العنتري يكتب: باص "كيا"

العنتري يكتب: باص "كيا"
الرابط المختصر

كانت الساعة تشير الى الخامسة بعد العصر عندما توقفت السيارات امام الشارة التي اضاءت بالاحمر امام مدرسة حي الاسكان المطلة على شارع 36 في الزرقاء الجديدة.

وفيما انا انتظر مع السائقين الضوء الاخضر، اذ بشاب يقفز كالملدوغ من وراء مقود باص "كيا" كان محشوا حتى التخمة بطالبات من المدرسة، ويتجه مسرعا بمشية تنم عن غضب مفتعل ناحية سيارة كان فيها رجل في عقده الخامس ومعه طفلتان في الكرسي الخلفي.

ما تبينته ان سبب هذا الموقف الاخذ في التصاعد كان ايماءة بدرت من يد الرجل تعبيرا عن احتجاجه على رعونة سائق الكيا الذي كاد يصدم سيارته قبل قليل.

وعلى ما يبدو، اعتبر صاحبنا الايماءة اهانة لا تغتفر وتستحق انتقاما فوريا وبلا هوادة.

ولا تسعفني الذاكرة الان في احصاء عدد الشتائم المقذعة التي تناثرت من بين شدقيه بينما راح يقترب من سيارة الرجل الذي بدا عليه الذهول، والخوف ايضا.

يومها خلت انني على وشك مشاهدة جريمة ستقترف بحق سائق السيارة المسكين، لكن الامور لم تتطور الى ذلك الحد، والحمد لله.

فكما اتضح، لم يكن الشاب سوى رعديد لا يملك من الاسلحة الا الخلق السئ والزعيق. ولذلك، فقد احجم في اللحظة الاخيرة واكتفى بالوقوف فوق راس الرجل والاستمرار في امطاره بالشتائم والتهديدات.

وعلى غير ما توقعت، لملم الرجل بعضا من كرامته وانفاسه وهدد ذاك الاهوج بانه سيسجل رقم الباص ويقدم شكوى ضده الى الشرطة..

وكمن تاخذه العزة بالاثم، رد الشاب متحديا "ايدك وما تعطي..وخذ عندك اسمي الرباعي كمان" وذكر اسما بدا حقيقيا.

ثم تمادى قائلا "واذا بدك عنواني خذ سجل عندك، انا ساكن في شارع (...) بجنب.." وذكر اسم هيئة تابعة لجهاز الامن العام.

كان جليا من ذكره لاسم هذه الهيئة انه يريد الايحاء بتمتعه بنوع من الحصانة او الحظوة التي يهئ له عقله المريض انها ستقلب باطله حقا.

اضاءت الشارة بالاخضر، وتعالت زوامير السيارات تحث الشاب على انهاء سفاهته وتحريك الباص حتى يفتح الطريق قبل ان تضئ بالاحمر مجددا.

وحانت مني التفاتة الى الرجل وهو يتجاوزني بسيارته، فرأيت عمق انكساره بعدما اهدرت كرامته امام طفلتيه اللتين لم انخرطت احداهما في نوبة من البكاء المرير لشدة ما اعتراها من خوف.

اما الشاب فعاد خلف مقوده مزهوا وهو لا يزال يتمتم بعبارات لم استوضحها حيث غطى عليها جئير محرك باصه الذي انطلق به كالسهم كانما هو في سباق سرعة.

يا الهي كم رأيت يومها باصات "كيا" في شوارع الزرقاء، وكم كانت متخمة بطلبة مدارس، ويا الهي كم كثير من سائقيها يشبهون ذلك الشاب!!

أضف تعليقك