"بيرين" رئة الزرقاء وعاصمتها السياحية

"بيرين" رئة الزرقاء وعاصمتها السياحية
الرابط المختصر

يزورها نحو 60 الفا في العطلات وليس فيها سوى 12 عامل نظافة

تحتضن 92 ألفا من أشجار البلوط والسرو والسنديان، وبعضها يتجاوز عمره الالف عام

علماء غربيون يؤكدون انها تشتمل على اضخم موقع اثري في الشرق الاوسط

 

تحت ظلال غابات الصنوبر والبلوط في بيرين غربي الزرقاء، والتي يتجاوز عمر بعض اشجارها الالف عام، يقول خبراء ان اكبر موقع اثري في الشرق الاوسط لا يزال يقبع في انتظار كشف اسراره التي تمتد الى عشرة الاف عام قبل الميلاد.

وحتى ذلك الحين، تواصل بيرين الاحتفاظ بمكانتها التي تتعزز في كل يوم باعتبارها رئة الزرقاء ومقصد عشرات الالاف ممن تزدحم بهم الطرق المؤدية اليها في العطلات.

وتمثل البلدة مركز قضاء يضم تسع عشر قرية ويمتاز بطقسه المعتدل صيفا والبارد نسبيا في الشتاء، حيث يشهد تساقطا للثلوج في الكثير من المواسم.

وفي الدارج بين اهلها ان بيرين التي تلتقي عندها حدود الزرقاء مع محافظات عمان جنوبا والبلقاء غربا وجرش شمالا، قد حازت هذا الاسم تيمنا ببئرين قديمين يقعان داخل البلدة.

 

كلها سياحية

يصف رئيس بلدية بيرين الكبرى هاني الخلايلة منطقة بيرين بحدودها البالغة 260 كيلومترا مربعا بانها "كلها سياحية"، لافتا الى انها تحتضن "92 ألفا من أشجار البلوط والسرو والسنديان والنبق البري والبطم وغيرها".

وقال الخلايلة ان اعداد الذين يأتون اليها من الزرقاء والمحافظات المجاورة في ايام الجمع والعطلات تتراوح بين 50 و60 الفا، مشيرا الى ان نحو 15 الفا من هؤلاء يؤمون متنزه الامير هاشم الذي تشرف عليه البلدية.

وعبر عن تفاؤله بان تصبح بيرين "يوما ما وقريبا جدا المنطقة الأولى سياحيا" على مستوى المملكة.

وفي المقابل، اكد الخلايلة ان أعداد السياح المتزايدة تشكل ضغطا على بلديته التي تجد نفسها مضطرة الى العمل ضمن مساحة كبيرة وبامكانات متواضعة حيث انه لا يوجد لديها سوى 12 عامل نظافة.

واعتبر ان هذا العدد المحدود من عمال النظافة لا يكفي للمحافظة على بيئة بيرين، وان الامر يتطلب تعاونا من المواطنين انفسهم.

وقال "علينا ان نكون كلنا عمال وطن وان نخدم انفسنا بانفسنا. والمواطن حين يرتاد بيرين يختار المنطقة النظيفة التي تخلو من النفايات.. وحين يخرج كل ما عليه هو أن يجمع النفايات التي خلفها في كيس وحتى لو تركه فنحن مستعدون لجمعه".

وفي ما يتعلق بمتنزه الامير هاشم الذي افتتح عام 2007 وتتقاضى البلدية رسما قدره دينار عن كل سيارة تدخله، فقد وصفه الخلايلة بانه عبء على البلدية اكثر مما هو مصدر دخل لها.

وقال "هو حمل وليس منفعة للبلدية، نحن ننفق على المتنزه 90 ألف دينار سنويا ما بين أجور عمال وتأمين مرافق صحية ومناقل ومقاعد اسمنتية وغيرها..بينما كل ما يدخل على البلدية منه هو مبلغ رمزي يتراوح بين 40 الى 45 ألف دينار".

واضاف ان "الرسوم التي يدفعها الزائر وهي دينار واحد غير كافية، وأتمنى زيادة هذا الدينار لكنني لا اجرؤ على زيادته".

 

منجم اثار

الى جانب طبيعتها الخلابة تمتاز منطقة بيرين بانها منجم اثار خلفتها حضارات وتجمعات بشرية سكنتها منذ الاف السنوات.

وقال استاذ علم الاثار محمد وهيب ان "المواقع الأثرية الموجودة في بيرين والمترامية على جانبي وادي الزرقاء تمتد إلى حوالي عشرة آلاف عام قبل الميلاد"، مؤكدا انها "منطقة سياحية بامتياز وباعتراف كل علماء السياحة والآثار في الأردن".

واوضح وهيب، وهو عميد معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث في الجامعة الهاشمية، ان منطقة بيرين "كانت تقع بين أكبر حضارتين في التاريخ" هما حضارة الودع التي توجد خربة تحمل اسمها في المنطقة، وحضارة انسان عين غزال في عمان.

واضاف ان علماء اثار غربيين مسحوا المنطقة يؤكدون ان خربة الودع التي تقع عند التقاء واديي الزرقاء والظليل في بيرين هي "أضخم موقع في منطقة الشرق الأوسط".

واشار الى وجود مواقع اثرية كثيرة في بيرين منها تل البيرة وخرب مكحول والمسرات وصروت وغيرها والتي هي عبارة عن مدن وقرى، وبعضها كان يخترقه الطريق الروماني القادم من جرش والذي يستمر حتى فيلادلفيا (عمان).

وقال وهيب ان هذه المواقع لم يتم التنقيب في معظمها، ولكنه يلفت الى ان "الدراسات الميدانية التي قمنا بها أكدت لنا أن هذه القرى واعدة وفيها الكثير من الإرث الحضاري في شتى الجوانب والمجالات".

وعبر عن ثقته بان "أعمال التنقيب المستقبلية ستظهر لنا كم كان وادي الزرقاء غنيا بالحضارة".

ونوه وهيب الى ان منطقة بيرين تشتمل على مقومات قوية للسياحة الدينية ممثلة بالمساجد التاريخية ومنها المسجد العمري في الكمشة ومسجد القنية ومسجد صروت التاريخي الذي تجري دراسات لترميمه حاليا.

واشار الى خربة مكحول ذات الابنية الدائرية والتي كانت تعد من أهم القلاع الإسلامية على الطريق الواصلة ما  بين عمان وجرش.

وقال وهيب ان بيرين تكتسب اهمية دينية اضافية بحكم ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد مر عبرها خلال رحلته قبل نبوته متوجها الى جرش بحسب ما يؤكده المؤرخون والرحّالة المسلمون الأوائل من خلال شروحاتهم وكتاباتهم ومراجعهم.

وبين ان المنطقة تتمتع كذلك بمقومات السياحة العلاجية حيث توجد فيها ينابيع كبريتية الى جانب الحمام الساخن أو ما يطلق عليه السكان المحليون "حمام البنت".

ولفت وهيبب الى ان الجامعة الهاشمية تعمل بالتعاون مع مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي وعدد من الجمعيات والمؤسسات المحافظة من اجل عقد مؤتمر الزرقاء الكبرى الذي سيلقي الضوء على تاريخ بيرين بصفتها درة في منطقة شمال عمان.

 

سوسة دمار

بحزن، يحدثنا احد السكان وهو بسام نوري عن تراجع الرقعة الخضراء في بيرين خلال السنوات الماضية بفعل العبث والاعتداءات.

وقال نوري الذي رافقنا في جولة قصيرة في بيرين بمعية مدير العلاقات العامة في البلدية محمد الزواهرة ان المنطقة "كانت عبارة عن متنزهات وغابات.. ولأننا نحن البشر سوسة دمار فقد قضينا على نصف الأشجار ونصف الثروات الطبيعية".

وعندما وصلنا الى منطقة تدعى ام البيار، توقف نوري وشرح لنا عنها قائلا انها سميت كذلك بسبب كثرة ابار جمع مياه الامطار فيها والتي كان الناس يعتمدون عليها قديما في سقاية المزروعات والماشية.

وأشار إلى كهوف ومغارات يطلق عليها اسم مغر رومية، والتي كانت البعض يتخذونها سابقا ملجأ يحتمون به من المطر ويستخدمونها احياننا لتخزين القمح والشعير والتبن.

وفي منطقة المسرات في العالوك كان أول ما استرعى انتباهنا شجرة بلوط معمرة في داخل جذعها تجويف كبير يتردد ان عمرها يتجاوز مئات السنين، والى جانبها كنيسة اثرية.

وقال الزواهرة ان "المسرات من المناطق السياحية الأولى في المملكة ولكن لا يوجد اهتمام كاف بها من قبل وزارة السياحة".

وتحت احدى الاشجار في متنزه الامير هاشم كانت سيدة هي ام اسامة قد جلست مع افراد من اسرتها وقد علقت كيسا الى غصن في الشجرة بدا انها خصصته لجمع النفايات.

وقالت ام اسامة "جلبته معي من الزرقاء وقد جمعنا النفايات ووضعناها فيه"، مضيفة انها حضرت مع ابنيها وزوجتيهما وابنائهم من اجل تمضية يوم العطلة خاصة وان الطقس كان مثاليا.

وكانت لهذه المراة التي تزور المنطقة للمرة الاولى ملاحظة بشأن المرافق الصحية التي قالت انها بعيدة وبحاجة الى عناية.

وتتذكر سيدة اخرى هي ام حمزة كيف كانت تحضر الى بيرين في الرحلات المدرسية في سنوات عمرها الاولى، وبالمقارنة مع ما كان عليه الحال سابقا وما هو موجود الان، فهي تلاحظ ان النفايات باتت سمة تشوه جمالية البيئة في المنطقة.

وايضا كانت لأم حمزة التي اصطحبت معها ابناءها نفس الملاحظة في ما يتعلق ببعد المرافق الصحية عن المتنزهين.

وقال محمد حافظ الذي كان يجلس مع عائلته "المتنزه ممتاز وقريب لاهالي الزرقاء..كنا نبحث عن مكان للتنزه وفكرنا في الذهاب الى عمان، وعندما سمعنا عنه جئنا وهذه اول مرة"، مضيفا ان المتنزه "بحاجة الى دعاية مع المزيد من الاهتمام بالنظافة وحينها سيكون رائعا".

 

أضف تعليقك