"الظليل"..غول التمدن يسحق الماضي الجميل
حتى بضعة عقود مضت، كانت الظليل تضبط ايقاع حياتها على مواقيت دكانة ابو العبد، ولم يكن غيرها في القرية، فمتى اغلقها بعد المغرب، آوى الناس الى بيوتهم وخلت الشوارع، و"سكّرت البلد".
اما اليوم، فقد اختفت دكانة ابو العبد، وظهرت بدلا منها عشرات الدكاكين ومحال السوبرماركت التي تبقى ابواب بعضها مفتوحة لما بعد منتصف الليل، ومعها تظل الشوارع نابضة بالحياة.
ومن حفنة بيوت طينية او مبنية من الحجر الاسود على مجرى وادي الظليل في خمــــــسينيات القرن الماضي، تمدد العمران الحديث واتسعت رقعته حتى باتت البلدة تحتضن الان عشـــــرين حيا يقطنها زهاء سبعين الف نسمة.
ونحو 20 الفا من هذا العدد هم من الوافدين الذين يعملون في مصانع البلدة، وجلهم من جنسيات شرق اسيوية.
ومع النمو المضطرد فقدت الظليل غطاءها الاخضر الشهير، وهيمنت على صفحتها غــــــابات الاسمنت، ولم تلبث ان اتت المصانع لتزيد في تدمير بيئتها وايضا لتغير طبيعة الحــــــــــــــياة الاجتماعية لاهلها، والتي راحت تسقط سريعا بين براثن غول التمدن.
*"تخربطت الامور"
صحيح ان الظليل فيها الان من مقومات الحضارة ما يجعل حياة سكانها اسهل، كالعيـــــــادات والصيدليات والمدارس والمتاجر والمخابز وسواها، الا ان في صدور اهلها حنينا الى ماضي بلدتهم الجميل، برغم بساطة وربما قسوة الحياة في ذلك الماضي.
ويعبر سلامه مقبل عن هذا الحنين قائلا "رغم قلة الامكانات في الماضي الا ان حياتنا كانت جميلة وبسيطة، واتمنى لو تعود".
ويضيف "قديما كانت الظليل قرية صغيرة وعدد سكانها قليلا وجميعهم يعرفون بعضهم بعضا، وكانت العادات والتقاليد الاصيلة تحكم علاقاتهم".
ويروى سلامة بعض تفاصيل الحياة في تلك الايام ويقول "كان الاهالي يعملون في تربيـــــــة الماشية والزراعة، وما ان تغرب الشمس حتى يعودوا الى بيوتهم ويخلدوا الى النوم من فرط التعب، فتجد شوارع البلدة ليلا خالية وفي ظلام دامس"
ويتابع "لم تكن هناك حينها سوى دكانة ابو العبد الوحيدة في المنطقة وكان يغلقها بعد المغرب، وأيضا كان هناك مخبز واحد فقط، واذا اقفل ونفد الخبز من بيت احدهم فانه يكون مضطرا للانتظار حتى يفتح المخبز في صباح اليوم التالي".
اما اليوم، يقول سلامة "المنطقة تحضرت وأصبح هناك السوبرماركت والمولات والمخابز التي تظل مفتوحة حتى ساعات متاخرة لخدمة المتسوقين ممن تظل الشوارع تعج بهم في تلك الاوقات، وحتى الاطفال ايضا تجدهم لا يزالون يلعبون فيها".
ويضيف بضيق"منذ دخول موجة التمدن الى هذا القضاء الصغير وتضاعف عدد السكان من مختلف الجنسيات، تخربطت الامور".
*"باهتة وبلا نكهة"
اسماعيل سليم وهو صاحب محل في حي العوضات، يؤيد ما ذهب اليه سلامة ويقول "كل شئ في الظليل اصبح اليوم باهتا وبلا نكهة".
ويخبرنا اسماعيل انه كان معتادا في ما مضى على اقفال محله عند السابعة مساء، اما هذه الايام فيظل مفتوحا حتى منتصف الليل بسبب استمرار "حركة الشغل وتدفق الزبائن".
ويلاحظ ايضا استمرار تواجد النساء في الشوارع في هذه الاوقات سواء لغرض الشراء او مراجعة عيادة طبيب او لمجرد التنزه "علما انه لم يكن يسمح لهن بهذا قديما" بحكم الطبيعة العشائرية المحافظة لسكان البلدة.
ويقول اسماعيل معلقا على ذلك ان "العادات والتقاليد في الظليل تغيرت"، ويعزو هذا الى "زيادة عدد السكان ودخول مختلف الجنسيات الى البلدة".
ومن جملة ما تغير في الظليل طقوس حفلات الزفاف، حيث يقول اسماعيل ان "العرس قديما كان يستمر خمسة ايام وتتخلله ولائم يعدها اهل العرس، ويكون الاحتفال في ساحة امام البيت، والكل يشارك من دون كرت او عزومة".
ويتابع "اما الان، اصبحت الاعراس هي الاخرى بلا نكهة، وتغيرت كثيرا، واصبح الاحتفال ليوم واحد وربما ساعتين فقط ويتم في صالة او داخل منزل".
* ضريبة باهظة
وتؤكد الحاجة رضوة محمد انه برغم توفر المقومات التي تجعل الحياة سهلة هذه الايام في الظليل، الا ان الامور فيها كانت افضل في الماضي في ظل الترابط والتواد بين الناس.
وتقول "كنا نتعب حتى نعيش، ولكنها كانت حياة سعادة. كنت اصحو في الصباح الباكر لاطعام الماشية ثم احلبها واجمع البيض لاطعام عائلتي التي كان افرادها يلتئمون حول المائدة، الاب والابن والجد والعم، اما اليوم فهؤلاء لا يرون بعضهم الا في المناسبات".
وتضيف "رغم التعب لكنها كانت حياة يملؤها الحب والتواد والروابط القوية التي تجمع الاهل، وكانت البركة في الرزق، اما الان فلا ارى شيئا له طعم".
اما هبة عزام، فترى ان "لكل زمان نكهته الخاصة سواء قديما او حديثا"، وتعتبر ان احتياجات وضرورات المعيشة اصبحت ميسرة اليوم، ولكن مستوى الحميمية في علاقات الناس تراجع.
وقالت هبة "الايجابيات تكمن في التطور من حيث الخدمات، فمثلا لم نكن نجد عيادات سابقا، واذا ما كانت هناك حالة طارئة فاننا نضطر الى التوجه الى مركز المحافظة (الزرقاء)، وكم من شخص توفي في الطريق لتاخره في الوصول الى هناك".
واضافت "الان هناك عيادات طبية ومراكز للطوارئ وصيدليات، وايضا اسهم دخول الجنسيات المختلفة في ازدهار المنطقة واضفاء الحيوية عليها، من حيث انه شجع الاهالي على فتح المحلات التجارية وغيرها".
ولكن هبة ترى في المجمل ان ضريبة كل ذلك كانت باهظةـ حيث ان "البساطة وحب الناس ومساعدتهم لبعضهم لم تعد موجودة، والكل يسعى وراء مصلحته الشخصية".
إستمع الآن