والدة نور العوضات: قلبي يحترق

والدة نور العوضات: قلبي يحترق
الرابط المختصر

- صلت الفجر واعدت الشاي لامها ثم غادرت البيت للمرة الاخيرة

- رفضت فكرة الزواج لتكمل تعليمها وتساعد أهلها

 - زملاؤها اتفقوا الا يركبوا ابدا الباص الذي سفكت فيه دماؤها

بين الحين والاخر، كانت الام التي مزقت الفجيعة كيانها تردد بصوت متهدج "حسبي الله ونعم الوكيل..ربنا يحرق قلبه مثل ما حرق قلبي".

وفي كل مرة تنطق هذه العبارة، كان صمت ثقيل يلف الوجوه الواجمة التي تحلقت حولها في بيتها المتواضع بمنطقة السخنة شمالي الزرقاء.

من هذا البيت خرجت ابنتها البكر "نور العوضات" فجر الثالث من كانون الاول قاصدة جامعتها ال البيت في المفرق، حيث تدرس الشريعة في سنتها الثالثة.

وبعد وقت قصير عثر عليها جثة مثخنة بطعنات غادرة داخل حافلة في مجمع سفريات الامير راشد في الزرقاء.

وخلال ساعات كان يجري اعتقال القاتل الذي تبين انه شاب من المفرق في الثانية والعشرين من العمر وعمل سابقا كنترولا على باص بين مدينته والزرقاء.

وكما يتضح من المعلومات المتداولة، فقد تربص القاتل بنور وارتكب جريمته مستغلا خلو الحافلة من الركاب.

نور رضية

تروي ام زياد لـ"هنا الزرقاء" اخر عهدها بابنتها نور قائلة "ادت صلاة الفجر واعدت الشاي وايقظتني: يمه قومي اشربي شاي، ثم اعطيتها مصروفها وتوجهت الى الجامعة. وكانت الساعة حينها بحدود السادسة".

واضافت وهي تختنق بالعبرات "مش حرام تروح ضحية؟ بريئة، شريفة، عفيفة، مجتهدة بدراستها، وعمرها ما جابتلنا مشاكل.. نور حبيبتي، نور رضية، الله يجعل مأواها الجنة".

وصمتت الام برهة ثم قالت في اشارة الى القاتل "لا اطلب اكثر من اعدامه".

وقد اثار مقتل نور ولا يزال تعاطفا ممتزجا بالغضب في الشارع الاردني الذي اطلق عليها لقب "شهيدة الفجر" كناية عن الوقت الذي كانت تضطر فيه الى مغادرة بيتها للحاق بجامعتها، والذي لا تكون الشمس قد اشرقت فيه بعد.

ومنذ ان قررت الحكومة قبل عامين الغاء التوقيت الشتوي وتثبيت الصيفي بات الكثير من الاردنيين يعانون من اضطرارهم الى مغادرة بيوتهم تحت جنح الليل لادراك اعمالهم ومدراسهم ومصالحهم.

وتقول والدتها "كنت احيانا اصحبها الى موقف باصات السخنة، وفي احيان اخرى كانت تذهب وحدها، لكنها كانت تشعر بالطمأنينة لوجود ابناء الجيران الذين كانوا يسلكون نفس الطريق".

وتضيف في اشارة الى مكان وقوع الجريمة "المشكلة ليست في باصات السخنة، المشكلة في المجمع".

وتخبرنا بعض من كن حاضرات في البيت ان العديد من اهالي السخنة اخرجوا بناتهم من المدارس حرصا على سلامتهن ولتجنيبهن مخاطر السير في الظلام.

كما يروين لنا كيف ان نور كانت تستعين في بعض الاحيان بمصباح هاتفها الخلوي حتى تضئ الطريق امامها اثناء توجهها الى موقف باص السخنة.

ونور هي الكبرى بين ابناء ام زياد السبعة، وهم خمس بنات وولدان. وتقول والدتها انها حصلت قبل مقتلها بفترة، على فرصة لاداء العمرة عن طريق الجامعة بسبب تفوقها، وكانت النية أن تؤديها برفقة زميلاتها بعدما استأذنت والدها الذي سمح لها بذلك.،،، لكن كان الموت قبل أن تحقق أمنيتها ..

ظلت تقاوم

في يوم الجريمة، وحسب ما تخبرنا جدتها، ركبت المرحومة في باص السخنة الذي كان فيه بعض اقاربها، وبعد ساعات كان يجري ابلاغ ابناء العشيرة في منطقة الظليل بان هناك طالبة اسمها نور العوضات قد تعرضت الى حادث.

وتقول "بحث الأقارب هناك، فلم يجدوا بينهم طالبة بهذا الاسم، مما اضطرهم أن يتصلوا بابناء العشيرة في السخنة".

وتضيف انه عندما وصل الخبر الى عمها ابلغهم أن نور ذهبت الى جامعتها ككل يوم، ورغم ذلك سأل عن المستشفى الذي تم تحويلها اليه، وعلم منهم انه مستشفى فيصل، وما أن وصله حتى تاكد الامر، فطلب من عمها الاخر ان يوافيه هناك.

وتتابع "وبالتدريج و حتى لا نصدم جاء وابلغنا أن نور مريضة في المستشفى، ولم يخبرنا انها ميتة، ولما وصلنا عرفنا انها كانت في غرفة  التشريح".

وتقول الجدة ان الساعة كانت الحادية عشرة عندما خرج الطبيب الشرعي وتوجه اليها قائلا "هنيئا لك يا حاجة، ابنتكم قوية شريفة عفيفة ونظيفة، ابنتكم طعنت عدة مرات ولكنها ظلت تقاوم بشدة، لدرجة اننا وجدنا لحم وجهه تحت اظافرها، قاومت عن عشرين رجلا".

وتقول الجدة ان والد نور لم يحتمل النبأ فخر في مكانه من هول الصدمة، كما ان المصيببة لم تكن اقل وطأة على الام، وقد علمت بها اثناء كانت منشغلة في قطاف الزيتون.

وتتحدث الجدة بفخر عن حفيدتها وتقول "كانت مؤدبة ومحترمة ومحبوبة لدى كل الناس، وتواظب على صلاتها وصيامها، وتعطي زميلاتها دروسا في الدين".

وتضيف انها "كانت ترفض الزواج تماما، وكان همها هو ان تتعلم وتعمل وتعين والدها، وذلك شعورا منها بالمسؤولية تجاه أخوتها، وبخاصة أن أكبر أخويها لا يتجاوز الخامسة عشرة".

وجه العيلة

ويروي زيــــاد عم نور  تفاصيل ابلاغه بفاجعة مقتلها قائلا "بعد أن سألوا عشيرة العوضات في الظليل ونفوا ان تكون لديهم طالبة بهذا الاسم وتدرس في آل البيت، اتصلوا بي وسألوني فحضرت الى بيت أهلها لأتأكد ان كانت موجودة أم لا".

واضاف "اخبرني اخوتها انها في دوامها في الجامعة، فبادرت بالاتصال على هاتفها الخلوي لكنه كان مغلقا، وهو ما زاد شكوكي، فقصدت مخفر السخنة وسالت ما اذا كان لديهم علم بالامر، فاشاروا علي بالتوجه الى مديرية الشرطة".

وتابع العم "وأنا في الطريق وردني اتصال يطلب مني مراجعة مستشفى فيصل. وهناك نفوا بادئ الامر أن تكون عندهم، وبعد الإتصال بالمخفر مرة أخرى للتاكد من الإسم ابلغوني بأن الحادثة هي لفتاة مطعونة اسمها نور محمد العوضات".

وقال زيــاد  "ما أن سمعت اسمها حتى انهرت وغبت عن الوعي، ولم أدر بما حصل بعدها الا حين حضر الأهل وبقية العائلة الى المستشفى، ومن هول ما سمعت عن الطعنات التي تصل الى 9 في الصدر و4 أخرى في الوجه لم استطع الدخول والنظر اليها".

واعتبر زيــاد ان التوقيت لعب دورا وكان من ضمن اسباب الجريمة، مضيفا ان باصات السخنة "غير عن باقي الباصات إذ انها لا تسير بين الأحياء، وهو ما كان يضطر نور للمشي مسافة لا تقل عن 2 كيلو ونصف حتى تصل الموقف".

واردف زياد انه "كون نور متدينة فيبدو أن الجاني أساء الكلام معها ما أدى بها أن أهانته وسبت عليه".

وختم قائلا "احببت فيها اخلاقها وروحها المرحة وبشاشتها، وهي كما يقال- وجه العيلة- الله يرحمها".

سافتقد ضحكاتنا

وفيما هي لا تزال تحت وقع الصدمة، قالت اخت نور الاصغر منها هــدى ودمعها يترقرق "سأفتقد جلساتنا وضحكاتنا ومشاويرنا مع أهلي ومع نور".

اما جارتهم ام عبدالله فقالت ان ابنتها التي تدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا، كانت تخرج مع نور كل يوم في السادسة الا ربعا، الا انها صدف ان مرضت يوم الجريمة، فتغيبت عن الجامعة ما جعل المرحومة تذهب وحدها الى موقف باصات السخنة.

واضافت ام عبدالله "لغاية الآن البنت في حالة ذعر بسبب ما حصل". واشادت الجارة بالمرحومة قائلة انها كانت "مؤدبة وتحفظ أجزاء من القرآن الكريم"، مضيفة ان "جرح عائلة نور هو جرحنا كلنا ويجب اعدام القاتل".

وتحدثت سارة السويدات، وهي زميلة لنور في الجامعة عن علاقتهما قائلة "درست معها ثلاثة فصولة متتالية وجمعتني معها صداقة قوية وثقة متناهية، وكانت كل أسرارها عندي وتستشيرني خاصة وانني اكبرها في السن".

واضافت "ابتسامتها لم تكن تغادرها برغم ظروفها المعيشية البسيطة والتي لم تتبرم منها ولم اعرف عنها الا بعد وفاتها".

وقالت سارة انه "بالرغم من أن نور كانت تضطر للخروج من بيتها بعد صلاة الفجر للحاق بالمحاضرة الأولى، الا انها لم تشكِ ولم تبدِ استياءها يوما من المواصلات، وكانت تصل الى الجامعة قبل المحاضرة بنصف ساعة".

واطلعتنا على معلومة مفادها ان طلبة جامعة آل البيت "اتفقوا على عدم ركوب الحافلة التي سفك فيها دم نور".

وبحزن بالغ قالت سارة "ستترك نور فراغا كبيرا سواء في جامعة آل البيت أو عندي انا شخصيا". ثم اردفت "لا اعتراض على قضاء الله وقدره ولكن الإعتراض على الطريقة، ويجب أن ينال الجاني عقابه".

ومن جهته، نعى الدكتور محمد عليان العمري استاذ الشريعة في جامعة ال البيت طالبته نور التي وصفها بانها كانت "مفعمة بالأمل، وعلى حسن تواصل مع الجميع ومحل اجماع مع زميلاتها ومن الأساتذة الذين درسوها وتعاملوا معها".

وقال "كانت من الطلبة المميزين اكاديميا واخذت معي اكثر من مادة، وصبيحة وفاتها يرحمها الله ظهرت نتائج إختبارات الطلبة، وكانت قد حصلت على علامة كاملة في اختبارات ثلاث مواد مختلفة".

واضاف "لغاية الان نحن غير مصدقين انها فقدت من بيننا..ولغاية الان مقعدها شاغر في قاعة الدرس، لكن مقعدها لا يزال موجودا في قلوب الجميع.. وإنا لله وإنا اليه راجعون ولا اعتراض على قدر الله".

أضف تعليقك