"الفتيش" كابوس الزرقاء الذي يتكرر كل رمضان

"الفتيش" كابوس الزرقاء الذي يتكرر كل رمضان
الرابط المختصر

مخاطر انفجاره المفاجئ قد تؤدي الى الموت لمرضى القلب

مؤشرات على انفلات الظاهرة في ظل غياب اية رقابة فعلية

اساليب جديدة للعابثين من بينها القاؤه في احضان ركاب السيارات المارة

 

كما في كل عام، وما ان يحل رمضان حتى يخرج مارد "الفتيش" من قمقمه مُحيلا حياة الزرقاويين الى كابوس لا يفارقهم ليلا ولا نهارا، ودون ان يجدوا من ينقذهم من الجهات الرسمية التي تكتفي كل منها بالقاء المسؤولية على الاخرى.

 

وفي تطور يشير الى انفلات الظاهرة في ظل غياب اية رقابة فعلية، فقد شهدت الاسواق هذا العام تداولا لانواع "فتيش" تمتاز باصوات انفجارات اشد مما عهده الاهالي سابقا، وتعرض بكميات كبيرة في البقالات وعلى البسطات.

 

وبعدما كان العابثون يتفننون سابقا في قذف الفتيش وسط مصلي التراويح في المساجد وفي مداخل وشرفات البيوت، فقد باتوا يلجأون حاليا الى اساليب اكثر خطورة، ومن ذلك القاؤه لينفجر في احضان سائقي وركاب السيارات العابرة.

 

وبينما لم تسجل الى الان اية اصابات مميتة جراء انفجارات الفتيش، الا انها كانت سببا في مشاجرة اندلعت في احد احياء المدينة واستخدمت فيها الاسلحة ما اسفر عن اصابة ثلاثة اشخاص، اثنان منهم بعيارات نارية.

 

على ان المخاطر المباشرة التي يشتمل عليها اللهو بالفتيش، تبدأ من احتمال اصابة القريبين من انفجاره بجروح خطيرة في الايدي او بتمزق طبلة الاذن جراء دويها، وكذلك فقدان البصر بفعل الشرر، بحسب ما يؤكده اطباء ومختصون.

 

كما يحذر هؤلاء من ان التعرض لادخنة الفتيش السامة لفترات طويلة قد يتسبب بامراض تنفسية منها الربو، لكن الاخطر على الاطلاق، هو امكان اصابة مريضي القلب بسكتات تؤدي الى الوفاة خاصة اذا ما انفجر قربهم بشكل مفاجئ.

 

ايذاء وازعاج

عدنان بزادوغ، وهو احد الاهالي، رأى ان خطورة الفتيش "تتجاوز من يلهو به، وهو ايذاء فعلي للجيران بما يسببه من ازعاج، وهو عبارة عن مفرقعات وقنابل موقوتة، وهناك انوع خطرة جدا منه وتتسبب بحوادث".

 

وفيما اقر بانه لم يستطع مقاومة رغبة ابنائه في اللهو بالفتيش كما يفعل بقية اطفال الحي، لكنه قال انه وافق على ذلك مرة واحدة فقط، وقام خلالها باصطحابهم الى منطقة خالية حتى يقوموا باشعاله بعيدا عن الناس.

 

وعبر بزادوغ عن امله في ان يتم حظر بيع وتدوال الفتيش، مشيرا الى انه سعى لدى اهالي الحي من اجل منع اطفالهم من العبث به بين البيوت، لكن ذلك لم يجد نفعا، حيث انهم لم يتعاونوا معه، ما ادى الى استمرار المشكلة وتفاقمها.

 

وبرغم قناعة ايمان العياصرة بان الفتيش مصدر للازعاج ولا يخلو من مخاطر، الا انها تسمح لابنيها (4 سنوات و7 سنوات) بشرائه واللهو به كل ليلة لكثرة ما يلحان عليها من اجل ذلك.

 

وقالت في هذا الصدد "اعطيهما النقود ليشتريا فتيش حتى اتخلص من بكائهما ولكني لا ارتاح وابقى مترقبة طوال الوقت حتى ينتهيا من لعبهما الى ان يدخلا الى البيت"، مبينة ان ما ينفقانه على الفتيش يتجاوز دينارا ونصف الدينار كل ليلة.

 

وبعيدا عنها، فقد القت عياصرة باللائمة في انتشار الفتيش على البقالات المنتشرة في الاحياء لتسهيلها وصوله الى ايدي الاطفال، متمنية ان يصار الى منع بيع هذه السلعة التي قالت ان تداولها بات امرا "مؤسفا" خصوصا بعدما بات مرتبطا بشهر رمضان.

 

طاقة زائدة

الشاب مصطفى سناجلة عبر عن اعتقاده بان ما يدفع الاطفال للهو بالفتيش هو الطاقة الزائدة لديهم والتي يسارعون الى افراغها بمجرد ان تنتهي طقوس الافطار.

 

وانتقد سناجلة بشدة ظاهرة القاء الفتيش على المصلين اثناء صلاة التراويح، مؤكدا انه كان حاضرا عندما قام احدهم باشعال فتيش وقذفه وسط المسجد مما ادى الى ارتباك الامام والمصلين واشاعة الخوف بينهم وتعطل الصلاة.

 

ولفت سناجلة الى ان الفتيش لم يعد بيعه حكرا على البقالات بل تجاوز الامر ليصبح بيعها على بسطات صغيرة في الحارت والازقة حيث يجلس كل بائع وامامه كرتونة مغطاة بقطعة قماش يبيع فيها فتيش بأشكال والوان واسعار مختلفة.

 

وبدوره، وصف الشاب رجائي الغضبان الفتيش بانه "متعه لمن يلهو به واذى للمجاورين والناس بشكل عام"، مشيرا الى انه "يباع في البقالات بالسر لانه مادة ممنوعة واسعاره تتاروح بين خمسة قروش وقد تصل الى 3 دنانير حسب حجهما وقوة انفجارها".

 

ومن تجاربه مع الفتيش قال رجائي انه كان يقوم بدهن حائط في بيت ذويه بعد الافطار ويقف على سلم عال وفجأة القى احد الفتية فتيش باتجاهه وكاد ان يقع عن السلم بسبب الانفجار لولا ان الله سلم.

 

خطيرة ومحرمة

ومن جانبها، وصفت مايا المحاميد ليالي رمضان بانها اصبحت "ليالي حرب وبارود" بسبب انتشار الفتيش "بدلا من ان تكون ليالي سكينة ووقار ورحمة".

 

واعتبرت المحاميد الفتيش "ظاهرة غير حضارية تؤرق الناس وتعكر صفو اللحظات التي يجب ان يستغلوها في التراحم" فضلا عن انها "نوع من العنف الذي يمارس في عمر مبكرة، فالذين يلهون به اعمارهم هي اعمار الطفولة، كما ان من الخطر عليهم ان يتواجدوا في الشارع في الساعات" المتاخرة من الليل.

 

ورأت انه "قبل ان نتحكم بسلوك الأطفال علينا ان نعدل سلوك الاهالي" الذين يرضخون لرغبة ابنائهم في اللهو بالفتيش، اضافة الى تفعيل التوعية عن طريق "الائمة والوعاظ في المساجد كون الاهالي بالضرورة يرتادون المساجد".

 

ودعت المحاميد الاهالي الى "عدم الرضوخ لرغبات الابناء والعمل على اقناعهم بانفاق النقود على اشياء مفيدة بدلا من هدرها على شراء الفتيش".

 

ومما يجدر ذكره ان دائرة الافتاء العام كانت بينت حرمة بيع وشراء الألعاب النارية واستخدامها في المناسبات والأفراح "لما فيها من إزعاج للمرضى وللدارسين والنائمين صغارًا وكبارًا ولبقية الآخرين.. واإتلاف للمال من غير فائدة" مؤكدة ان "هذا من التبذير والإسراف المنهي عنه".

 

ورأت الدائرة في الفتوى أن المفرقعات والألعاب النارية "قد يكون فيها ضرر على الصحة العامة، وقد تؤدي إلى جراحات ونشوب حرائق، خاصة إذا لم تستعمل على الوجه الصحيح".

 

مسؤولية الاهل

استاذة النظم والقيادة التربوية الدكتورة ايمان ابودلو بينت من ناحيتها ان "الاطفال تحت سن 15 عاما لديهم حب فضول لتجربة الفتيش واشعاله واطلاقه في الجو وسماع ورؤية ما يصدر عن ذلك من اصوات واضواء، خاصة انه في متناول اليد، وهو رخيص جدا ومن السهل الحصول عليه من البقالة القريبة الى المنزل".

 

واكدت ان الفتيش له اثر سلبي "على المجتمع وخاصة الاطفال الرضع، وكذلك المرضى وباقي الشرائح"، لافتة الى "فئة اللاجئين والتي تعج مدن المملكة بهم وهم قد تعرضوا لتجارب الانفجارات والمدافع التي حتما ستعيد الى أذهانهم الصدمة النفسية والتي تتصف بالشعور بالهلع والخوف والقلق التي تلقوها قبل رحيلهم من بلادهم".

 

وانحت الدكتورة ابو دلو بالمسؤولية في وصول الفتيش الى يد الطفل على "ولي الامر سواء الام أو الاب وباقي افراد العائلة من الكبار"، مطالبة الاهالي "بعدم السماح لاطفالهم باللهو بالفتيش واصحاب البقالات بعدم بيع هذه المادة التي هي اصلا ممنوع تداولها واستيرادها والتعامل بها".

 

منع ورقابة

وعلى صعيده، اكد المهندس عبدالله صالح مدير مديرية الرقابة والتفتيش في مؤسسة المواصفات والمقاييس الاردنية، ان دور المؤسسة في التصدي لظاهرة انتشار الفتيش الممنوع قانونا، يتضمن حملات شبه يومية لضبط هذه السلعة في الاسواق.

 

وقال صالح ان المؤسسة فيها قسم "يهتم بمسح الاسواق ومراقبتها بشكل شبه يومي، وتفتيش للمحلات والاسواق التجارية، حيث يتم مصادرة اي شئ يعثر عليه من المفرقعات والفتيش في هذه المحلات والاسواق".

 

واكد ان القانون "لا يسمح بأية غرامات مالية او مساءلات اكثر من مجرد المصادرة وتحويل التاجر الذي وجد في بقالته هذه المادة الممنوعة الى المحكمة"، مبينا ان "هناك خطا ساخنا لاستقبال الشكاوى من المواطنين بخصوص مادة الفتيش" وانهم يقومون في المؤسسة بمتابعة الشكاوى بمجرد تبلغهم بها.

 

وشدد صالح على ان "دور المواصفات والمقاييس هو حماية وسلامة المواطن الاردني قبل اي شيء اخر"، لافتا الى ان السماح باستيراد الالعاب يتم بالتنسيق بين المؤسسة ووزارة الداخلية والجهات الرقابية المختلفة و"بعد اخذ رخصة مسبقة من وزارة الصناعة والتجارة".

 

وبين انه "منذ سنتين واكثر لم نسمح باستيراد اي نوع من هذه المفرقعات عبر الحدود والمنافذ الاردنية"، لكنه فسر انتشارها في الاسواق بقوله ان "ما يحدث هو تهريب من قبل البعض".

 

وكان مدير دائرة العلاقات العامة في دائرة الجمارك لعقيد جهاد الحجي قال في تصريحات صحفية ان "السبب الذي يساعد في تهريب هذه المفرقعات والألعاب النارية، هو عدم تفتيش ومعاينة 90 بالمئة من البضاعة المستوردة".