الطفل "أغيد".. حاول استنقاذ حذائه من السيل فابتلعهما!
100 ضابط وفرد و13 الية من الدفاع المدني شاركت في محاولة الانقاذ
ست حالات غرق في سيل الزرقاء العام الماضي جميعها لاطفال
البلدية والاشغال تتقاذفان المسؤولية عن اتخاذ اجراءات وقائية على مجرى السيل
بالكاد صدق المزارع عامر فرح عينيه وهو يرى مشهد طفل يصارع بيأس وسط التيار الجارف لسيل الزرقاء، والذي احالته العاصفة الاخيرة الى ما يشبه الوحش الهادر.
كان منشغلا بفلاحة ارضه المحاذية للسيل في منطقة عوجان بالرصيفة عصر ذلك اليوم، الاحد 22 شباط، عندما جاءه ابن اخيه الصغير ليبلغه ان هناك شخصا "يسبح" في السيل!.
يقول عامر وهو يتذكر الاحداث "التفت الى حيث اشار ابن اخي، لكنني لم ار شيئا بادئ الامر، ثم انتبهت الى طفلين يجريان بمحاذاة السيل من الجهة المقابلة، فوجهت بصري الى حيث كانا ينظران، واذا بجسد طفل يتقلب منجرفا مع المياه".
واضاف "كان الدفق قويا جدا، ولم يكن بمقدوري النزول لانقاذ الطفل، فرحت اجري انا ايضا مع التيار من جهة الضفة التي فيها مزرعتي، الى ان بلغت طريقا مسدودا بسور احد المصانع".
وتابع بتأثر "حاولت استطاعتي، لكن لم يكن معي حبال او ادوات، ولو نزلت الى الماء لجرفني معه، رحت ابكي وانا اجري على جانب السيل وكأنه ابني، ظل يصرخ بكلمات لم افهمها، وفي لحظة صمت ورأيت جسده يتوقف عن الحركة ويستسلم للتيار، وقدرت عندها انه ابتلع الماء وفقد الوعي".
ومضى عامر قائلا "حينها توجهت مسرعا مع ابن اخي الى شركة جبري التي تقع مبانيها بمحاذاة السيل، وطلبت من الموظفين هناك الاتصال مع الدفاع المدني الذي كنت اجهل رقمه، ثم عدنا الى حيث شاهدنا الطفل اخر مرة، لكنه كان قد اختفى".
"راح الحنون"
وفي هذه الاثناء، كان زملاء الطفل اغيد أحمد خلف (12 عاما)، وهو ابن لعائلة سورية لاجئة، يبلغون امه التي طفقت تبحث عنه وقد استبد بها القلق لتاخره في العودة الى البيت، انه "غرق في السيل".
وفي بيتهم البسيط المطل على السيل، راحت الام تروي لـ"هنا الزرقاء" تفاصيل ذلك اليوم الذي جاءهم فيه النبأ المفجع. وقد جلست ملتحفة بطانية وحولها بعض نسوة حضرن لمواساتها.
وقالت وهي لا تكف تردد بين الحين والاخر عبارة "راح الحنون"، ان "زملاء اغيد اصطحبوه معهم الى السيل بعد انتهاء دوام المدرسة، وفيما هم يلعبون هناك، اذ بفردة حذائه تسقط في الماء، ولما حاول استعادتها، جرفه التيار".
واضافت وصوتها يقطعه النحيب وعيناها غارقتان في الدمع "كانت الساعة الثالثة عصرا عندما اخبرنا زملاؤه بغرقه، وكنا بدأنا البحث عنه بعدما استبد بنا القلق لتاخره في العودة..".
وتابعت "كان قد مضى على غرقه نصف ساعة حين علمنا بالامر، وكان الدفاع المدني وقتها يبحث عنه في السيل".
اما الاب الذي قصمت المصيبة ظهره، فلم يتمالك نفسه وهو يلهج "جئنا من سوريا خشية على اغيد واخوته، ولكن شاء الله ان يأخذه هنا.. والحمد لله".
وعن اخر عهده بابنه، قال الاب ان اغيد"استيقظ يومها عند السابعة صباحا، وذلك استعدادا للتوجه الى احدى الجمعيات الخيرية في المنطقة، والتي سجل فيها لدراسة اللغتين الانجليزية والفرنسية والرياضيات، وكانت طلبت منه الحضور يوم الاحد وجلب ورقة المفوضية معه".
واضاف "طلبت اليه تناول فطوره قبل المغادرة، لكنه رفض، وخرج نحو الساعة السابعة والنصف، وكان فرحا للغاية".
ومضى الاب قائلا "قبيل الظهيرة خرجت مع والدته لصرف كوبونات مساعدات غذائية، وتركنا الباب مفتوحا في حال عاد الاولاد في غيابنا، وعند الساعة الثانية عشرة رجع اخوة اغيد من مدارسهم، اما هو فكان قد حضر وترك حقيبته المدرسية في البيت ثم خرج مجددا للعب مع زملائه".
وتابع "عند العصر عدت مع امه، وطلبت من اخيه الاصغر ان يناديه ليتناول الغداء، بينما اتوجه انا لشراء الخبز، واثناء ذلك جاءني اتصال من البيت يخبرني بغرق اغيد، فاسرعت الى السيل لاجد رجال الدفاع المدني يبحثون عنه، ولما حاولت النزول في الماء منعوني".
كان الظلام قد حل عندما اخبر رجال الدفاع المدني الاب بانهم عثروا على جثة في السيل، ثم اصطحبوه معهم ليتعرف عليها، وكانت جثة اغيد.
وقال الاب بحسرة "صحيح انه صغير وعمره 12 سنة، ولكنه كان قائما بكل طلبات البيت، وكنت اعتمد عليه واملي بالله كبير ان يتحمل عني بعض اعباء الحياة، ولكن هذا قدر الله وقضاؤه، والحمد لله".
جهود مضنية
تطلب البحث عن جثة اغيد وانتشالها من السيل في ذلك اليوم، جهودا مضنية من الدفاع المدني استمرت على ثلاث ساعات وشملت مسافة امتدت عدة كيلومترات، كما يبين العميد عدنان ابو جسار مدير دفاع مدني محافظة الزرقاء.
وقال العميد ابو جسار لـ"هنا الزرقاء" انهم تبلغوا يومها "بغرق شخص في سيل الزرقاء خلف شركة جبري، وخلال ست دقائق تقريبا وصلت مجموعات الدفاع المدني الى الموقع".
واضاف ان المجموعات واجهت "معيقات أهمها ارتفاع منسوب السيل بسبب الظروف الجوية الصعبة، وبحيث لم يكن من السهولة تحديد موقع هذا الشخص، حيث قسمنا مجموعاتنا على مسافة اربعة كيلومترات من منطقة الإبلاغ عنه، وبعد ثلاث ساعات عرفنا مكان وجوده وعملنا على انتشاله، لكن للأسف كان قد فارق الحياة" .
ولفت العميد ابو جسار الى تكرار حوادث الغرق في سيل الزرقاء، والتي اودت بحياة ستة مواطنين العام الماضي جميعهم من الاطفال.
وحذر "المواطنين من أن يرتادوا هذه التجمعات المائية والتي في الغالب لا يوجد عليها سياج ولا إرشادات تحذيرية"، مشيرا كذلك الى "موضوع الفزعة الذي قد يضر الغريق أكثر مما ينفعه".
واكد ان على "من يشاهد حادثة غرق الاتصال مباشرة بالدفاع المدني، ونحن لدينا وقت استجابة مثالي، وخلال هذا الوقت نكون قد عملنا اجراء لإنقاذ حياة المواطن".
وبدوره شرح الرائد الركن محمد حرب نائب مدير دفاع مدني محافظة الزرقاء، تفاصيل عملية انتشال جثة اغيد، والتي اشرف عليها شخصيا.
وقال ان غرفة عمليات الدفاع المدني تبلغت في الساعة الثانية و35 دقيقة "عن وجود حادثة غرق في منطقة عوجان خلف مصانع جبري، وتم التأكد من مصدر المعلومة من خلال الشخص المبلغ بأن هناك طفلا سحبه السيل لمسافة تقدر بثلاثة الى خمسة كيلومترات".
واضاف ان "هذا المواطن بقي يراقب الطفل محاولا انتشاله من السيل، لكن سرعة جريان المياه وارتفاع منسوبها حال دون ذلك، وعند منطقة جسر عوجان، وتحديدا في منطقة الحراجات، فُقد أثر الطفل من قبل الشخص المبلغ".
وتابع الرائد حرب "وعلى الفور قامت غرفة مديرية الزرقاء بإبلاغ قسم عوجان وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الحوادث بالتحرك الى الموقع وتمشيط المنطقة، وتم إسناد قسم عوجان بجموعة اسناد من قسم إسناد المديرية بالآليات والكوادر البشرية".
ومضى قائلا انه "تم تحريك مجموعاتنا في منطقة البتراوي للقيام بعمليات غلق للموقع، وتم تقسيم العمل بين عدة فرق وتوزيع المهام على الضباط والأفراد بهدف كسب الوقت، لأنه من المعلوم أن فترة النهار قصيرة، وكان لا بد من تسريع العثور على الطفل".
وبين الرائد حرب انه "تم العثورعلى الطفل بحدود الساعة 18:35 دقيقة (6:35) في منطقة كلية المجتمع الإسلامي، حيث تم تسليمه لذويه وإرساله لمشرحة مستشفى الأمير فيصل".
واشار الى ان عملية انتشال الطفل لم تخل من خطورة على المنقذين والغطاسين الذين شاركوا فيها، حيث كان عمق المياه يصل في بعض المناطق الى ثلاثة امتار، واحيانا كان السيل يسحب المنقذ لمسافة لا تقل عن 300 متر .
وقال ان 100 ضابط وفرد بينهم غطاسون من مديرية اسناد الوسط، و13 الية شاركت في هذه العملية والتي تخللها اضاءة المنطقة بوساطة انارة برجية.
تقاذف للمسؤولية
على مدى عقود، كانت هناك مطالبات باتخاذ اجراءات لحماية المواطنين وابناءهم من مخاطر السقوط في السيل، سواء عبر بناء جدر او وضع لوحات ارشادية، لكن تحقيق ذلك كان يصطدم بتقاذف الجهات المعنية للمسؤولية عن مجرى السيل، وبالتالي عمن يقع عليه تنفيذ هذه الاجراءات.
وتجسدت هذه الحالة بصورة جلية بعد غرق الطفل اغيد، حيث اعتبرت بلدية الرصيفة ان مجرى السيل الذي يشق المدينة يتبع لوزارة الاشغال، في حين نفت الاخيرة ذلك، مؤكدة انه من مسؤولية البلدية.
وقال رئيس البلدية اسامة حيمور لـ"هنا الزرقاء" ان صيانة السيل وعمل الجدران حول مجراه "من اختصاص وزارة الأشغال العامة"، مضيفا ان البلدية خاطبت الوزاررة "عدة مرات في هذا الموضوع" وكانت الاستجابة جزئية و"لا تفي بحاجة المدينة".
واعتبر حيمور ان الاصل هو تغطية السيل من خلال مشروع مماثل لسقف السيل في عمان، مؤكدا انه سعى في هذا الاتجاه، وحاول ايضا طرح مثل هذا المشروع على القطاع الخاص، ولكن "لم نجد اي موافقة" ودون ان يوضح ما اذا كان يعني موافقة القطاع الخاص ام الوزارة.
وشدد على ان "السيل يشكل خطرا على ابناء الرصيفة جميعهم، عدا عن الخطر البيئي المتمثل بمخلفات المصانع التي تلقى فبه كمخلفات مصنع الخميرة".
وعاد واكد ان "كل ما يتعلق بالسيل هو من اختصاص الأشغال لأنه يمر في عدد من المحافظات..ويجب عليها القيام بواجباتها خاصة في أماكن الاكتظاظ السكاني كالرصيفة، ولكنها لا تقوم بواجباتها" .
وفي المقابل، نفى مدير مديرية أشغال الزرقاء ياسين الزعبي أن تكون منطقة السيل من اختصاص المديرية.
وقال لـ"هنا الزرقاء" ان "كل ما هو داخل التنظيم فهو تابع للبلدية، واختصاص مديرية الاشغال كل ما هو خارج التنظيم".
إستمع الآن