جدران عمان تنبض بألوان فنانات الغرافيتي

جدران عمان تنبض بألوان فنانات الغرافيتي
الرابط المختصر

كانت سهى سلطان في الثامنة عشر من عمرها عندما نفّذت أوّل أعمالها الفنية على الجدران الخارجية لمنزل والديها في عمان، وكان شرط جيرانها الوحيد أن تُبدِع رسومًا جميلة بألوانها وأدواتها. ومنذ ذلك الحين، أكبت الفنانة الشابة التي تبلغ اليوم 20 عامًا على إحياء عدد من جدران مدينة عمان المغطاة بالسخام، والرمال، وعوادم السيارات. وفي حديث مع "المونيتور"، قالت سلطان: "بدأت أرسم منذ زمن بعيد، لكن عندما دخلت كلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية، قرّرت أن أذهب أبعد من ذلك لأنشر أعمالي الفنية في كافة أنحاء المدينة".

 

عندما أرادت سلطان أن تعمل مع فنانات غرافيتي أخريات، اكتشفت أنّ عددهنّ قليل، و"لذلك قرّرت بناء شبكةٍ لفنانات الغرافيتي،" لكن "تعلم كيف أنّ المجتمع ذكوري بعض الشّيء في الأردن".

 

إلا أن سلطان ليست فنانة الشّارع الوحيدة في الأردن. فهناك يارا هنداوي التي نشأت في دبي، وقد رسمت في أيار/مايو 2015 لوحة جدارية في مدينة المفرق التي تقع على بعد 80 كيلومترًا إلى الشّمال من عمان، علمًا أن أعمال هنداوي الفنية المميّزة تجمع ما بين الأشكال الهندسيّة والشخصيّات الخياليّة، فنرى مخلوقات شبيهة بالرسوم المتحركة جنبًا إلى جنب مع الزهور الملوّنة.

ومن بين الفنانات الأخريات المشهورات، نذكر مصمّمة الغرافيك والرسامة دينا فواخيري، ورسامتي الجداريّات سارة ألان وميرامار، فضلا عن أماني حسن، الكاتبة التي تخط على الجدران بواسطة أشكال جاهزة. وقد شاركت هذه الفنانات مؤخرًا في معرض محلّي حمل عنوان "Art in pizza boxes"، وغالبا ما يتم نشر صور عن أعمالهن الفنية على صفحة "Amman Street Art" على إنستغرام – ويمكن رصد معظمها لدى التجوّل في أنحاء العاصمة.

 

وقالت حسن: "انتقلت من الولايات المتحدة منذ خمس سنوات. وكانت الكميّة الاستثنائيّة لفنون الشارع من بين الأسباب التي جعلتني أقدّر عمان أكثر".

 

بدأت حسن تقتفي أثر هذه الرسوم الجدارية وتخطّ اقتباسات باللغة الإنجليزية بجانبها، بعد الحصول على إذن الفنانين. وبين رسم روبوت لفنان الغرافيتي مايك دردريان ورسم شخصي بالألوان المائية ذو سطح مزخرف أعدّته ميرامار بالقرب من سوبرماركت C-Town في الدوار السابع في عمان، أضافت حسن الجملة التالية: "نأتي من عالمين مختلفين، لكن معًا يمكننا أن نخلق عالمنا الخاص".

 

 

مع ذلك، يواجه عدد كبير من الفنانات صعوبة في أن يتم تقبّلهنّ في هذه الوظيفة. "على المرأة أن تكون موظّفة في بنك أو معلّمة في مدرسة حتى تتمكّن من العودة باكرًا إلى المنزل وتحضير العشاء لزوجها. ... لكن أن تكون فنانة بدون التزامات وأن تعمل في الشارع وترسم فهو أمر غير مقبول في مجتمعنا،" وذلك بحسب راند طريفي، وهي طالبة في قسم النّحت في كلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية.

 

وقالت سلطان: "عارض والدي في البداية فكرة مشاركتي في مشاريع فن الغرافيتي لأنني سأكون محاطة بغالبيّة من الرجال. نحن مجتمع لا يقبل الاختلاف؛ فنحن نحب تقاليدنا وثقافتنا وتجانسنا".

إلا أن شغف سلطان وعزمها يدفعانها إلى تحطيم هذه السّلاسل الذكورية من خلال فن الشارع الاستفزازي. عندما شاركت سلطان في مشروع "بلدك" لفنون الغرافيتي عام 2016، والذي بدأ عام 2013، رسمت عدّة شخصيات نسائيّة متشابهة في أنحاء الأردن. وفي إحدى اللوحات الجداريّة في موقف للسيارات بجوار مطعم جميدة خانوم في وسط المدينة، رسمت فتاة غير تقليديّة بتسريحة الموهوك وثقب كبير في أذنها ومعها سيجارة. وكان ذلك الرسم استفزازيًا بنوعٍ خاص لأنّ الأردن لا يحبذ تدخين النساء في الأماكن العامة، علمًا أنّ الأردن هو أكثر دول المنطقة التي ينتشر فيها التدخين بين الذكور. أضف أنّ سلطان رسمت المرأة من دون الحجاب، وهو أمر يرفضه الكثير من المحافظين.

 

 

يحتل الأردن في الوقت الراهن المرتبة 135 من بين 144 في "تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017. وعلى الرغم من الموقف الذكوري تجاه المرأة، يمكن لفنانات الغرافيتي التغلب على التحيزات في ظل ترحيب المجتمع بفنون الشّارع على مدى السنوات الماضية".

 

 

بحسب دردريان الذي شارك في مشروع "بلدك" لفنون الغرافيتي، "إنّ التقارير التي تشير إلى أنّ البلدية تحظر رسوم الغرافيتي أو تمارس الضغط عليها، عارية عن الصّحّة لأنّ الفنّانين مدركون لضرورة عدم تخطّي حدود دينيّة معيّنة، وعدم التعرّض إلى العائلة المالكة أو التطرّق إلى المواضيع الجنسيّة". وأضاف دردريان: "عندما توقّع سهى على البورتريهات التي ترسمها أو عندما يرسم فنان الشارع وسام نساءً بتسريحات أفريقيّة، ما من رسالة سياسية وراء ذلك؛ بل هو بيان في حد ذاته يغيّر المفاهيم الخاطئة عن البلاد".

 

 

وقد روى دردريان إحدى ذكرياته المفضلة عن مجموعة من الرجال المسنين الملتحين الذين وجدوه يرسم على أحد الجدران لدى عودتهم من صلاة الجمعة في مسجد محلي. وبمجرد أن أوضح لهم أنّ الأرانب التي رسمها ليست رسالة سياسيّة بل محاولة لإضفاء اللّون إلى الجدران، أشادوا بعمله. وقال: "بحسب تجربتي الشّخصيّة، إنّ إضفاء الألوان على الجدران يساهم دومًا بزرع البسمة".

 

طوّر كلّ من فناني الشّارع مجموعة من القواعد التي عليه أن يلتزم بها لتفادي المتاعب، كالطلاء في وضح النهار، واحترام الحساسيات والخصوصيات في المنطقة التي يرسم فيها والتمكّن من شرح العمل لكلّ من الشّرطة والمارّة. وأكّدت سلطان من جديد على مدى تشجيع زملائها الذكور من فناني الغرافيتي لها، مثل صهيب عطار، وكيف أنّ عدد المادحين أكبر من عدد القادحين؛ حتى أنّ والدها أصبح الآن فخورًا بعملها.

 

وقالت طريفي، التي تعتبر سلطان مصدر إلهام لها: "إنها تقدّم رسالة مفادها أنها فنانة أردنية". وأضافت: "على الرغم من كلّ ما يقوله الناس عنها - سواء أكان إيجابيًا أم سلبيًا - هي تؤمن بعمان وتريد إبراز جمالها. بإمكانها أن تفتح صفحة خاصة بها أو أن تقيم معرضها الخاص لعرض أعمالها الفنية، لكنها تختار مشاركة أعمالها مع العامّة، وتحسين الثقافة الأردنية من خلال جدران المدينة".

 

*المونتيور

أضف تعليقك