من وحي الخردة

من وحي الخردة
الرابط المختصر

الزرقاء مدينة تستقبل القادمين من عمان بمحرقة خردة، ومن جرش بسوق خردة، ومن اربد بمصنع صهر خردة ومصفاة خردة، ومن الفضاء بادخنة احتراق الخردة، ومن باطن الارض بمياه خردة.

وايضا شوارعها خردة وارصفتها خردة وشبكة مياهها ومجاريها خردة والاف من سكانها يعملون في جمع وبيع الخردة.

مؤخرا، اكتشف الفرنسيون -ولا اعرف كيف او من اوحى لهم بذلك- ان الزرقاء لا ينقصها شئ سوى المسابح والمتنزهات، فقرروا التبرع بسخاء لانشاء عدد منها في المدينة.

لا اخفيكم انني في حيرة، فاما ان يكون الفرنسيون في منتهى السذاجة، او انهم يتسلون بالسخرية من اوضاعنا الخردة!.

وفي معجم اللغة العربية المعاصر، الخردة هي "أشياء قديمة فقدت صلاحيتها ويمكن استعمالها من جديد في شكل ما" وهذا ربما ينطبق ايضا على ما يحاول بعض التجار دسه في امعائنا من مختلف صنوف الاطعمة الخردة.

وخلال افترة الماضية اتحفتنا البلدية بانباء متوالية عن ضبط مثل هذه الاطعمة في مولات ذات اسماء رنانة. والعجيب انه لا يجري اغلاق اي من تلك المولات رغم ما يتبين من اخفاء ظاهرها الذي فيه الرحمة لباطنها الذي فيه الخردة.

وبالمناسبة العمدة اكد مؤخرا انه يدرس حلولا للبسطات من بينها وضعها في مجمع السفريات الداخلية في شارع السعادة وزرع سيارات السرفيس مكانها في الشوارع، او نقلها الى "سوق الجمعة" الذي يعد اكبر موقع لبيع الخردة.

وقبل شهور، ظهرت في وسائل الاعلام صور صاحب مول معروف في المدينة وهو يوقع مع العمدة اتفاقية يتبرع فيها بانشاء حديقة عامة في ساحة مجاورة له هي الان مزبلة ومجمع للخردة.

حقيقة، انا زعلان لانني اضعت وقتي في قراءة خبر الاتفاقية والتأمل في صور ابتسامات موقعيها، ولان العمدة اضاع وقت المراجعين وهو يعطي صاحب المول فرصة مجانية للظهور الاعلامي، ولان المزبلة لا تزال على حالها، وكذلك الخردة.

قلت يوما لمسؤول في المدينة: لماذا لا تلزمون سيارات بيع الغاز وجمع الخردة باذاعة موسيقى بدلا من الزوامير التي تثقب الادمغة. فضحك وضحك الحاضرون..وضحكت! وعلى ما يبدو فقد كانت فكرتي خردة.

وعلى سيرة الضحك، قال صاحب بقالة تتدفق المياه امامها كالسيل من ماسورة خردة منذ عيد الاضحى الماضي وتعيق وصول الزبائن اليه، انه سيوكل محاميا لرفع دعوى ضد مديرية المياه لمطالبتها بتعويضه عن الاضرار بمصدر رزقه.

وايضا ضحكنا، ولكن هو لم يضحك، لان الحال اذا ما استمرت كذلك فسيخسر محله وربما يغير نشاطه ليصبح تاجر خردة.

منذ سنوات بعت سيارتي "كوم حديد"، ومؤخرا تعرضت لحادث سير واحتجت الى جناح مستعمل، فذهلت عندما اكتشفت ان الجناح الذي اشتريته كان من سيارتي القديمة ذاتها..الخردة!