يبرر خبراء تفضيل الجماعات الإرهابيّة المتطرفة لوسائل الإعلام الإلكترونية، أو ما بات يُعرف بالإعلام "البديل"، إلى غياب السطوة الحكومية والرقابة الأمنية عليها، وسهولة النشر وكثافته، وسرعة وصول الرسالة عبرها.
وليس خافيا على أحد إعتماد تلك الجماعات الأصولية المتطرفة على قنوات البث الإلكتروني ومواقع التواصل الإجتماعي، للوصول إلى فئات الشباب العربي بشكل خاص، والشاب في العالم بشكل عام، ممن يتعاطفون مع أفكارهم أو غير المهتمين منهم؛ لجذبهم واستمالتهم بشتى الطرق وتوريطهم وإقناعهم بالإنضمام إلى صفوفهم في مناطق النزاع الساخنة وأهمها سورية حاليًا.
وبحسب الإحصاءات، فأن نسبة الشباب التي نجح تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام "داعش"، باستقطابهم عبر موقع التواصل الإجتماعي "تويتر" بلغت 80%، من مُجمل الشباب المنخرطين في صفوف التنظيم، وسمعنا عن حوادث وأخبار عديدة في الأردن لحالات تمَّ تجنيدها بالفعل عبر وسائل إلكترونيّة مختلفة- آخرها الفتاة العشرينيّة من الكرك التي أطلق عليها الإعلام لقب "تائبة داعش".
وفي الوقت الذي تبذل الدولة الأردنية جهدًا كبيرًا لمحاربة فكر تلك الجماعات التي تصفها بالإرهابية، وتحاول جاهدة بكل أجهزتها وعلى لسان أعلى رأس الهرم فيها، الحدَّ من تأثيرها ومحاربتها بالحجة والمنطق، وإقناع الجميع بانحراف منهجها، فإننا ما زلنا نلمس للأسف ظهور أصوات تتعاطف معها وتبرر بعض أعمالها.
صحيح أن غالبية المجتمع الأردني ترفض منهج التغول والتطرف، إلّا أنّ هذا لا يعني اختفاء هذا النهج بالكامل وبعده عن عقول البعض بالمطلق ممن يعيشون بيننا، نتعامل معهم يوميًا، بعضهم يدرّس أبناءنا، وآخرون يخطبون في مساجدنا بلا حسيب أو رقيب.
وتخطئ الدولة الأردنية إن اعتمدت في محاربة هذا الفكر على الخطابات المنمّقة في المؤتمرات والمحافل الرسمية الروتينية، والبرامج التلفزيونية المملة، بلغة ممجوجة وجمل فارغة من مضمونها، وأفكار مستهلكة ومكررة ومفروغ منها؛ فالفكر لا يُحارب إلّا بالفكر، والمشاريع الظلامية المتشددة، لا يُوقفها تشدّدٌ مضادٌ على الحريات وسهولة انسياب المعلومات ووصولها للعامة، والتشدد على الإعلام بحبس الصحفيين وتوقيفهم تارة، ومنعهم من النشر تارة أخرى، وفي الخلفية سيف قانون أمن الدولة مسلطٌ وجاهزٌ للإنقضاض على الصحفيين في أي لحظة وتحت أي مسمى جاهز ومعلّب.
فالفضاء الإلكتروني متاح ومفتوح على مصراعيه أمام الجماعات المتطرفة، ومريديها وخلاياها النائمة في كل مكان، وضحاياها المحتملين يجلسون باسترخاء في غرف معيشتنا، وفي مدارسنا وجامعتنا، ويتم نسج الخيوط لسحبهم إلى غياهب الجهل والغباء ببطء دون أن نشعر.
ولا يعقل أننا نعيش في عصر ثورة الاتصالات، ونحن على علم واطلاع بنشاط تلك الجماعات وامتلاكها لأحدث التقنيات الإلكترونية، وقدرتها على توظيف طرق ووسائل خداع وغسيل الأدمغة بشكل لا تملكه دول بحد ذاتها، وما زلنا نحارب فكرها وسمومها بالمنع والتضييق وعدم النشر، وعدم إتاحة المجال للشباب للمعرفة والإطلاع والمشاركة بالتغيير بشكل حقيقي وملموس .
لا يستطيع أحد إنكار سطوة الإعلام، وقدرته -إن كان مهنيًا -على التأثير الإيجابي وكشف الغموض والتقصير ومرونته في توفير المعلومة للجميع في كل وقت وباسهل الطرق، ولمن يرغب في أي مجال يريد، فلماذا نترك تلك الجماعات تستفيد من كل هذه المميزات، ونضن على شبابنا ومجتمعنا بشكل عام الاستفاد منها، الأمر الذي يساهم في تحصينه أمام حرب تلك الجماعات وفكرها الظلامي.
الإنحناء أمام العاصفة لا يكون دائمًا قرارًا حكيمًا، فأحيانا المواجهة العقلانية لعواصف الفكر التي تضرب مجتمعنا من كل صوب، هو الحل الذي يقويه من جهة، ويعطيه المناعة أمام تلك الأفكار الرجعية الخارجة عن كل ما هو مقبول أو معروف في موروثنا الإنساني من جهة أخرى.
والمواجهة في كل الظروف لا تكون بالمنع ومحاربة الفكر التنويري الخلاق، وإنما تشجعيه بشكل علمي وممنهج، ومنحه المساحة المناسبه عبر منصات التعبير المختلفة براحة ومهنية وشفافية.