التحرش بزميلات العمل..قانون غائب ومجتمع يدين الضحية

التحرش بزميلات العمل..قانون غائب ومجتمع يدين الضحية
الرابط المختصر

- 14 % من العاملات في الاردن يتعرضن لتحرش جنسي لفظي في مكان عملهن

تخرج الى العمل حتى تكسب ما تعيل به نفسها او تساعد اهلها او زوجها على اعباء الحياة، ولكن بعض زملائها ورؤسائها ممن اعمتهم غرائزهم لا يرون فيها امراة كادحة حقيقة بالاحترام، وانما مشروع فريسة حرية بالاصطياد.

تسمع فيضا من عبارات يغدقها عليها هؤلاء وفي ظنهم انها ستُطرب انوثتها، لكنها في الواقع ليست سوى تعبير جلي عن احد اشكال "التحرش الجنسي" المقيت.

منهم من يروم نسج علاقة معها، وبعضهم لا يبتغي اكثر من اثبات رجولة يشعر في صميم ذاته المشوهة انها منتقصة.

يكيلون لها اطراء مغلفا حينا بلطف مفتعل، وحينا اخر بغرائزية فجة.

وعندما تبدي نفورا، فان المتحرش اما ان يكف، والا فهو ينقلب عليها ليستحيل لطفه الى وقاحة، وفجاجته الى اساءة جارحة، وربما عدوان صريح.

والامثلة على ذلك كثيرة، ومنها قصة ترويها احدى العاملات عن تحرش بدأ لفظيا ثم تطور الى اعتداء جسدي خلف معاناة لا تزال محفورة في وجدانها بعدما اضطرها الى الاستقالة وخسارة مصدر رزقها.

وتقول العاملة التي وجدت لاحقا وظيفة في ستوديو تصوير، ان زميلا لها في مكان عملها السابق تحرش بها بعبارات اثارت غضبها، فما كان منها الا ان صفعته ثأرا لكرامتها.

وكان رد فعل ذلك الزميل اكثر عنفا، حيث هاجمها بوحشية وركلها في بطنها. ولما سئل عن ذلك، زعم انه كان يرد الاهانة، متناسيا انه هو من بادر اصلا بالاهانات.

وخشية تعرضها لمزيد من اعتداءات مدعي الرجولة ذاك، تقدمت باستقالتها وهي لا تلوي سوى على سلامتها، خاصة وان مديرهما في العمل لم يتخذ اي اجراء وكان جل اهتمامه منصبا على لفلفة القصة حفاظا على سمعة مؤسسته.

ادانة الضحية!!

لا يوجد تعريف عالمي موحد للتحرش الجنسي ولكن هناك توافق على وجود ثلاثة أوجه له، اولها اللفظي الذي يتضمن عبارات وتعليقات على المظهر أو دعابات ذو محتوى جنسي أو ملاطفة لفظية جنسية.

اما الثاني فهو غير لفظي مثل التحديق أو التصفير، والثالث جسدي كاللمس غير المرغوب به إلى الاعتداء والاغتصاب.

وتكشف دراسة متخصصة عن ان 14 % من النساء العاملات في الاردن يتعرضن لتحرش جنسي لفظي في مكان عملهن، وأن 0.7 % منهن يتعرضن لتحرش جنسي جسدي.

كما تبين الدراسة التي أعدها فريق بحثي من الجامعة الهاشمية لصالح برنامج دعم مبادرات تكافؤ الفرص التابع للوكالة الكندية للتنمية الدولية، ان 8 % من النساء العاملات يتعرضن لعنف لفظي، مقابل 2.3 % يتعرضن لترويع وتهديد نفسي من رئيس العمل.

وينحو المجتمع في معظم الاحيان الى القاء اللوم على المراة العاملة في ما تتعرض له من تحرش، وهو ما يجعل مهمة حماية العاملات منه اكثر صعوبة.

وتعبر امنة الملكاوي، وهي موظفة في مركز الاميرة سلمى للطفولة عن هذه النظرة المترسخة في مجتمعنا قائلة انه اذا "اعطت العاملة مجالا لزميلها فان ذلك يؤدي الى تلك الظاهرة".

وتضيف ان "الملابس لها دور ايضا في السماح للزميل بالنظر اليها، فاحيانا ترتدي البعض ملابس تقصد منها اثارة الاعجاب وعبارات الاطراء من الزملاء".

وتلفت الملكاوي التي تؤكد ان مكان عملها يخلو من هذه الظاهرة الى انه يحصل احيانا ان يتلفظ موظف ببعض عبارات الاطراء لزميلاته الموظفات ودون ان يقصد التحرش".

وايضا يحمل احمد العموري وهو موظف في احد المحلات التجارية العاملات مسؤولية ما قد يتعرضن له من تحرشات في مكان العمل.

ويقول العموري أن "العاملة يجب ان تكون مؤدبة وان لا تفتح مجالا لزميلها، فهي ان اعطته مجالا من خلال نظرة او ابتسامة او استحسان للإطراء، فإنها تسمح بذلك بتكرار التحرش".

ثغرات القانون

ولا يتطرق القانون الأردني بشكل مباشر للتحرش الجنسي في مكان العمل، ولا توجد أية مواد في قانون العمل أو قانون العقوبات للحماية من حالات التحرش في مكان العمل أو معاقبة من قام بالتحرش.

وفي الحالات التي تقرر فيها النساء التبليغ فان من الأرجح أنهن سيضطهدن وسينبذن اجتماعياً.

وكما توضح المحامية الشرعية لينا الدهني، فان عقوبة المتحرش التي يجري توصيفها في اطار "خدش الحياء" هي الحبس من ثلاثة اشهر الى سنة او غرامة مالية، هذا اذا ما تمكنت المراة الضحية من اثباتها.

وتشير الدهني الى ان الضحايا لا يتقدمن بشكاوى في اكثر الاحيان، وربما يتنازلن عن حقهن في القضايا المرفوعة وذلك خشية على سمعتن او مصدر رزقهن.

وتقول ان "الاسباب التي تؤدي لتنازل الفتاة عن حقها هي الخوف علي سمعتها او على عملها" هذا فضلا عن الاحباط الذي يخلقه طول فترة التقاضي.

وتنتقد الدهني نظرة المجتمع الى المراة باعتبارها "دائما هي الملامة" في قضايا التحرش، وتدعو "كل امرأه الى ان تعي حقوقها وان لا تلتزم الصمت او تتحاشى المواجهة والمطالبة بحقها".

وتؤكد ايمان ابو دلو، استاذة النظم والقيادة التربوية في الجامعة الأردنية، ان التحرش يترك اثارا غائرة في نفس المراة العاملة ويؤثر سلبا على ادائها وثقتها بنفسها.

وتقول ان التحرش "يؤثر بشكل سلبي على المراة وبصورة تحد من قدرتها في العمل وثقتها بنفسها، حيث تبدأ بالنظر الى ذاتها باعتبار انها اقل من ان تكون انسانا يستحق الاحترام".

على ان ابو دلو تلفت الى ان مفهوم التحرش اللفظي قد يختلف من مجتمع الى اخر وعند امراة واخرى، وذلك تبعا للثقافة والبيئة التي تؤطر وعي كل منهما.

وتوضح "مثلا: عبارة فستانك جميل قد تكون اعتيادية عند بعض النساء ويمكن ان تفهم على انها تحرش عند البعض الاخر رغم ان صاحبها قد لا يقصد من ورائها شيئا" يتجاوز الاطراء والمجاملة المنزهة عن اي مأرب.

وعموما، يؤكد المسؤول في بلدية الزرقاء جلال الاغوات، ان جزءا كبيرا من المسؤولية في وقف التحرشات تقع على كاهل المدير في العمل.

ويقول الاغوات، وهو مدير المنطقة الاولى في البلدية ويعمل لديه اكثر من مئتي موظف بينهم تسع سيدات، أنه عندما بدأ عمله في هذه المنطقة وصلته بعض الشكاوى من الموظفات عن سماعهن الفاظا بذيئة تبدر من زملاء لهن.

ويضيف ان الحزم الذي ابداه حيال هذه الظاهرة كان كفيلا بوضع حد لها، حيث ابلغ الموظفين بان عقوبة الاتيان بالفاظ مسيئة على مسامع الموظفات ستكون اما حسما في الراتب او نقلا تاديبيا او حتى فصلا من العمل.