ما تزال خانة الديانة المدرجة في وثائق رسمية تشكل جدلا لدى أوساط حقوقيين يعتبرون ذلك تمييزا بين المواطنين الأردنيين.
ويرى مراقبون أن إدراج حانة الديانة في كل من بطاقة الأحوال المدنية وشهادة الزواج وشهادة الميلاد هو أمر مفروض من قبل الحكومة الأردنية وليس أمرا اختياريا، وحتى لو كان اختياريا فانه يخالف المعايير الدولية المعمول بها.
فموضوع خانة الديانة في الوثائق الرسمية يمس بالمقام الأولى البهائيين الذي تترك خانة الديانة في حالتهم فارغة ما قد يفضي في كثير منن الحالات إلى حرمانهم من حقوقهم المدنية كالزواج.
وأشار المواطن البهائي فارس النعيمي الذي يستنكر عدم اعتراف الدولة بالديانة البهائية إلى أنه كانت هناك محاولات كثيرة في إدراج الديانة البهائية في خانة الديانة في بطاقة الأحوال الشخصية.
لكن من جهتها أوضحت دائرة الأحوال المدنية بحسب ما يضيفه النعيمي أنها ملتزمة بإدراج ديانة الإسلام أو المسيحية في خانة الديانة ومنحتهم اختبار إدراج واحدة من الديانات لكن البهائيين رفضوا ذلك بسبب عدم رغبتهم في تزوير الحقائق.
والغاية من وجود خانة الديانة على بطاقة الأحوال الشخصية بحسب تصريح سابق لرئيس الدائرة القانونية في دائرة الأحوال المدنية احمد ملكاوي هو ضمن البيانات الإلزامية على البطاقة والمقصود بها التعريف بالشخص وليس التمييز.
فالبهائي بحسب ما يضيف هو مواطن أردني لا يمكن أن يتم إغفاله من القيود كون ديانته أغفلت لذا تم الاجتهاد بوضع نقاط في خانة ديانته.
بدورها تتمنى الناشطة الحقوقية بنى دواني أن تلتزم الدولة بما نص عليه الدستور وهو أعلى مرجعية في مادته السادسة على أن الأردنيين سواء حتى لو اختلفوا في العرق أو الدين.
ويؤكد المواطن الأردني يوسف المهركاني على أن البهائيين جزء من النسيج الوطني المجتمعي في الأردن، إذ جاؤوا إلى الأردن منذ العام 1900 واختلطوا أسوة بالجماعات الأخرى التي دخلت إلى الأردن مثل الشيشان بالنسيج المجتمعي وأصبحوا جزءا منه.
وعن الإشكالات التي تسببها خانة الديانة بالنسبة للبهائيين يوضح المهركاني إلى أنها إشكاليات ذات شقين أولهما الشعور العام بالنسبة للبهائي بعدم مساواته مع سائر المواطنين، مستشهدا بمثال إلى أن البهائي يتعرض للإحراج عندما يبرز بطاقته الشخصية فأول من يتم سؤاله “هل أنت بلا دين؟”.
فيما يتعلق الشق الثاني بالإشكالات القانونية إذ يترتب على خانة الديانة عدم إصدار شهادات زواج كسائر المواطنين، الأمر الذي ينم عن ضياع حقوق للبهائيين ويحل بالنسيج الوطني الموجود.
وأشار المهركاني الى أنه وقبل أن يتم إدراج المعلومات في دائرة الأحوال المدنية عبر الحاسوب في العام 1977، كانت جميع وثائق البهائيين مثل شهادة الميلاد تدرج الديانة البهائية في خانة الديانة مكتوبة بالنص.
وبين إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموقع عليه الأردن واللجنة المعنية بتفسير العهد تقول أن الاعتراف بديانة معينة بأن تكون دين الدولة يجب ألا يعيق بالتمتع بأي حق في العهد، كما يجب ألا يؤدي إلى أي تمييز ضد أصحاب الديانات الأخرى، أي لا يوجد مواد قانونية تجيز التمييز إنما هي اجتهادات من موظفين.
وأكد إلى انه كانت هناك محاولات متكررة في طرح إدراج الديانة البهائية على بطاقة الأحوال الشخصية مع مسؤولين الذين أبدوا تفهمهم لمطالبهم، لكن لم تفض الجهود لأي شيء.
ويرى المهركاني أن الحل لمشكلة البهائيين وإدراج ديانتهم في بطاقة الأحوال الشخصية يبدأ بحل جذري أساساه الانضواء تحت غطاء قانوني وأن يكون للبهائيين حيزا في مجلس الطوائف غير المسلمة حتى تكون لديهم محكمة خاصة كسائر الطوائف في المجلس وهو أمر يسير جميع مصالح البهائيين.
بدوره يرى الناشط الحقوقي رياض صبح أن حرية المعتقد وما يتصل بها من قضايا هي ليست متداولة كثيرا حتى من قبل العاملين في حقوق الإنسان نظرا لحساسيتها.
ويضيف أن هناك قوانين في دائرة الأحوال المدنية تنظم هذه العملية لكن ومع إجراء مقارنة مع القانون الدولي ومع ما ورد فيه والتزام الناشئ عنها بالنسبة للأردن ففي المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليها الأردن دون تحفظ فإنها تقول:”لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبير وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو جماعة وأمام الملأ أو على حدا”.
وهذا يعني أن هذا الحق فردي لا يستوجب وضع سياسات والتدخل من قبل السلطات على دين الشخص، بحيث لا يبغي عليها وضع اجراءات قد تفضي بظهور تمييز.
ويعود صبح إلى خانة الديانة التي كانت مدرجة في جوازات السفر والتي تم إلغاءها فيما بعد وهذا يشي بظهور تمييز من جراء تلك الخانة على المواطنين الأردنيين سواء في الداخل أو الخارج.
ثم يستكمل حديثه عن المادة ال18 التي نصت أيضا: “لا يجوز تعريض أحد لإكراه في دين ما أو حريته في اعتناق دين أو معتقد يختاره”، ويؤكد إلى أنه لا يوجد في الأردن ممارسات من شأنها أن تكشف وجود إكراها في الدين بل إنما من المعروف أن الأردن متسامح فيما يتعلق بحرية اعتناق الدين، وما يوجد من عراقيل إنما مثل خانة الديانة تأتي من جراء تعليمات ووجودها غير ضروري ويمكن الاستغناء عنها بوثائق أخرى تتعلق بالأمور الشرعية تخرج حسب الطلب.
ويرى صبح أن السؤال عن الدين هو سؤال تمييزي ويقول “الهوية الشخصية هي هوية للمواطنة تثبت مواطنتي وعليها رقم وطني وليس مشروطا بالمواطنة أن يتم التعريف بالدين فالمواطنة للجميع”.
ويبين أن البهائيين والفراغ في حانة ديانتهم في بطاقة الأحوال الشخصية يشكل حرجا وتمييزا لهم ليس بالضرورة من قبل السلطات بل من المجتمع نفسه أيضا، والمسألة لا يمكن أن تكيف بالانتقال 180 درجة إنما إيجاد حلول بديلة واحترام المعايير الدولية.
وأشار إلى أن الإنسان يبقى معتنقا بدينه سواء اعترفت به الدولة أم لا ويجب بدورها ألا تتدخل حتى لا تكون هناك حقوق منقوصة، مشددا على أن قانون الأحوال الشخصية لا يوجد فيه نص لخانة الديانة إنما هي تعليمات.
والحل برأي صبح عدم ربط الهوية الشخصية بالديانة، وإذا كانت هناك إجراءات شرعية ملحة يمكن إصدار وثائق لها من قبل دائرة الأحوال المدنية ولا يجوز ربط المواطنة بالدين.
فالدستور هو الذي ينظم العلاقة بين الفرد والدولة، اعتناق الشخص لدين ما لا يجوز أن بفضي بحرمانه من حقوقه فالفرد عليه واجبات وله حقوق.
وتبقى خانة الديانة الغائبة في وثائق رسمية أخرى مطلبا ملحا يدفع باتجاه إلغائها حتى لا يكون المواطن الأردني عرضة للتمييز.