منذ 15 عاما وجمال حيدر يجوب على بسكليته شوارع وازقة حي الفلاح غربي الزرقاء خلال ليالي رمضان ليوقظ الصائمين الى سحورهم عبر الطرق على "تنكة زيت" فارغة استعاض بها عن الطبل التقليدي الذي لا يملك ثمنه.
هو في الاصل آذن مدرسة، لكنه يقول ان راتبه من الوظيفة لا يتجاوز مئتي دينار، وبالكاد يكفيه وابناءه الخمسة بضعة ايام في الشهر، وبالتالي فهو يجد في عمله كمسحراتي بابا لدخل اضافي يعينه على صروف الدهر، كما انه ايضا "باب ثواب".
ويستخدم جمال (48 عاما) البسكليت لعدم قدرته على السير مسافات طويلة نتيجة اصابة تعرض لها اثر سقوطه عن دراجة نارية حين كان في ريعان الشباب.
وقال ان الحادثة تسببت وقتها في وضع نهاية لعمله في مهنة "الطوبار"، والتي كانت تدر عليه ما لا يقل عن عشرين دينارا يوميا، مضيفا ان "والدي قام حينها بتهريبي من المستشفى"، ودون ان يوضح سبب ذلك.
واوضح "قام ابي باخراجي من المستشفى بشكل غير قانوني ودون الحصول على تقارير طبية، بمعنى انه هربني تهريب، ولو كنت حصلت على التقارير فلربما اصبح لدي الان راتب من وزارة التنمية".
وتابع جمال قائلا انه منذ سنوات وهو يسعى لدى المسؤولين من اجل ان ينظروا في وضعه ويسهلوا له الحصول على معونة من وزارة التنمية الاجتماعية بناء على وضعه الصحي، خصوصا وان حالته المادية سيئة جدا.
وشكا من ان ابناءه ينامون جميعا في غرفة واحدة في بيته الصغير لدرجة انه كثيرا ما يتعثر بهم لدى خروجه ليلا لايقاظ الصائمين الى السحور.
ويؤكد جمال ان عمله كمسحراتي له ايحابيات وايضا سلبيات و"مخاطر"، ومن الايجابيات انه جعله "محبوبا ومعروفا" في اوساط اهالي منطقته، والذين توثقت علاقته بهم على مر السنين.
وقال "الناس اعتادوني، واذا غبت يوما فانهم ياتون للاطمئنان علي في منزلي، ولو حصل واحتجت مساعدة من احد فانني لا اتواني عن طرق بابه فيعرفني ويستجيب لطلبي".
واضاف "وفى بعض الاحيان يتذكرنى الناس فيجلبون لي السكر والارز وقد يعطونني المال".
اما من حيث سلبيات مهنته كمسحراتي، فيقول جمال ان منها قيام الاطفال برشقه بالحجارة اثناء سيره بين الازقة ليلا، وكذلك اعتراضه من قبل دوريات الشرطة، لكنه يشير الى ان الدوريات تتعامل معه بلطف في معظم الاحيان.
ويروي جمال حادثة تعرض نتيجتها لاصابات مؤلمة، مبينا انها نجمت عن سقوطه في احدى حفريات الصرف الصحي في المنطقة، والتي تركها المتعهد مفتوحة دون لافتات تحذيرية ولم يتمكن رؤيتها في الظلام.
ويقول "فوجئت بالحفرة امامي، ولارتباكي قمت بدوس فرامل العجل الامامي للبسكليت بدل الخلفي مما ادى الى انقلابي وسقوطي مباشرة داخلها، وليلتها عدت الى البيت والدم ينزف من كلتا ساقي".
محمد ابو علوان احد سكان حي الفلاح يؤكد انه اعتاد على المسحراتي جمال خلال رمضان، "وكثيرا ما اقف خارج البيت في انتظار مروره حتى اسلم عليه، واحيانا لدعوته الى السحور معي، واذا ما حصل ان غاب يوما فانني واهالي الحي نقوم بزيارته في بيته للاطمئنان عليه".
وبرغم انها لا تستسيغ فكرة ان يكون المسحراتي على بسكليت، الا ان رزان عماد ترى ان وجوده هو في حد ذاته امر "جميل ويعيدنا في الذكريات الى الايام السابقة"، متمنية ان "يستمر هذا الطقس الرمضاني ولا يتلاشى" كما حصل مع طقوس اخرى كثيرة في الشهر الفضيل.