قصة "بائعة الخبز" المجهولة في شارع باب الواد- فيديو

قصة "بائعة الخبز" المجهولة في شارع باب الواد- فيديو
الرابط المختصر

تغادر بيتها في شارع باب الواد وسط الزرقاء مع ساعات الفجر مخلفة وراءها طفلها الوحيد وزوجها الشيخ المريض، لتبدأ رحلتها اليومية في نبش الحاويات بحثا عن كل ما يمكن ان يصلح للبيع: خبز بايت، بلاسيتك، عبوات مشروبات غازية..

لكن اكثر ما يسترعي اهتمام ام خليفة هو الخبز الذي حازت لقبها بسببه، حتى صارت تدعى "بائعة الخبز" من قبل سكان الحي الذين يجهلون كل شئ اخر عنها، حتى اسمها.

تجمع ام خليفة (46 عاما) فتات خبز الموائد وتجففه لتبيعة لاحقا لزبائنها من اصحاب المواشي دون موعد محدد، فالعرض لديها متوافر ومتكدس في شوالات في حوش البيت بانتظار الطلب الذي لا تعرف متى يأتي.

وحصيلة جولات هذه المرأة على الحاويات بحثا عن كسر الخبز، والتي تستمر في كل الظروف، سواء قيظ الصيف او زمهرير الشتاء، لا تكاد تتجاوز 15 شوالا شهريا.

وهي تتقاضى من المشترين اثمانا تصل في افضل الاحوال الى دينار ونصف الدينار للشوال الواحد, وربما لا توفق في بيع كل الكمية، فتبقى عندها بضعة اشولة لا تلبث ان تتعفن بفعل الرطوبة، وخصوصا في الشتاء، فتغدو غير صالحة للبيع.

وليس لاسرة ام خليفة من مصدر دخل غير ما تجنيه من جمع الخبز والعلب، سوى راتب زوجها التقاعدي والذي لا يتجاوز ثمانين دينارا.

على انها لا ترى شيئا من هذا الراتب الذي تقول انه يذهب للانفاق على بيت ضرتها التي لم نعلم ما اذا كان ابو خليفة تزوجها قبلها ام بعدها.

وقد سعت لدى مديرية التنمية الاجتماعية علها تحصل على معونة شهرية، لكنها اصطدمت بالرفض بحجة عدم استيفائها للشروط في ظل ان زوجها يتقاضى راتبا تقاعديا.

وايضا حاولت العمل اذنة مدرسة، لكن عمرها لم يسعفها، وفكرت في العمل في احد المصانع، الا ان ذلك كان سيعني تغيبها عن ابنها وزوجها المريض طيلة النهار، فاستبعدت هذا الخيار.

ومع انعدام الراتب واي امل في الحصول على معونة او وظيفة اصبح عملها هو باب الرزق الوحيد للاسرة.

لكنها تقول ان ما تجنيه يذهب معظمه لسداد اجرة البيت البالغة سبعين دينارا، والتي تمر شهور احيانا دون ان تستطيع توفيرها.

في بيتها المتواضع الذي يخلو من معظم مقومات الحياة، تحدثك بائعة الخبز باسى عن اضطرارها الى ترك بيتها مع اذان الفحر لالتقاط ما في الحاويات قبل ان تصلها سيارات البلدية وتذهب بخيراتها الى مكب النفايات.

وبين الفينة والاخرى كان صوت زوجها الذي تخطى الثمانين، يتعالى من غرفة مجاورة هازا اركان البيت.

كلماته غير مفهومة، لكن مضمونها على ما يتضح هو عبارة عن اوامر وزجر يبدو انه اعتادهما منذ كان في صحته وسيدا للبيت.

وبنبرة من لا يعوزها الصبر، قالت مشيرة اليه ان وضعه الصحي المثير للشفقة هو ما يجعلها تحتمل نزقه الذي لا يتوقف ولا يراعي الشقاء الذي تكابده خلال جولاتها الطويلة على الحاويات في الازقة والحواري.

واضافت ومعالم سكينة عجيبة على محياها "الله بيدبرها، وهيني بشتغل في الخبز، وأهم شيء عندي أئمن اجار البيت، وما بيهمني اشي تاني".

وتابعت "مشي حالي بجمع البلاستيكات والخبزات، بمشين معنا حتى ربنا يهونها .وهاي حياتنا والحمد لله رب العالمين. المهم هالختيار تظل صحته وعافيته منيحة، وابني منيح، وغير هيك والله ما انا سائلة عن اشي".

صمتت برهة ثم ابتسمت وقالت "مش ضروري نوكل كل يوم لحمة، مش مهم، المهم نظل بصحتنا وعافيتنا، صحن سلطة بيمشي معنا، حتى لو زر بندورة بيمشي معنا".

كل ما في بيت ام خليفة، وهو بسيط وقليل في كل الاحوال، كانت عثرت عليه في الحاويات او جادت به نفس كريمة، بدءا من الصحون والطناجر، وليس انتهاء بمجموعة كراسي البلاستيك التي وهبتها لها احدى النساء قبل ان تتوفى.

والمساعدات التي تحصل عليها من الجيران قليلة ونادرة، فهي لا تعرف احدا منهم كما تقول، كما انها ليس لها اقرباء في الاردن حيث انهم جميعهم يقيمون في الضفة الغربية.

غير انها تلفت الى ان المساعدة الثابتة الوحيدة التي تتلقاها هي من طبيبن في المدينة يعرفان باحوالها ولا يبخلان عليها بالعلاج والادوية كلما احتاجت هي او ابنها.

ولبائعة الخبز التي هرمت قبل الاوان ثلاث امنيات خبرنا بها وتقول انها لا تريد من الدنيا غيرها.

ان يحفظ الله لها ابنها خليفة الذي رزقت به بعد اربع اجهاضات، وان يقيض الله لها من يعينها في ايجار البيت، وان يتركها البعض في حالها وخاصة من اعتادوا تصويرها وهي تنبش الحاويات ثم يقومون بنشر الصور في وسائل الاعلام والانترنت.

وعن هؤلاء، تقول بائعة الخبز باستياء "بصوروني وبعرضوا الصور على اللي بيسوا واللي ما بيسوا".

ولم يكن هناك اشخاص كثيرون من جيران بائعة الخبز مكن يمكن سؤالهم عن احوالها، فهي شبه مجهولة لهم، اللهم سوى من جار واحد اكتفى بالاشارة اليها باعتبارها امراة "تتمتع بعزة نفس لا توصف".