مخيم العودة بعد 67 عاما على النكبة: حنين مقيم وذاكرة لا تموت
لم يبق في مخيم العودة للاجئين في الزرقاء ممن عايشوا ووعوا اهوال نكبة فلسطين عام 1948، سوى قلة قليلة بعدما قضت الغالبية نحبها وهي في انتظار رجوع لم يُكتب لاوانه ان يحين وهم احياء.
وان كان اولئك رحلوا بابدانهم، الا ان حصاد ذاكرتهم من مشاهد المجازر الصهيونية وما تلاها من تشريد لثلاثة ارباع مليون فلسطيني عن وطنهم، لا تزال حية تتوارثها اجيال المخيم الذي اقيم عام 1949، وترويها كما لو انها وقعت بالامس.
كما لا تزال البقية الباقية من جيل النكبة الاول على العهد تحدث اخبارها وتبث لواعج البعد عن الوطن وتمني النفس بالعودة.
الحاجة ام صالح من قرية البريج غرب القدس، والتي احتلتها عصابات الصهاينة في 19 تشرين اول عام 1948، واحدة من ذلك الجيل، وكانت ضمن ثمانية الاف لاجئ قدموا الى المخيم غداة انشائه، والذي بات عدد سكانه اليوم يناهز 18 الفا، ويعد احد اقدم المخيمات الثلاثة عشر للاجئين الفلسطينيين في الاردن.
وبرغم تقدم سنها، الا ان ذاكرة ام صالح لاتزال متقدة لم تخنها بعد، ومن جعبتها تسرد اهوال اليوم الذي فرت فيه من قريتها قائلة "كان اليهود قبالتنا يطلقون علينا النار، ومن كان يقع بين ايديهم كان مصيره الذبح، وبعدها تشردنا من بلد الى بلد، حتى وصلنا الزرقاء".
وتابعت "كنا خلال ذلك كالغنم المبعثرة، هناك من ترك زوجته، وهناك من تركت زوجها، وانا لم التق زوجي الا بعد خمسة او ستة ايام، وكان معي حينها ابنتاي الصغيرتين، وكنا اثناء فرارنا نجري فزعين، والرصاص ينهمر علينا".
وتتنهد ام صالح التي بدا ان المواجع تقلبت عليها وهي تستحضر تلك الاحداث، ثم تقول "ادعو المولى ان ارجع الى بلدي، وان اراها مجددا، وان يرد كل غريب الى دياره".
ثم اومأت الى احفادها وقالت "حتى لو لم يكن لي نصيب في العودة، فسيعود اليها الصغار".
"حتى لا ينسوا"
ويروي الحاج عبدالعزيز حمدان، وهو من البريج ايضا، تفاصيل اخرى عما حل بالقرية في اليوم الذي باغتتها فيه العصابات الصهيونية، ويقول "اخذ اليهود يطلقون علينا قذائف المدفعية، وسقطت ما بين اربعة الى ستة منها" في القرية.
وتابع حمدان وهو يُجيل اصبعه في الفضاء بحركة لولبية لتوضيح كيفية سقوط القذائف، ان "القصف كان يطال كافة الانحاء، باستثناء منطقة بعينها، وهي التي راىنا فيها سبيلا للهرب. ولم نكن وقتها نملك أسلحة، وأجدع واحد فينا لديه بارودة انجليزية قديمة، والتي كانت تطلق كل طلقة بطلقتها، وهذا ما جعل الناس تشرد، وكان عمري حينها 15 او16 سنة".
كانت قرية زكريا شمال غرب محافظة الخليل اول مكان يفر اليه اهل قرية زكريا، ولكن العصابات الصهيونية لم تلبث ان هاجمتها ايضا، فاتجهوا الى صوريف ومنها الى بيت امر المجاورتين، ومن بعدهما الى بيت لحم وساحور وصولا الى اريحا حيث اقاموا في مخيم لللاجئين هناك.
وقال حمدان انه بعد عام امضوه في اريحا "انقسمنا في شتاتنا الى قسمين، قسم ذهب الى العروب (مخيم فلسطيني شمال مدينة الخليل) وقسم غادر الى أماكن اخرى، ومنها الأردن، وانا حضرت مع عائلة خالي الى الزرقاء، بينما اتجه والداي واخوتي الى مخيم الجلزون (شمال رام الله)، وقد اقمت مع خالي لمدة طويلة".
واضاف ان مخيم العودة "كان وقتها عبارة عن خيام، وكانت كل عائلتين تقيمان في خيمة كبيرة، والخيم الصغيرة اقامت فيها عائلات صغيرة، ومرت ايام كانت الريح تعصف خلالها بالخيم، فتجدنا نقبض على اعمدتها وحبالها حتى لا تطير، وبعدها بدا الناس يبنون، ونحن بنينا هذا البيت، وكان اول الامر من الطين والقصب، ثم هدمناه واعدنا بناءه بالاسمنت".
وشدد حمدان على أهمية نقل سيرة معاناة اللاجئين من جيل الى جيل "فهذه فلسطين يجب ان تزرعها في عقول اولادك حتى لا ينسوا"، مؤكدا انه "يوما ما سترجع البلاد، بلادنا، وطننا".
"انا مشتاقة"
الحاجة فاطمة محمد شاهين من مدينة الرملة شمال غرب القدس، كان عمرها شهرا واحدا عندما وقعت النكبة، وتقول حسب الرواية التي سمعتها من الديها انهما وضعاها مع اثنين من اخوتها الصغار في طشت ليسهل حملهم اثناء رحلة اللجوء، وحصل ان شعر احد اخوتها بالعطش، فلم يجد والدها سوى زجاج القنديل ليغرف له الماء فيه ليشرب.
ومن الحكايات المؤلمة التي حصلت ابان النكبة وسمعتها من والديها، قصة جدتها لامها، والتي تخلفت عن قافلة المهاجرين لتطمئن على ابقارها في البلدة، وعلموا لاحقا ان قذيفة اصابت الحظيرة اثناء كانت فيها، ما ادى الى استشهادها ونفوق الابقار.
وتؤكد الحاجة شاهين التي نشأت وتزوجت في مخيم العودة، ولها الان سبع بنات واربعة اولاد، ان "فلسطين بلدنا، وبرغم اني لا اعيها، لكنني أفخر بها، كما زرعت في ابنائي حبها والتشبث بها".
وبحنين باد، تقول"انا مشتاقة لان ارى بلدي ومنزلنا في الرملة، كان والدي بناه قبل شهر من النكبة، وبكل بساطة جاء اليهود واستولوا عليه".
جدير بالذكر ان الفلسطينيين اختاروا يوم 15 ايار من كل عام لاحياء ذكرى النكبة، وهو اليوم الذي يلي اعلان قيام اسرائيل، وفي ذلك اشارة وتذكير للعالم بان هذا الكيان نشأ على حساب مأساة وعذابات شعب بأكمله.
إستمع الآن