مخيم الزرقاء شاهد على نكبة تأبى النسيان

الرابط المختصر

لا تزال الحاجة ام عطية تحتفظ في مسكنها في مخيم الزرقاء بمفتاح بيتهم في قرية قالونيا في فلسطين، ولا تزال الى اليوم تروي للابناء والاحفاد حكاية النكبة التي شردتها واهلها منه قبل 66 عاما.

كانت عصابات الصهاينة قد داهمت هذه القرية الواقعة الى الغرب من مدينة القدس إبان حرب عام 1984، فقتلت وشردت اهلها قبل ان تدمر معظم بيوتهم وتحتل البقية.

وبمرارة تختزل عقودا من التهجير عن موطن الاباء والاجداد، تقول ام عطية وهي تشير الى المفتاح "جبناه مع الاغراض ونظفناه وحطيناه عشان بس نرجع نفتح فيه الباب".

وحال 750 الف فلسطيني لجأوا الى الدول المجاورة فرارا من مجازر العصابات الصهيونية، فقد كانت هذه المراة تظن ان الغيبة عن الوطن لن تدوم الا اياما. لكن الايام توالت حتى اصبحت سنوات وعقودا.

ومع اقرار ام عطية بان وحشية المجازر هي ما دفع الاباء الى الهجرة عن الوطن، لكنها ترى انه كان اولى بهم الصمود مهما كان الثمن.

وتقول "احنا للان بنلوم الكبار لانهم تركوا البلاد..البلاد ما في منها".

واختار الفلسطينيون يوم 15 ايار من كل عام لاحياء ذكرى النكبة، وهو اليوم الذي يلي اعلان قيام اسرائيل، وفي ذلك اشارة وتذكير للعالم بان هذا الكيان نشأ على حساب مأساة وعذابات شعب بأكمله.

وفي مخيم الزرقاء الذي يعد احد اقدم المخيمات الثلاثة عشر للاجئين الفلسطينيين في الاردن، لا يكاد بيت يخلو من قصة يحكيها جد او اب او حفيد وتروي فصلا من فصول النكبة ومرارة اللجوء والحنين الى العودة.

ويقول الحاج يوسف المصري (83 عاما) من يافا، ودموعه تترقرق في عينيه "كنا عايشين مبسوطين اجوا الانجليز وهجموا علينا مع اليهود.. لبسوا مدني وهجموا علينا".

كان عمر هذا الشيح 23 عاما حين غادر يافا مع اهله، حيث قصدوا نابلس بادئ الامر وفي ظنهم ان الازمة لن تدوم اكثر من ستة او سبعة ايام ويعودون بعدها الى ديارهم.

ولكن الفرار توالى حيث انتقلوا من نابلس الى منطقة الكرامة في الاردن ومنها الى عمان ثم الزرقاء حيث انتهى بهم الحال.

ويتذكر المصري كيف كان الناس يمنون النفس بقصر امد اللجوء ويعيشون وفقا لذلك، ويورد حادثة في هذا الصدد قائلا انه اراد تثبيت الخيمة التي اقاموها في مخيم الزرقاء مع تاسيسه عام 1949، فطلب منه ابوه الا يفعل "لانو احنا بكرا راجعين".

ولجأ الى المخيم عند اقامته نحو ثمانية الاف لاجئ، وهو يضم حاليا اكثر من 18 الف لاجئ.

ويؤكد الرجل الذي توفي والده وهو ينتظر عودة لم تتحقق الى يافا، ان "فلسطين لن تعود بسلام وهذه المفاوضات جميعها كاذبة" في اشارة الى الجولات العديدة والمتوالية لمحادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.

ولم تكن الحال مختلفة مع الحاج محمد درويش (72 عاما) من مدينة الرملة، والذي دعا الاجيال الجديدة الى النضال من اجل استرجاع البلاد.

وقال درويش انه على صغر سنه ابان النكبة، الا انه لا يزال يذكر كيف طرده اليهود مع اهله من مدينتهم تحت تهديد السلاح، مضيفا انهم انتقلوا حينها الى رام الله في الضفة الغربية ومنها الى الاردن.

ومن يومها لم يكتب لهذا الرجل ان يرى مدينته ثانية، ولا يزال يعيش على امل العودة "ما بدي اشي بس ارجع على وطني".

وملحمة النكبة والحنين الى الوطن لا تقف عند المسنين في المخيم، فقد انتقلت عبرهم الى الصغار وباتت جزءا من ذاكرتهم وكيانهم كما هي الحال مع محمد ابن الثماني سنوات، والذي شرد الصهاينة اهله من مدينتهم يافا.

وبعفوية يجيبك محمد حين تساله عن النكبة واللجوء "اليهود طرونا من بلادنا، لما اكبر بدي ارجع عفلسطين.. انا ما بحب اليهود لانهم قتلونا وطرونا".

ومثله يقول عبدالله ابن الثالثة عشرة والذي يتحدر من الرملة "انا حاب ارجع بس ظروفنا ما بتسمحلنا"، ويضيف "اليهود الله يبعدهم ويصرفهم عنا ويطلعهم من بلادنا".

وبعد مرور 66 عاما، لا تزال النكبة حية في ذاكرة ووجدان الاجيال المتعاقبة للاجئين، ما ينسف اوهام قادة اسرائيل الذين طالما رددوا شعار بن غوريون رئيس وزراء كيانهم الاسبق والذي قال عام 1948 ان "الكبار يموتون والصغار ينسون".