عمال "الخدمات المساندة".. ظروف ترقى الى "السخرة"
رواتب دون الحد الادني وساعات عمل اضافية بدون تعويض
بعضهم لم يسمع بـ"الضمان" ولم يوقع عقدا ولا يعرف حتى اسم الشركة التي يعمل فيها
منذ ثماني سنوات لم تحصل عاملة النظافة في احدى شركات الخدمات الصحية المساندة (ن ل) على اجازة مدفوعة الاجر، واذا ما اضطرت يوما الى التغيب عن العمل فان الشركة تلزمها باحضار بديل وبدفع اجرته من جيبها.
بدأت العمل براتب قدره 170 دينارا، وهو لم يتغير برغم ان الحد الادني للاجور اصبح 190 دينارا اعتبارا من 2012، وهي تؤكد انها غير مشمولة بالضمان الاجتماعي ولا بتامين صحي، وحالها في ذلك حال كافة عمال الشركة.
تسمع (ن ل) بقانون العمل، لكنها لا تعرف عنه شيئا، ولا ترى انها بحاجة الى ذلك، فالقانون السائد هو الذي قانون الشركة وصاحبها "المتنفذ" كما تقول، ومن لا يرضخ له يصبح مصيره الشارع.
ويصل الخوف من الطرد حدا يمنع الكثيرين ممن يعملون في شركات الخدمات المساندة امثال هذه المراة من المطالبة بابسط حقوقهم وفقا لقانون العمل السائد في البلاد، والذي اثبتت التجارب عجزه عن حمايتهم.
وتشتمل مهن العاملين في هذا الحقل على النظافة والتغذية والمراسلين وغيرها مما تتخصص فيه شركات تعمل لحساب مؤسسات الصحية كالمستشفيات الحكومية والخاصة والعيادات والمراكز الصحية والصيدليات والمختبرات وعيادات الأشعة.
وتشير بعض التقديرات الى ان اعداد العاملين في هذه الشركات على مستوى المملكة تصل الى نحو عشرة الاف، غالبيتهم وافدون، وبنسبة تصل الى حوالي 80 بالمئة.
بلا عقود او ضمان
كثير من موظفي شركات الخدمات المساندة يعملون في ظروف سيئة كما يصفونها لنا، ولساعات تمتد اكثر من المحدد ضمن القانون وهي ثماني ساعات، ودون ان يجري تعويضهم عن اوقات العمل الاضافية.
وتقول عاملة نظافة تحدثت الينا والخوف باد في وجهها، انها تعمل بلا عقد ولمدة ثماني ساعات ونصف الساعة يوميا، ولا تحصل على اي اجر عن وقت عملها الاضافي.
وتضيف ان راتبها المسجل هو 190 دينارا، لكن الشركة تخصم منه عشرة دنانير بدعوى تسديد اشتراكها في الضمان الاجتماعي الذي لا تعرف رقمها فيه وليست متأكدة اصلا من انها مشمولة به، بل وحتى تخشى مجرد السؤال عن ذلك.
عاملة اخرى تبلغ من العمر 35 عاما، تؤكد لنا ايضا انها لا تعرف ما اذا كانت مسجلة في الضمان ام لا، وذلك برغم مضي قرابة السنة على بدئها العمل في الشركة.
وتقول هذه العاملة انها لم توقع عقد عمل كما انها لا تحصل على اجازاتها الا بصعوبة بالغة، وتجبر على العمل في ايام الجمع والعطل الرسمية، ودون ان تحصل على اجر العمل الاضافي او حتى ايام عطلة بديلة.
يجهلون حقوقهم
عاملو النظافة في شركات الخدمات المساندة هم في غالبيتهم من ذوي التعليم المتدني، وبعضهم يجهل حتى القراءة والكتابة، وهو ما يحول دون تمتعهم بالثقافة القانونية الضرورية للحفاظ على حقوقهم.
ويصل الامر بعاملين حتى الى الجهل باسم الشركات التي يعملون فيها كما هي الحال مع العاملة (و ع)، والتي قالت انها ايضا لم توقع عقدا مع الشركة، ولم تسمع بالضمان الاجتماعي، ولا تعرف ما اذا كان من حقها الحصول على اجازة.
وكما تخبرنا، فراتبها هو 170 دينارا فقط، ولم تحصل على يوم اجازة منذ بدئها العمل في الشركة، ولا سبق لها ان طلبت اجازة، وكل ما تطمح اليه هو زيادة متواضعة على راتبها.
اما (س ل)، وهو عامل نظافة وافد في احدى المستشفيات، فيصف ظروف العمل بانها "لا يقبل بها ابناء البلد"، ويصل عدد ساعات عمله الى عشرساعات يوميا، ويتقاضى عن الاضافي مبلغا مقطوعا قدره مئة دينار الى جانب راتبه البالغ 150 دينارا.
كما انه لا يحصل على الاجر المعتاد عن العمل خلال العطل الرسمية، وتكتفي الشركة بمنحه يوم اجازة بدلا من ذلك.
شركات تبرر
وتبرر مشرفة عمال في احدى شركات الخدمات غياب العقود بالقول ان العمال سرعان ما يتركون وظائفهم، في اشارة الى انهم يخرجون من الشركة قبل انقضاء فترة التجربة البالغة ثلاثة شهور، والتي توقع العقود بعدها عادة.
لكن المشرفة رفضت التعليق عندما عرضنا عليها حالات عاملات مضى على التحاقهن بالشركة اكثر من سنتين.
وبدلا من ذلك اكدت ان الشركة لا تظلم احدا من العمال، وهي تشركهم في الضمان الاجتماعي، وتراعي شعورهم وتحاول التخفيف عنهم نظرا لظروف عملهم الصعبة.
كما نفت حرمان العمال من الاجازات، وقالت انهم يعوضونهم عنها بالسماح لهم بمغادرة العمل مبكرا او يعطونهم عطلة في ايام السبت اذا لم تكن هناك حاجة للعمل في تلك الايام .
عمل جبري
من جهته، قال المسؤول في مديرية تشغيل الزرقاء فادي الزيود انه "في حالة ورود شكوى من اي عامل نوجهه الى قسم التفتيش لتقديم شكوى خطية.. من ثم يتفاوض مفتش العمل مع صاحب الشركة لتحصيل حقوق العامل".
واضاف ان هناك ورشة عمل سنوية تنظمها المديرية في غرفة الصناعة او التجارة "لتثقيف" العمال بخصوص حقوقهم، مشيرا الى ان قانون العمل منشور في موقع الوزارة على الانترنت، وبامكانهم الاطلاع عليه للتعرف اكثر على هذه الحقوق.
وكان تقرير للمرصد العمالي نشر العام 2011، قد كشف عن ان غالبية العاملين في شركات الخدمات الصحية المساندة "يتعرضون لانتهاكات انسانية وعمالية كبيرة يصل بعضها الى شبهة العمل الجبري" او ما يعرف بالسخرة.
وتعرف منظمة العمل الدولية العمل الجبري او السخرة بانه "كل أعمال أو خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره".
وحسب تقرير المرصد، فان غالبية العاملين في هذا القطاع "مسلوبون لغالبية حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في قانون العمل الأردني".
واشار التقرير خصوصا الى "انخفاض اجورهم عن الحد الأدنى للأجور وساعات العمل الطويلة وتعرضهم لشبهة العمل الجبري وحرمانهم من الاجازات السنوية والمرضية والرسمية".
واضاف انهم "محرومون أيضا من الحصول على بدل العمل الاضافي وحقهم في الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتوفير شروط الصحة والسلامة المهنية وغيرها من الحقوق العمالية الأساسية".
إستمع الآن