أردني يحول كهفا عمره 65 مليون سنة الى مطعم

أردني يحول كهفا عمره 65 مليون سنة الى مطعم
الرابط المختصر

في مدينة مأدبا (33 كم جنوب العاصمة عمان)، تستطيع أن تتناول وجبتك وسط باطن الأرض في كهوف تعود للعصر الحجري، بعد أن حول المهندس جورج حدادين كهوف يعود عمرها الى 65 مليون سنة إلى مطعم سياحي."إنه معلم تراثي يقدم الطعام وليس مطعما". هكذا ينظر حدادين الذي كان نقيبا الجيولوجيين الأردنيين في عام 1988-1992 الى المطعم الذي اسماه "مراح سلامة".

 

"كلما توغل المكان في الزمان، كلما تعمقت الروح وتجذرت، وحيثما تتوحد روح المكان المسكون مع روح الساكن في المكان يتخلق الابداع، وفي اللحظة التي تلامس روح الإنسان، هذا المكان، يستعيد اللاوعي انتاج اللحظة التاريخية التي حصلت في عمق الزمان". بهذه الكلمات الأقرب للشعر يتغزل حدادين بمطعمه الكهف.

 

بدأت قصة "مراح سلامة" عام 2010 بالصدفة عندما أراد حدادين أن يبني منزلا له في قطعة ارض تعود الى والده، يقول لـ المونتيور، "أعطاني والدي هذه الأرض كي أقيم عليها منزلا أسكنه، وعندما بدأت بالخطوات الأولية لإنشاء المنزل اكتشفت الكهوف، فقررت العمل على فكرة أن هذا المكان يجب أن يكون متحفا، لكن الفكرة تحولت إلى مطعم بعد عشر سنوات من العمل لتكون موقعا موحدا يجمع غذاء الجسد والروح في آن واحد".

 

حرص حدادين على أن يحافظ على شكل الكهوف كما هي، وقام بوضع ارضية زجاجية تمكن الزائر رؤية القيمة التاريخية للكهوف التي يقول انها تعود الى 65 مليون سنة قبل الميلاد.

 

في الكهف الذي تنزل له من خلال درجات الى عمق الأرض، تشاهد سلسلة من الكهوف، ومجاري للمياه، يمنحك الجلوس في الكهف شعورا بالتأمل؛ بسبب الاضاءة الخافتة والرطوبة المنعشة.

 

حسب حدادين، "هذا المطعم الوحيد في العالم داخل كهف مع المحافظة على شكله التاريخي، في المطعم تجد آثار النار واضحة على سقف الكهف، والتي أشعلها الإنسان قبل 25 الف عام قبل الميلاد عندما سكن الكهوف".

 

"الفكرة بدأت غريبة في بداية الأمر، عندما بدأت في العمل على بناء المطعم قبل عشر سنوات قوبلت برفض واستهجان الناس المحليين لم يتقبلون كيف ستحول كهفا الى مطعم، الا أن بعد العمل أصبح معلما تاريخيا بعد جهد كبير استمر لعشر سنوات". يقول حدادين.

 

إلا أن فكرة أهل مادبا تغيرت بعد أن رأى مراح سلامة النور في 2018، ربى أبو صليح 21 عاما، من زوار المطعم تصف شعورها لدى دخولها "مراح سلامة"، تقول لـ"المونتيور"، "تجربة مميزة وفريدة من نوعها تفاجأت لم أتوقع أن يكون هيك هنالك شيء مميز ومخفي عن العيون عندما شاهدت صور مراح سلامة على الفيس بوك اثارني اصابني الفضول وذهبت لزيارته لاعرف ما سر هالمكان" .

 

"عندما "وصلت فعلا كانت صدمة كبيرة ولحظات ذهول، درج صغير يقودك على داخل الارض حيث الجمال والتاريخ أنه أكثر من مطعم".

 

وتعني تسمية "مراح سلامة" الى مصطلح بدوي ويعني المكان الكبير الذي يعيش فيه الإنسان ويرتاح فيه وهو أكبر من الكهف حسب حدادين.

 

ولم يقتصر زوار الكهف على اهل مادبا إذ يتسع "مراح سلامة" الى 200 زائر، يأتيه الزوار من مختلف مناطق المملكة بالاضافة الى السياح الأجانب ويقدم وجبات الطعام بأسعار متوسطة.

 

الطالبة ريم المدان، تتحدث عن زيارتها الأولى للمطعم "ذهبت المطعم في رمضان الماضي لتناول الإفطار، سمعت عن المطعم الكهف من قبل طلاب في الجامعة، لكن الواقع لم يكن كالحديث، الكهف مذهل! كيف يعيشون في الكهف مع التكنولوجيا الحديثة، كل شيء مدهش، الأرضيات ، الجلوس ، والإضاءة ، كل شيء لا يوصف! أوصي الجميع للذهاب إلى هناك!".

 

وأصبح "مراح سلامة" يعتبر معلما مهما من معالم مدينة مأدبا التي تعود نشأتها الى العصر البرونزي، وحافظت المدينة على هذه التسمية الآرامية حتى يومنا هذا، وتعني كلمة مادبا بالعربية (ماء وفاكهة).

 

ومن أبرز معالم مأدبا تشتهر بالفسيفساء والكنائس القديمة ولعل أشهرها كنيسة الخارطة (الروم الأرثوذكس) وكنيسة الرسل وجبل نيبو الذي يحتل مكانة دينية لدى المسيحيين بسبب اعتقادهم أن النبي موسى رأى الأرض التي وعده الله بها وهو واقف على الجبل.

 

مدير سياحة مادبا وائل الجعنيني، يقول لـ "المونيتور"، "عندما جاء حدادين بفكرة المطعم داخل الكهف تشجعنا ومنحناه رخصة ليكون منتج سياحي جديد في المنطقة، ونقوم بتشجع الأردنيين لزيارته كسياحة داخلية كونه مطعم فريد من نوعه".

 

مؤكدا أن "مادبا موجودة على الخارطة السياحية العالمية، كونها مدينة الفسيفساء العالمية واخر سنتين حصدنا انجازين هما مدينة الفسيفساء الحجرية من قبل المجلس الحرفي العالمي، كما انضمينا الى شبكة النظم المبدعة التابعة لليونسكو".

 

ويشجع الجعنيني المواطنين على ابتكار مشاريع سياحية مماثلة لمراح سلامة، "نشجع المجتمعات المحلية في الانخراط بالقطاع السياحي كون السياحة نفط الاردن، وتحديدا في مادبا كونها مدينة سياحية بالدرجة الأولى يوجد بها تنوع من مسارات تراثية وجيولوجية، والحج المسيحي، ومسارات للمغامرات، وسياحة بيئية، وسياحة تأمل".

 

"ادعو المجتمع المحلي في مأدبا للاستثمار في السياحة، أرقام زوار مادبا من السياح بارتفاع ففي عام 2017 بلغ عدد زوار مادبا 220 الف سائح، لكن خلال الـ6 اشهر من عام 2018 بلغ العدد 224 ألف".

 

ويتفق مع ذلك المهندس حدادين، داعيا الى الاستثمار في السياحة الجيولوجية ومشاهدة الكهوف التي تعود لعصور مختلفة، بالاضافة الى ان الأردن متحف سياحي، وخصوصا السياحة الدينية بسبب وجود مواقع دينية تنتمي لطوائف مختلفة.

 

في مراح سلامة لا تأكل في فمك فقط إنما عينك ايضا لها نصيب من ما ستراه من تاريخ ضارب في الزمان، لا يبخل المهندس حدادين على الزوار بتقديم شرح حول جيولوجيا الكهف مستغلا تخصصه في الجيولوجيا وحبه لهذا العلم. المونتيور

أضف تعليقك