العنتري يكتب: غلطة ناطق النسور اذ تعيد التوقيت!

العنتري يكتب: غلطة ناطق النسور اذ تعيد التوقيت!
الرابط المختصر

لم يكن في وارد رئيس الوزراء اعادة التوقيت الشتوي، على الاقل، هذا ما امكنني استنتاجه في ضوء شخصيته وسياسته التي لا يريد كثيرون في البلد ان يقرأوها.

فعبدالله النسور رجل تقول حجته في مسالة قرار التوقيت انه لم يفرضه كما لو كان منزلا، بل راعى المرونة ومنح مسؤولي الوزارات والدوائر تفويضا بتعديل ساعات دوامها حسب ما تقتضيه اعمالها.

وهكذا يكون النسور- كما يرى هو نفسه- قد ابرأ ذمته ووضع العقال في رقاب المسؤولين الذين اعتبر انهم ادرى بشؤونهم كما ان اهل مكة ادرى بشعابها.

هذه الوصفة البسيطة والمُحكمة في ذات الوقت، وقفت مطولا سدا منيعا امام مناكفي النسور، فلم يستطيعوا لقراره نقبا ولا استطاعوا ان يَظهروه رغم حملاتهم المتتالية.

بعض تلك الحملات، وللامانة، كان دافعها هو الصالح العام، لكن البعض الاخر كانت تفوح من ثناياه روائح مآرب اخرى!

المهم ان المناكفين على اختلاف مشاربهم، ظلوا يتحاشون المواجهة المباشرة مع حجة النسور لعلمهم انها ستلقف منطقهم كما فعلت عصا موسى بحبال سحرة فرعون.

وبالتالي اصبحوا امام خيارين: اما التراجع والاقرار بالهزيمة، او المراوحة ضمن استراتيحية "ادامة الضغط" التي تقوم على مبدأ اقتناص كل سانحة مهما بدت هزيلة، وتوظيفها في المعركة مع النسور سواء كشخص او كرئيس حكومة.

وكان ان اختاروا الثانية، وهي استراتيجية اثبتت نجاحا في بعض الديمقراطيات، ولكنها في بلد كالاردن لا تعدو المقامرة التي تطغى فيها احتمالات الفشل على احتمالات النجاح.

وكان الامر سيمضي على هذا النحو حتى الشتاء التالي، لولا حادثة مقتل الطالبة الجامعية نور العوضات، والتي منحت دفعة قوية لحملات مناكفي النسور من حيث انها استمدت زخمها من غضب الناس بسبب الحادثة.

وقد راهن الكثيرون على ان الجريمة التي وقعت في ليل ستهز اركان قرار النسور وتسقطه، لكنني كنت ارى خلاف ذلك.

فهو بساطة يدرك ان عودته عن القرار ستعني اعترافا ضمنيا بوجود مسؤولية له في الجريمة كما يتهمه المناكفون، ومن جهة ثانية، سيطعن في وجاهة قيادته للحكومة بوصفه سياسيا يتخذ قرارات خاطئة، بل وقاتلة كما هي الحال هنا.

كما ان النسور في نفس الوقت، كان واثقا من قدرته على رد السهام عنه الى نحور المسؤولين الذين يمكنه القول ببساطة انهم يتحملون الوزر لعدم اخذهم بالرخصة التي منحها لهم، وهي تعديل اوقات الدوام بما تقتضيه مصالح مؤسساتهم.

لكن كل هذا انهار على حين تصريح مفاجئ من الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، والذي قال في مقابلة مع احدى الفضائيات ان جريمة مقتل نور العوضات وقعت في "مكان مضاء"!!.

المومني ظن انه يحسن صنعا بتصريحه هذا، لكنه كان فعليا يجرد النسور من حجته ويهدم سقف القرار على راسه، فضلا عن انه يثبت- او ربما حتى يلصق- به تهمة المسؤولية في مقتل نور والتي ظل يروجها المناكفون.

فهذه العبارة تعني: اولا اقرارا بان الناس تضطر للخروج من بيوتها تحت جنح الظلام مع ما يتضمنه ذلك من مخاطر.

وثانيا ستجر الحكومة الى مربع جدل عقيم حول ما اذا كان المجمع مضاء بالفعل ام مطفأ التزاما بقرار النسور حول ترشيد الاستهلاك، والذي تحول الى مهزلة مع ما يراه الناس من انارة الشوارع نهارا واطفائها ليلا.

وثالثا سترغم النسور على خوض معركة الدفاع عن قراره في حلبة تغص بمشاعر غضب شعبي اججته بشاعة الجريمة.

كل هذا ادركه النسور والتقطه سريعا على ما يبدو، فسارع الى الانسحاب من المنازلة حتى يقلص الخسائر ما امكن.

وكان طوق النجاة هو مجلس النواب الذي تنزل عليه الوحي فألهمه تطريز مذكرة تطالب بالعودة عن التوقيت الشتوي، وهي التي تلقفها النسور واعلن استجابته لها -نزولا عند رغبة ممثلي الشعب- فحفظ بذلك بعض ماء الوجه.

بعد قصة تصريح المومني، بات واضحا ان النسور عندما طلب من مرؤوسيه ان لا يفتوا بامر قبل الرجوع اليه، كان يدرك ان بينهم من يجيد قلع العين وهو في نيته تكحيلها.