مرضى يعيشون على المسكنات لتأخر المواعيد في المستشفيات الحكومية
تنظر منظمة الصحة العالمية إلى مفهوم الصحة إلى أنه حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً لا مجرد انعدام المرض والعجز.
كما أن حق الانسان في الصحة أمر مسلم به؛ فالفقرة (أ) من المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته.
إلا أن هذا الحق وفق الاعلان العالمي لحقوق الانسان يعيق تنفيذه طول فترة المواعيد المعطاة لمراجعي مستشفيات وزارة الصحة والتي تصل في بعض المرات إلى عدة شهور مما يجعل هذا الهدف بعيد المنال.
وبحسب تقرير حقوق الإنسان في الأردن فإن التقرير الأخير لعام 2015 لاحظ أن القطاع الصحي قد شهد ظهور مشكلات تتعلق بطول مدة الإنتظار للوصول للمعالجة .
المواطن سامي المجالي (60 عاما) يصف فترة تلقيه العلاج في مستشفى الزرقاء الحكومي ” المواعيد معضلة، ومشكلة عويصة من سنوات طويلة، وقد مررت بهذه المشكلة شخصياً، وأنا أتلقى العلاج في مستشفى الزرقاء الحكومي، واذا احتجت لعمل صورة أشعة أو أخذ موعد عيادة اختصاص فيجب أن أنتظر من شهرين إلى ثلاثة شهور، من حزيران إلى أيلول من أجل صورة أشعة أو صورة طبقية… اصطحبت ابنتي الطفلة التي تعاني من آلام في قدميها وكان أقرب موعد لأجل التصوير الطبي للحالة ثلاثة شهور ونصف، واضطرينا للانتظار لأنه لم يكن هناك بديل مادي او ربما واسطة تقرب لنا الإجراء الطبي”.
“من المحتمل جدا أن تتضاعف حالة المريض أثناء انتظاره لموعده الطبي، وقد يتفاقم الألم كذلك، وليس أمام المريض في هذه الحالة سوى تناول المسكنات لتخفيف الألم بانتظار حلول موعد زيارة الطبيب” يقول المجالي.
الكلفة المادية المرتفعة للمستشفيات الخاصة هي ما تدعو المجالي للصبر على تلك المواعيد البعيدة لمراجعة الطبيب؛ حتى لا يضطر للإستدانة لدفع فاتورة العلاج هذا إن وجد من يدينه أصلاً؛ حسب قوله.
ودعا المجالي أصحاب الشأن والمسؤولية الطبية لإيجاد حلول أفضل للمرضى بتوفير أجهزة طبية والمزيد من أطباء الإختصاص للتخفيف على المواطنين المرضى وتوفير عناية طبية ملائمة لهم .
حالة أخرى تعرضت لمعانات طول فترة المواعيد الطبية؛ عائشة رضا ( 55 عاماً) والتي تراجع إحدى المستشفيات الحكومية من إجل علاج مرض ارتفاع الضغط الشرياني لديها تروى معاناتها بقولها “في احدى المرات عنما راجعت المستشفى وقد راودت الطبيب حينذاك شكوكاً بإصابتي بنزيف بالدماغ إثر ارتفاع شديد في الضغط وبعد أن دخلت المستشفى بشكل طارئ لمدة ليلتين، طلب إليًّ الطبيب مراجعة عيادة الإختصاص وقد تفاجئت بأن الموعد الذي حصلت عليه كان بعد شهر كامل”.
مدير ادارة المستشفيات في وزارة الصحة علي السعد أكد أن تأخر بعض مواعيد عيادة الاختصاص إلى شهر أو شهرين هو أمر طبيعي، موضحاً أن تلك المواعيد تعطى للحالات المستقرة صحياً والتي لا يشكل الانتظار خطراً على حياتها.
تأخر بعض المواعيد وفقاً للسعد مرده للكثافة الكبيرة في عدد السكان والذي زاد بمقدار الربع في السنوات الأخيرة نتيجة الهجرات القسرية؛ عدا عن الضغط الذي يسببه مراجعة عدد كبير من المرضى يوميا لمستشفيات وزارة الصحة.
“مواعيد العيادات الخارجية في الأردن تعتبر مثالية اذا ما قورنت بدول أخرى، دول عظمى مثل بريطانيا حيث أن معدل المواعيد المعطاة للمرضى يبلغ 6 أشهر، بينما نحن في الأردن وفي أسوء الأحوال لا تزيد مدة انتظار المريض عن شهر أو شهرين للحالات المستقرة والتي لا يشكل الإنتظار خطرا أو تهديدا للحياة” يقول السعد.
بعض الصور الأشعة هي ما تطيل فترة المواعيد وفق السعد “زيادة الطلب على خدمة طبية معينة مثل صور الرنين المغناطيسي يجعل المواعيد تتاخر فعليا برغم وجود أجهزة الرنين في معظم المستشفيات في وزارة الصحة … نقص بعض التخصصات النادرة مثل جراحة القلب والدماغ وغيرها هو سبب آخر لطول فترة انتظار المواعيد، إضافة أن المريض في الأردن يقوم بنفسه باختيار طبيبه المعالج وكذلك يختار المستشفى الذي يرغب بالعلاج فيه مما يسب ازدحاماً وطول فترة انتظار”.
ومن الحلول التي وضعتها وزارة الصحة لمعالجة طول فترة المواعيد الطبية يقول السعد “حوسبة جميع المراكز الصحة ومستشفيات وزارة الصحة على برنامج حكيم الذي يسهل العمل أمام الكادر الطبي ويلخص رحلة علاج المريض في أي مركز صحي أو مستشفى كان قصده المريض للعلاج … هناك عيادات اختصاص مسائية تم فتحها لاستقبال المرضى لتخفيف الإزدحام الحاصل .. وكذلك نظام آخر معمول به في المراكز الصحية خاصة البعيدة منها حيث يتمكن المواطن من حجز موعد طبي له في احدى المتشفيات عن طريق الهاتف”.
“هناك 32 مستشفى حكومي بسعة 5197 سريرا وهناك 700 مركز صحي أولي وشامل على امتداد المملكة، وفي عام 2015 تم ادخال 400 ألف حالة مرضية إلى مستشفيات وزارة الصحة وراجع ما عدده ثلاثة ملايين ونصف مراجع للعيادات الخارجية، وأحد عشر مليون مراجعة للإسعاف والطوارئ، وأحد عشر مليوناً عدد مراجعي المراكز الصحية” يقول السعد.
بدوره اتهم الناشط السياسي طبيب الأسنان أيمن أبو الرب الحكومة بأنها عندما تضع موازنتها فهي لا تضع باعتبارها وجود اختصاصين في مجالات الطب المختلفة، “نحن لا نستطيع أن تلقي باللوم على وزارة الصحة وحدها باعتبارها مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الموضوع؛ فالحكومة عندما تضع موازناتها لا تخصص لموضوع العلاج الطبي القدر الكافي الذي يكرم هؤلاء الاطباء وبالتالي يتمسكون بالخدمة في وزارة الصحة بدلاً من الغربة خارج البلد من أجل العمل وبالتالي النقص الحاصل في التخصصات مثل القلب والدماغ والأعصاب والتي تسبب الإزدحام الحاصل والدور الطويل للمواعيد”.
قلة عدد الأطباء هو أحد أسباب طول فترة المواعيد وفق أبو الرب؛ “طبيب الإختصاص مكره لا بطل عليه أن يتنقل بين عيادتين في محافظتين مختلفتين، وأن يعاين جميع المرضى المسجلين والذين تصل أعدادهم إلى سبعين مراجعاً وهو في حقيقة الأمر لا يستطيع أن يعاين سوى 20 مريضاً في المتوسط مما يجعل المواعيد متباعدة”.
ووفقا للمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية “تقر الدول الأطراف بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”.
الحق في الصحة اعترف وأقر به عدد من صكوك حقوق الانسان الإقليمة مثل الميثاق الاجتماعي الأوروبي لعام 1961 مادة (11)، والميثاق الإفريقي لحقوق الانسان والشعوب عام 1981 مادة (16)، وكذلك أعلن عن الحق في الصحة من جانب لجنة حقوق الانسان وبرنامج عمل فينا لعام 1993 .
أعد هذا التقرير ضمن مشروع “إنسان”