أمهات في الظليل يتحدين الفقر وينتزعن الحياة لأسرهن
كان محالا ان يكفي راتب المعونة الضئيل لاطعام الافواه الخمسة التي خلفها زوج جميلة الاتيم وراءه بعد وفاته، فكان على هذه المرأة ان تجترح المستحيل حتى توفر لها لقمة العيش والحياة الكريمة، وقد فعلت.
واليوم باتت جميلة (37 عاما) والتي تقيم مع اسرتها في الظليل، نموذجا يحتذى في التضحية والعطاء الذي تبذله امهات يتحدين الفقر والعوز حتى يوفرن حياة كريمة لاسرهن.
كان زوجها عامل مياومة بسيطا، ولم يترك لها شيئا عند وفاته عام 2005، وكانت حينها اما لاربعة ابناء اكبرهم في العاشرة من العمر، والخامس لا يزال في احشائها.
وتقول جميلة وهي تتنهد بحرقة "رحل ولم ير ابنه، وتركنا وليس في بيتنا رغيف خبز الا ما يتصدق به الاهل والجيران".
وتصف هذه المراة الاشهر الخمسة التي سبقت بدء صرف راتب المعونة لاسرتها بعد وفاة زوجها بانها كانت ذروة في المرارة والقسوة، وحتى عندما جاء الراتب، فانه لم يكن يسد حاجتهم من الطعام سوى لبضعة ايام من الشهر بعد دفع اجرة البيت.
وضعت جميلة طفلها الخامس وهي في فترة العدة، فمنعها الاعتناء به وباخوته من الخروج للبحث عن عمل يعتاشون منه.
وبمضي الوقت اشتدت الحال باسرة جميلة حتى ان احد ابنائها طلب يوما "شلن" فلم تجد لتعطيه، فلم تتمالك نفسها حينها وبكت بحرقة وهي تستشعر الهوان وقلة الحيلة.
راحت تفكر في سبيل لانتشال بيتها من ضنك العيش، فهداها البحث الى جمعية في الظليل تقدم القروض التشغيلية للنساء، فتقدمت لديها بطلب تمويل شراء آلة خياطة لعلها تعمل عليها وتكسب بعض المال.
وخلال فترة وجيزة كان موظفون من الجمعية يحضرون الى بيت جميلة لدراسة حالة اسرتها، وبعد حصولها على الموافقة جرى شراء آلة الخياطة لها بموجب قيمة القرض.
بدأت هذه المراة العمل على الالة فور تسلمها، وراحت تخيط قطع الملابس وتبيعها وتسدد مما تجنيه اقساط القرض وتنفق على اسرتها التي اخذت احوالها تشهد تغيرا وتحسنا واضحين.
لم تكتف بذلك، فسعت الى توسيع مشروعها حيث قصدت مصنع اغطية في المنطقة والذي وافق على بيعها الاغطية باسعار مخفضة، وهي بدورها كانت تسوقها للزبائن وتحقق ربحا اسهم في مزيد من التحسن في اوضاعهم المالية.
وبنبرة رضا، تقول جميلة "مشروعي في بيتي، والحمد لله انفرجت الحال، وابني الاكبر اصبح الان في الجامعة".
وتضيف "ساظل اكافح واجتهد في عملي حتى يستطيع ابنائي الحصول على التعليم الذي حرمت منه، وانا الان افكر في شراء قطعة ارض لبناء منزل صغير يضمني ويضمهم".
وغير بعيد عن بيت جميلة، يحكي منزل حفيظة سلمان (ام ابراهيم) وهي ام لستة ابناء، قصة كفاح اخرى لامراة كانت حال اسرتها عند حدود الصفر قبل سنوات، ولكنها استطاعت بمثابرتها ان تنقذها من براثن الفقر وتوفر لها الحياة الكريمة.
وتروي ام ابراهيم قصتها التي بدأت قبل ثمانية عشر عاما، قائلة ان زوجها كان حينها عاطلا عن العمل، ولم تكن هي تستطيع الخروج للعمل بسبب العادات والتقاليد السائدة في المنطقة والتي تعتبر عمل المراة عيبا.
سالت واستشارت الاقرباء والجيران حول ما يمكن ان تفعله من اجل تحسين وضع اسرتها ودون الاضطرار للخروج من البيت، فنصحها احدهم بطلب قرض لشراء اغنام تربيها وتكسب من بيع صوفها والبانها.
وكان ان فعلت ام ابراهيم ذلك، وحصلت على بضعة رؤوس من الاغنام بدات بها مشروع عملها الذي غير مجرى حياة الاسرة.
وتقول "كان عمري حينها ثلاثين عاما، ورحت اقصد باغنامي المرعى وابيع حليبها للجيران واهل المنطقة، وما يتوفر لي من مال كنت اسدد به القرض واساعد في نفقات البيت وتعليم ابنائي".
وتضيف "بعد ذلك قمت بشراء الدواجن ومنها البط البلدي، ورحت اربيها الى جانب الاغنام وابيع بيضها".
وقد اثمرت رحلة كفاح ام ابراهيم، والتي هي لا تزال مستمرة الى اليوم، عن تعليم ابنائها الذين هم خمس اناث بعضهن في الجامعات واخريات تزوجن، وذكر واحد اصبح الان معلم مدرسة، وقد بنت له بيتا وقامت بتزويجه.
ويؤكد حسين احمد وهو رئيس احدى الجمعيات في قضاء الظليل، ان قصتي جميلة الاتيم وام ابراهيم تمثل دليلا حيا على تضحية الام من اجل اسرتها وابنائها في هذا القضاء الذي يعد من ابرز جيوب الفقر في البلاد.
وقال حسين ان الظليل تشتمل على قصص مماثلة كثيرة لنساء تفانين من اجل تحسين احوال اسرهن، واثبتن ان المرأة متفانية واكثر اصرارا على النجاح من الرجال لما يتمتعن به من صبر وعزيمة.
إستمع الآن