكن لتقبل العمل بهذا الراتب لولو "الظروف الاقتصادية الصعبة".
اعباء كثيرة
وربما تعتبر ديما محظوظة قياسا بزميلاتها في المدارس الخاصة الاخرى، واللواتي تتراوح رواتب معظمهن بين 80 و150 دينارا.
ورغم الراتب الهزيل الا ان المهام التي توكل الى المعلمات تفوق بكثير ما هو مطلوب من نظيراتهن في المدارس الحكومية.
وعن ذلك تقول ديما انها كانت تضطر للخروج من منزلها في السابعة صباحا لمرافقة الحافلة التي تجلب الطلبة من منازلهم، وعند وصولها الى المدرسة تجد في انتظارها جدولا مزدحما بالحصص.
ولا يكاد اليوم الدراسي ينتهي حتى تبدأ رحلة مرافقة الحافلة في جولة اعادة الطلبة الى المنازل، والتي تمتد احيانا الى ما بعد الساعة الثالثة بعد الظهر.
وتروي المعلمة ام احمد التي عملت في مدرسة خاصة اخرى قبل ثلاث سنوات تجربة مماثلة وتقول "كنت اتقاضى 90 دينارا، وكنت مكلفة بمرافقة الحافلة في الجولات التي تبدأ في السابعة صباحا وتستمر الى ما بعد الثالثة والنصف مساء".
وتؤكد ام احمد الحاصلة على البكالوريوس في الشريعة، ان "الظروف الصعبة والحاجة الى شهادة الخبرة" هي ما يضطرها والكثير من زميلاتها للقبول بالرواتب المنخفضة وهذه الاعباء الكبيرة في العمل.
ويكشف تقرير للمرصد العمالي ان التلاعب بالرواتب ليس سوى واحد من عدة انواع من الانتهاكات لحقوق معلمات المدارس الخاصة.
ويقول التقرير ان غالبية المعلمات يتقاضين أجورا عن 10 أشهر فقط في السنة، كما تقوم العديد من المدارس بفسخ عقودهن في نهاية الفصل الثاني، ومن ثم تعود لتجديدها في بداية الفصل الأول، للحيلولة دون دفع رواتبهن في العطلة الصيفية.
وأكد التقرير على أن غالبية المدارس الخاصة تقوم بحرمان المعلمات من حق الإجازة المرضية، وان الكثير منهن لا يحصلن على اجازة الامومة كاملة، ويجري اقتطاع مدتها من رواتبهن.
ويذكر التقرير حالات لمعلمات متزوجات تعرضن للفصل من العمل لدى اكتشاف حملهن.
وكما تؤكد المرشدة التربوية نجود الشرع، فان من شان حرمان المعلمات من حقوقهن وبخاصة الراتب العادل، ان يخلق لديهن حالة احباط وعدم رضا تنعكس اثارها سلبا على ادائهن وعلى الطلبة بالضرورة.
وتقول الشرع ان "عدم رضا المعلمة عن عملها ينعكس على الطلاب بحيث لا تقوم بتشجيعهم واعطائهم حافزا للأداء الافضل في المستقبل".
صعوبة الاثبات
وبينما تحدثت دينا وام محمد اللتين اصبحتا الان خارج سلك التدريس عن تجربتيهما بانفتاح، الا ان كافة المعلمات اللواتي لا زلن على رأس عملهن، رفضن الادلاء باية تصريحات خشية تعرضهن للفصل من مدارسهن.
كما رفض مسؤولو مدارس خاصة توجهنا اليهم اجراء اي مقابلات معهم حول الموضوع، واكتفى احدهم بالرد علينا قائلا باستنكار "هل تريدون ان تفتحوا علينا الابواب؟".
وتوجد في الزرقاء حوالي 70 مدرسة خاصة تشكل الاناث نحو 70 بالمئة من كادرها التدريسي.
ومن جهتها اكدت مديرية عمل الزرقاء انها على علم بحصول عمليات تلاعب من قبل بعض المدارس الخاصة برواتب المعلمات، لكنها نفت ان تكون قد تلقت الى الان اي شكوى رسمية بالخصوص.
وقال مساعد مدير مكتب عمل الزرقاء ناصر الدراوشة ان ابواب المديرية مفتوحة امام اي معلمة تريد التقدم بشكوى.
واضاف "نرحب بأي مواطن ونقوم بالتحقق من الشكوى من الطرفين من خلال الكشوفات الرسمية ان كان بالحد الادنى للأجور أو تاخير الأجور، ودورنا كوزاره حفظ حق العامل وفق القانون"
وايضا اكد خليل جرار مسؤول المدارس الخاصة في مديرية التربية الأولى في الزرقاء علم المديرية بهذه التجاوزات، لكنه قال ان اثبات الحالات كان يمثل مشكلة على الدوام.
واوضح انه عندما يقوم موظفو التربية او مكتب العمل بزيارة مدرسة ما يناء على شكوى حقوقية من معلم او معلمة، فانهم لا يجدون في كشوفات المدرسة اي معلومات تثبت صحة الشكوى، وتكون كافة الامور قانونية.
وقال ان الكثير من المعلمات يححمن عن الشكوى بشكل رسمي خشية الفصل من العمل،.
ومن اجل وقف التلاعب والتجاوزات، فقد دعا جرار الى فرض رقابة على المدارس الخاصة من قبل ديوان المحاسبة، والى اعتماد الية تسليم الرواتب عبر البنوك حتى تكون الامور اكثر شفافية وقابلة للضبط.
وكان مسؤولون في وزارة التربية كشفوا العام الماضي عن وجود توجه لضبط رواتب معلمي ومعلمات المدارس الخاصة من خلال إرسال كشوفاتها الى البنوك ومتابعتها شهريا من قبل الجهات المعنية.
غير ان الحديث عن هذا التوجه لم يلبث ان اختفى فجأة من الساحة ولم يعد له اي ذكر على ألسنة المسؤولين.
إستمع الآن