جبرأ أم أختيارا ..ما زالت تدير عالمها من المطيخ

جبرأ أم أختيارا ..ما زالت تدير عالمها من المطيخ

أثارت عبارة " مكان المرأة هو المطبخ" كتبت على  سيارة تجوب شوارع الزرقاء،  حفيظة الكثيرين وغضب البعض على مواقع التواصل الإجتماعي، ولم يستغرق الإستنكار بالتعليقات الناقدة والرافضة إلا ساعات، كما هو الحال بالتضامن الإفتراضي بالمجل!.

الرفض، والشجب، والأستنكار لم يتجاوز أغلفة الهواتف الذكية، والكمبويترات المحمولة، وبقي حبيسا للفضاء الإلكتروني، تائها كما هي همومنا الكبرى وقضايانا المصيرية، وليس أقلها رفض معاملة المرأة بعدالة، كمواطنة متساوية الحقوق والواجبات، كما تنص المادة السادسة من الدستور الأردني.

بالنسبة للعبارة بحد ذاتها هي ليست عيبا بالمعنى الفني؛ إن كانت تقول بأن مكان أي  شخص هو  المكان الذي  يحب أن يكون فيه،  رجلاّ كان أم إمرأة، سواء في المطبخ  أو المكتب أو في الميدان، كالعديد من شرطيات السير والممرضات والمنقذات  وعاملات المصانع اللواتي يتحملن ضغوط العمل والأسرة معا بكل إقتدار، في حين يرفض رجال قبول وظيفة ميدانية بعيدة عن المكاتب، يرونها بفكرهم  الضيق تقلل من هيبتهم وصورتهم الإجتماعية .

وإنما العيب هو ربط  المطبخ بالمرأة، انتقاصا منها وتذكيرها "بحجمها الطبيعي ودورها التقليدي" الذي يجب أن لا تفكر مجرد تفكير بتعديه أو تجاوزه، وهو نابع  برأيي من فكر ضيق يخشى الانفتاح أو الإعتراف بحقيقة أن المرأة لم تعد حبيسة المطبخ فقط، فالنساء العاملات في مختلف بقاع العالم يعملن داخل المنزل وخارجة بدوام كامل بلا راحة.

وإن اختارت إمرأة ان يكون مكانها المطبخ، أو شاءت ظروفها أن تختار ذلك، أو أن أحدهم مارس عليها سلطة ومنعها من أن تخرج منه، فأن النساء حتى لو "وقرن ببيوتهن" فأنهن بلا شك ينظمن شؤون أسرة كاملة ويتابعن علاقة أفرادها ببعضهم البعض، وعلاقتهم مع المحيط الخارجي اللواتي ينظرن اليه من خلف نوافذ زجاجية تحميه قضبان حديدية.

لا اعرف بشكل قاطع ما الذي دفع رجلا بأن  يهين النساء بهذة الطريقة وبشكل علني ومقصود، و أرفض تبريرات البعض بأنه" ربما كان مستفزا"، وأقول له: الشعور بالاستفزاز أكثر سهولة من أن تهان وتعنف ويتم التطاول على كرامتك وبشكل يومي وعلني كما كتبت  أنت على سيارتك، التي وإن عكست أمراّ بالنسبة لي فهو: شعورك العميق بالنقص، وسلوكاّ تمييزياّ متخلفاّ منك.

لا نستطيع بعد اليوم الأنتظار أكثر لكي تتحسن النظرة الإجتماعية التمييزية السائدة تجاه المرأة، أو بالأحرى تجاه مكتسبات المرأة وحقوقها كمواطنة كاملة الحقوق متساوية بالحقوق والواجبات، لأنه من الواضح أن لا مؤشرات مبشرة بذلك.

وليس أمامنا إلا الباب التشريعي، نطرقة  بقوة ونعتمد عليه  وبشكل سريع  وفق خطة عملية وعلمية مدروسة من متخصصين وقانونين ومهتمين بحقوق الإنسان لتحسين الوضع القانوني والبيئة السياسية الحاضنة لذلك، إذا أن الواقع يقول أن البيئة التشريعية لدينا تتأثر بالتوجهات السياسية وحساباتها.

لذلك إن تحسين الوضع العام لحقوق الإنسان بالأردن بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص، يحتاج لإرادة سياسية صادقة تضغط على مشرعين يسهل التأثير عليهم -وامتيازات أبناء الأردنيات مثالا على ذلك- إن أرادت القوى الأمنية والتقليدية المحافظة في دوائر صنع القرار  إصلاحا  جذريا حقيقاّ وتغييرا ملموسا إلى الأمام، ورافضا للواقع التمييزي تجاه المرأة على الأقل بنصوص القانون.

قد يقول البعض أن النصوص القانونية لا تغير واقع اجتماعي موروث منذ آلاف السنين تدعمه قوى اجتماعية ودينية محافظة تلاعبت بنصوص تشريعية ودينية، وكيفيت بشكل معاد للمرأة خدمة لمصالح تلك القوى الإجتماعية، ولكنني أقول : إن جميع القضايا الجدلية التي تخص المرأة أو غيرها من الفئات المهمشة، أو حتى قضايا عامة أخرى، لا يمكن أن نغير واقعها المتردي دون أن نخلق بيئة تشريعية عادلة تشكل مرجعا محايدا وقويا إن أردنا اللجوء إليها.

فإن أمتلك البعض الجرأة وقرر المتابعة والكفاح وأستخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق هدفه، فإن أقوى الأوراق التي يواجه فيها كل قوى التخلف والرفض الإجتماعي للانفتاح والتغيير، هي قوة القانون؛ الذي يسجل سوابق قضائية تبنى عليها، ثم استقرارا تشريعيا يدعم الحقوق التي أقرتها تلك القوانين العادلة للجميع بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين.

في تلك اللحظة يحق لمن كان :أن يختار  المكان الذي يجب أو يحب أن يكون فيه، دون الحاجة الى إلزامه بالمطبخ أو أي مكان آخر بعبارات هجومية وهينة على السيارات ..لأنه ببساطة ستكون هذه العبارة جريمة يعاقب عليها القانون، أو على الأقل تصرفا يستحق مخالفة سير.

أضف تعليقك